عندما يتم الحديث عن الرقم الذي يجب أن يوضع على ظهر لاعب كرة قدم، دائمًا ما يرتبط ذلك بالعادات التي تأصلت في الوعي الجمعي لمتابعي كرة القدم، وبشكل ما يجد البعض أنفسهم مُهيئين لمنح لاعب ما رقما ما وفقا لتقديرهم الشخصي لحظة تعاقد ناديه معه، والمثير أن هذه اللعبة -إن صح التعبير- تنجح في أغلب الحالات، فقد أصبحت قضية تخمين الرقم الذي يمكن أن يزين ظهر لاعب كرة القدم مرهونة بالخلفية التي يمتلكها المشجعون عن اللاعب نفسه من جهة، والنادي المتعاقد معه من جهة أخرى.
لكن في بعض الأحيان، يُصدم المشجعون ووسائل الإعلام من خلفهم حينما يمنح اللاعب رقما يرونه غريبًا، كارتداء المهاجم الكاميروني صامويل إيتو الرقم “5” مع إيفرتون الإنجليزي، أو منح ريال مدريد لمتوسط الميدان الدفاعي الفرنسي لاسانا ديارا الرقم “10”، وصولا لارتداء كل من المدافعين الهولندي خالد بولاحروز، والفرنسي ويليام جالاس الرقمين “9” و”10″، مع ناديي تشيلسي وأرسنال الإنجليزيين، والقائمة تطول بكل تأكيد.
يتعامل المشجعون، الأندية، وسائل الإعلام، وحتى اللاعبون أنفسهم مع قصة الأرقام من منطلقٍ تسويقي، أو جمالي، بمعنى أن يكون الرقم الذي يزين ظهر اللاعب برهانا على مدى أهميته للفريق، لكن الآن يجب طرح عدد من الأسئلة المنطقية، مثل كيف اكتسبت أرقاما بعينها أهمية أكبر من الأخرى، وما الذي يضير أحدهم إذا ما ارتدى أي لاعب أي رقم، هل أمر يبدو تافها كهذا يحتاج ذلك العناء فعلا؟
فلاشباك
يجب مبدئيا العودة بعض الخطوات للخلف، حتى نتمكن من شرح أهمية الأرقام بالنسبة لأقمصة فريق كرة القدم، ومدى تأثيرها على اللعبة نفسها، بغض النظر عن الشكل الدعائي الذي تحمله القصة حاليًا.
دعنا نخبرك بأن أقمصة أندية كرة القدم لم تكن تحتوي على أية أرقام قبيل العام 1928، حين قرر هيربرت تشابمان، مدرب أرسنال الإنجليزي الأسطوري أن يبتكر فكرة الشرائط المرقمة ووضعها على ظهر كل قميص بإحدى مباريات فريقه ضد شيفيلد وينزداي.
في الواقع لم تنل الفكرة استحسان المسؤولين عن كرة القدم الإنجليزية عندئذ، إلا أن أصداء الفكرة نفسها بدأت في الانتشار ببطء بين مسؤولي الأندية، الذين قرر بعضهم تطبيق الفكرة من تلقاء أنفسهم في بعض المباريات، لمدة قاربت العقد، حتى تم إلزام جميع الأندية الإنجليزية بأن يرتدي لاعبوها أقمصة مرقمة في عام 1938.
أرقام القمصان.. فكرة منطقية
كان نظام الترقيم الخاصة بأقمصة أندية الدوري الإنجليزي بهذه الفترة عشوائيا، إلى أن جاء القرار النهائي من اللجنة المسيرة للمسابقة في يوليو 1939، والذي نص على وجوب ارتداء اللاعبين لأقمصة مرقمة، لكن وفقا لنظام محدد، حيث يرتدي لاعبو الفريقين المتنافسين أقمصة تحمل الأرقام من 1 إلى 11 (وهو عدد اللاعبين داخل الميدان).
لكن بعيدًا عن ذلك، وبنظرة بسيطة على الأسباب التي دفعت تشامبان لمحاولة ترقيم الأقمصة، فقد امتلك الرجل وجهة نظرٍ منطقية، وهي أن إعطاء اللاعب رقما محددا قد يسهل من عملية تدريبه على تحديد المساحة التي يجب أن يشغلها داخل أرض الملعب بالنسبة لزملائه في الفريق، ما يجعل تحركات الفريق كمجوعة تتسم بالتنظيم بشكل أكبر.
كيف تطورت الأرقام؟
كان نظام تشابمان يعتمد على ترقيم أقمصة اللاعبين بشكل تصاعدي، بدءًا من حارس المرمى، ثم الانتقال إلى الأمام من يمين الملعب إلى يساره، ثم الصعود وصولا إلى خط الهجوم في النهاية.
لذلك فقد كان اللاعبون يرتدون الأرقام داخل خطة 2-3-5 الخاصة به كالآتي.. ثنائي الدفاع يحملان رقمي 2 و3، وارتدى لاعبو الوسط الثلاثة 4 ،5، 6، بينما ارتدى خماسي الهجوم الأرقام من 7 إلى 11.
ولكن نظرًا لأن هذا النظام أصبح قديمًا وحل محله نظام W-M وفي النهاية 4-4-2 وغيره، تغيرت الأرقام الخاصة بالفريق، فتم دفع أصحاب الأرقام 2 و3 في النهاية للعب على نطاق واسع للعب كظهيري جنب، بينما تراجع لاعبان من منطقة الوسط -أصحاب الرقمين 5 و6- بينهما لتشكيل دفاع رباعي، وحافظ كل من أصحاب الرقمين 7 و11 على تواجدهما كأجنحة، ببنما تحرك أصحاب الرقمين 4 و8 بشكل أعمق ليصنعوا خط وسط من 4 لاعبين، وظل 9 و10 في القمة كمهاجمين.
وبحلول العام 1965، تم إقحام نظام التبديلات على اللعبة، ليمنح من يتواجدون على مقاعد الاحتياط أرقاما تصاعدية كذلك، تبدأ من الرقم 12 وما أعلى، إلا أن هنالك بعض اللاعبين ممن يؤمنون بالخرافات، كانوا يرفضون ارتداء الرقم 13 ظنًا منهم بأنه نذير شؤم.
ابتكارات
في إنجلترا وخلال فترة السبعينيات، كان يتم تخصيص الأرقام التي تمنح للاعبين بنظام المباراة، ما يعني أن أي رقم لم يكن حكرًا على لاعب بعينه، بل تتم مداورته بين اللاعبين وفقا لمن يبدأ المباراة أساسيا، وكان ذلك يحدث مع الجميع، مهما بلغت عظمة اللاعب وإمكانياته الفنية، لكن يمكن أن يستثنى من ذلك أسطورة مانشستر يونايتد الإنجليزي جورج بيست الذي لم يكن يترك الرقم 7 لأي سبب.
اختلف الحال نسبيا خارج إنجلترا، ففي الأرجنتين مثلا، وقبل الإعلان عن بعثة المنتخب المقرر أن تخوض كأس العالم 1974 و1978، حدثت بعض التعديلات على نظام ترقيم الأقمصة الخاص بهم، فتقرر أن يتم ترقيم أقمصة اللاعبين طبقا للترتيب الأبجدي الخاص بأسماء اللاعبين، ونتاج لذلك، تم منح متوسط الميدان أوسي أرديليس الرقم 1، لأن اسمه يبدأ بحرف الـA.
كيف نالت الأرقام قدسيتها؟
مع دخول ما يشبه الاحتراف على عالم كرة القدم بالثمانينيات، بدأت الاستثناءات في الحدوث رغبة من المسؤولين في إرضاء اللاعبين وخاصةً النجوم، فحتى وإن كان نظام الترقيم أبجديًا حتى بدء كأس العالم 1982 في الأرجنتين، فقد استثني مارادونا من ذلك، محتكرًا الرقم 10، نفس الرقم الذي علّقه نادي نابولي وحرم أي لاعب نهائيا من ارتدائه بعد رحيل دييجو اعترافا منهم بكل ما ساهم فيه من إنجازات لنادي الجنوب الإيطالي.
لم تتوقف قصة إقصاء بعض الأرقام من الخدمة على مسألة تقدير اللاعبين، فأندية مثل بايرن ميونيخ الألماني وبورتثموث الإنجليزي قررا تعليق الرقم 12 في فترة ما تحت عنوان “الرجل الثاني عشر” في محاولة لإظهار الاحترام والتقدير للجماهير الوفية للنادي والتي تنعت بهذا المصطلح أحيانا.
نوادر
خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أصبح لاعبو كرة القدم مؤسسات قائمة بحد ذاتها، لذلك أصبح أمرًا ثانويا مثل رقم القميص الخاص بهم مثار جدل، بل إن هنالك لاعبين كانوا يشترطون الحصول على رقم معين من أجل توقيع العقد مع النادي، لذلك في بعض الأحيان كان البعض يبدأ في إيجاد رقم خاص به، يرمز لشيء ما، أحيانا مهم، وفي أخرى لم يكن يعني الكثير.
كان النجم التشيلي زامورانو، لاعب إنتر ميلان الإيطالي، يرتدي الرقم 9 ومع اقتراب انتقال نجم منتخب البرازيل رونالدو للنيراتزوري، أُخبر زامورانو بأنه يتعين عليه ترك الرقم الخاص به للظاهرة وإلا ستفشل الصفقة.
خضع زامورانو للضغوطات، وترك رقمه، واختار الرقم 18، لكنه قام بالمطالبة بوضع علامة زائد (+) بين الرقمين كي تصبح 9، وبذلك يتم إرضاؤه والتعاقد مع نجم برشلونة بشكلٍ سلس دون أي إحراج له من وجهة نظره.
ما زلنا لم نترك جنة كرة القدم، وفي نفس الفترة تقريبا، حين أحدث الحارس الإيطالي جيانلويجي بوفون ضجة كبيرة حين طالب بأن يمنح الرقم 88 أثناء فترة تواجده مع بارما.
لم يكن بوفون يفكر في أي شيء في الواقع، لكن الجالية اليهودية في إيطاليا أشاعت بأن الدولي الإيطالي يعادي السامية بعدما استنتجوا أن رغبته في الحصول على ذلك الرقم قد تكون مرتبطة بمعاداته للسامية، حيث إن الحرف “H” هو الحرف الثامن بالأبجدية، لهذا افترضوا أن حصوله على الرقم 88 قد يكون اختصارا للتحية الشهيرة الخاصة بالزعيم النازي أدولف هتلر (Heil Hitler).
بينما جاء رد قائد المنتخب الإيطالي على هذا الادعاء أكثر منطقية من عبثية الطرح المزعوم، فقد أخبر صحيفة جارديان بأنه اختار الرقم 88 دونا عن غيره لأنه يمكن أن يتم تفكيكه إلى 4 كرات، وفي الثقافة الإيطالية أن تمتلك 4 كرات، يعني ذلك أنك تمتلك الإرادة والعزيمة.
أرقام القمصان ليست أهم جانب في اللعبة بأي حال من الأحوال، لكنها جلبت رمزية رائعة وأهمية محترمة لمجموعة من اللاعبين على مدار تاريخ كرة القدم، ونظرًا لأن النضال من أجل أن تكون فريدًا أصبح أمرًا حاسمًا بشكل متزايد للاعبين الكبار الذين يهيمنون على ساحة كرة القدم، فقد ترى جالاس يسعى للحصول على الرقم 10 حتى وإن كان مدافعا، ويذهب إيتو لاختيار الرقم 5 وهو مهاجم، نعم! بحثا عن التفرُّد.