هل قابلت يوما طفلا مصابا بالتوحد؟ كيف تعاملت معه؟ وماذا كانت نظرتك له؟ ماذا عن الأشخاص ذوي فرط الحركة وتشتت الانتباه؟ كل تلك الحالات هي من ضمن أنواع التنوع العصبي وهذا ما سنعرفه في المقال التالي.
التنوع العصبي
تشير نظرية التنوع العصبي إلى أن الاختلافات بين أدمغة البشر هي مجرد اختلافات وليست صورة من صور العجز لذا فإن كلمة “مرض” لا يمكن استخدامها عن الحديث عن التوحد أو فرط الحركة، في النهاية، هي تنوعات مختلفة في أدمغة البشر.
كما تم تعريفه في الندوة الوطنية حول التنوع العصبي والتي أقيمت عام 2011 في سيراكيوز بأنه “مبدأ حيث يتم التعامل مع الاختلافات العصبية واحترامها كما أي تنوع بشري آخر”.
كانت جودي سيجنر ـ عالمة الاجتماع الأسترالية المصابة بالتوحد ـ هي أول من استخدم هذا المصطلح للدلالة على أن بعض اضطرابات النمو ما هي إلا اختلافات طبيعية في الدماغ، وأن أصحاب تلك الاختلافات لديهم نقاط القوة الخاصة بهم.
بعض الفئات التي تندرج تحت هذا المصطلح هم الذين يعانون من:
- التوحد
- فرط الحركة وتشتت الانتباه
- عسر القراءة
- عسر الحساب
- صعوبات التعلم الأخرى
أعراض التنوع العصبي
تختلف الأعراض في الأطفال عن الأفراد البالغين كالآتي
في الأطفال
- ضعف التواصل البصري.
- عدم الابتسام.
- عدم الاستجابة للنداء بأسمائهم.
- عدم النطق بأي كلمة حتى سن 16 شهرا.
- عدم النطق بجمل كاملة حتى سن السنتين.
- وضع روتين صارم وترتيب معين للألعاب الخاصة بهم.
في الكبار
- عدم القدرة على بدء محادثة أو الحفاظ على استمراريتها.
- ضعف التفاعل الاجتماعي.
- عدم الاشتراك في ألعاب وأنشطة جماعية.
- التركيز الشديد المفاجئ على موضوع ما بين الحين والآخر.
- الإصرار على روتين معين وعدم المرونة فيه.
هل التنوع العصبي إعاقة؟
من المهم القول إن هذا السؤال محل سجال كبير وموضع لمناقشات عديدة بين عدة أطراف، يرى أنصار نظرية التنوع العصبي أن هذا النوع من الأشخاص لا يمكن وصفهم بالمعاقين، بل الأمر ما هو إلا تنوع طبيعي في الجينوم البشري، وهو ما يعد فتحا كبيرا في النظر لحالات كنا نعدها حتى وقت قريب حالات مرضية، صحيح أن وجهة النظر تلك لم تلق قبولا عالميا حتى الآن، لكن العلم يؤيدها يوما بعد يوم, يظهر هذا في النظريات القائلة بأن معدل انتشار حالات مثل التوحد هو تقريبا معدل ثابت ولم يتغير على مر السنين، وأن تلك الحالات هي نتاج مزيج من الاستعداد الجيني والتفاعلات البيئية وليس نتيجة مرض أو إصابة ما.
مميزات التنوع العصبي
إذا سلمنا بالنظرية القائلة إن التنوع العصبي ليس إعاقة فيجب علينا استعراض مميزات الأشخاص من هذا النوع:
- القدرة على التعامل في المواقف الحرجة بصورة مختلفة والتفكير خارج الصندوق.
- مهارات قوية في التعامل مع أنظمة الكمبيوتر والمعاملات الرياضية.
- الإبداع.
- القدرات الموسيقية.
- الانتباه الدقيق للتفاصيل.
- مهارات بصرية وذاكرة بصرية عالية.
- الإبداع في مهارات الفن والتصميم.
كيف يمكننا مواجهة التنوع العصبي؟
نظرا لأن التنوع العصبي يعني الخلاف السائد فإن من الواجب علينا معرفة كيفية التعامل معه لا كحالة مرضية وإنما أشخاص ذوي هبة مميزة نساعدهم ونشجع إبداعهم المختلف ونفيد منهم في تطور المجتمع من حولنا.
يمكن استثمار مهارات الأشخاص بما يناسب تميزهم عن غيرهم، فالأشخاص المصابون بفرط الحركة وتشتت الانتباه عفويون بدرجة كبيرة إلى جانب قدر كبير من الشجاعة والتعاطف مما يؤهلهم للتركيز الشديد في عدة مواقف عن أقرانهم، والأشخاص المصابون بالتوحد يولون اهتماما كبيرا للتفاصيل المعقدة، ولديهم ذاكرة جيدة ومهارات دقيقة مما يجعلهم أنسب من غيرهم في مجالات مثل برمجة الكمبيوتر والموسيقى، أيضا المصابون بعسر القراءة يعوضون هذا بذاكرة أقوى للمعلومات البصرية والتي قد تفيدهم في أعمال مثل الهندسة ورسومات الحاسب.
جدير بالذكر أنه في إحدى الدراسات التي أجريت على الأطفال المصابين بمتلازمة أسبرجر، وجد الباحثون أن الأطفال الذين سجلوا درجات عالية في سمات التوحد، كان اهتمامهم بالتفاصيل يصل لحد الوسواس، وهي السمة المميزة لطيف التوحد، حتى أن طبيب الأطفال النمساوي هانز أسبرجر – الذي سميت المتلازمة باسمه – أشار إلى الأطفال ذوي الكفاءة المبكرة على أنهم “أساتذة صغار”، لذا فإن جهدا بسيطا ومختلفا في التعامل معهم قد يفيدنا جميعا على كافة المستويات.
ختاما، البشر ليسوا جميعا متشابهين، نعرف هذه الحقيقة لكننا لا نعيها، زيادة الوعي بين الناس بتعريفهم بتلك الحالات وشرح الأسباب والعوامل المؤدية وترسيخ مفهوم الاختلاف وليس الإعاقة يساعد في تقبلهم في المجتمع وتماهيهم معه والمساهمة بكل طاقتهم ـ والتي غالبا ما تكون مميزة ـ في إفادة البشرية.