يظل السحر في كرة القدم الإفريقية موضوعًا قائمًا منذ سنوات، بين تأكيدات البعض على تأثيره الحقيقي، وبين معارضين لهذه الفكرة من الأساس، وفي الواقع، لكل طرف وجهة نظر تبدو منطقية، على أقل تقدير.
السحر وإفريقيا.. علاقة تاريخية
على الرغم من انتشار الديانات السماوية بعُمق إفريقيا، لا تزال إفريقيا السمراء متعلقةً بشكل ما بممارسات وطقوس الأجداد، من ضمنها السحر الأسود بمختلف أشكاله واستخداماته في شتى المجالات.
وحتى لا نُتهم بالتحيز لـ«الرجل الأبيض»، الإيمان بكُل ما هو خارق للطبيعة لا يقتصر على البلدان الإفريقية السمراء، ولا على المجالات التي لم تشهد تطورًا بالسنوات الأخيرة، فهناك في أوروبا، لا تزال الخرافات تحمل معنىً في مجال متطور مثل كرة القدم، بالنسبة للأندية، المدربين، اللاعبين وحتى المشجعين، حيث تزال استشارة العرافين والوسطاء الذين يعملون باستخدام بطاقات التاروت والكرات الكريستالية رائجة في البلدان الغربية حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، فإن تاريخ ارتباط إفريقيا بممارسات السحر وثيق للغاية، ما يضمن انغماسًا أكبر من السكان في هذه المعتقدات مع مرور السنين، لكن الأهم؛ هو تجاوز هذه الأفكار للاعتقادات الشخصية غير الضارة، بل توجيهها لإلحاق الضرر بالآخرين.
شاهد أيضًا: علاج الاكتئاب الناتج عن السحر.. كيف يكون؟
السحر في كرة القدم الإفريقية
«جوجو»، هي إحدى ممارسات السحر في كرة القدم الإفريقية، وتعرّف على أنها تطبيق لمعتقدات أو ممارسات خارقة للطبيعة، يُعتقد أنها تمنح الرياضيين ميزة تنافسية على خصومهم.
وطبقًا لمن يؤمنون بمثل هذا المُعتقد، قد تساعد ممارسة طقوس الـ«جوجو» وغيرها من الممارسات إفريقية المنشأ، على صناعة مسيرة مبهرة للاعب أو مدرب، كما يمكن أن تساعد في صناعة أخرى بائسة، كما تستخدم لمحاولة التأثير على نتائج المباريات، بل البطولات.
“يعتقد جوران ستيفانوفيتش مدرب غانا السابق أن السحر الأسود حقيقي وليس مجرد خيال، وعزا فشل فريقه في الفوز ببطولة كأس الأمم الإفريقية 2012 بسبب محاولة لاعبيه التفوق على بعضهم البعض باستخدام السحر”.
-موقع «جول» العالمي.
ويشاع أيضًا أن الأندية والمنتخبات الإفريقية تلجأ أحيانا للسحر الأسود قبل المنافسات المهمة، بتوظيف دجّالين محترفين، والمثير أن مثل هذه الممارسات ليست حكرًا على الأطراف الأضعف في المواجهات، بل تعتنقها العديد من الأندية والمنتخبات الأنجح داخل قارة إفريقيا.
شاهد أيضًا: كرة القدم النسائية ومن الذي أجبر الفتيات على دخول المطبخ؟
واقع أم خيال؟
في عالم يلفظ كل ما لا يُمكن إثباته علميًا، يظل السؤال القائم الآن؛ ما مدى توغُّل ممارسات السحر في كرة القدم الإفريقية؟ هل هي حقيقة؟ أم مجرد خيال؟
“ما لا يقل عن 70% من اللاعبين يؤمنون بالسحر”
-بيتر أوديموينجي، الدولي النيجيري السابق.
من أجل الوصول لإجابة، علينا مبدئيًا استعراض عدد من الحالات التي يُعتقد أنها شهدت تدخُّل السحرة في نتائج كرة القدم الإفريقية، أو على محاولتهم التدخُّل.
طبقًا لتقرير من إعداد موقع «جول» العالمي، شهدت كرة القدم الإفريقية عددًا من الأحداث التي يُمكن إدراجها تحت مسمى محاولة استخدام السحر في كرة القدم، أيًا ما كانت الأغراض.
مثلًا؛ في عام 2000، وفي مباراة جمعت ما بين منتخبي السنغال ونيجيريا ضمن منافسات ربع نهائي كأس الأمم الإفريقية في لاجوس النيجيرية، قام أحد مسؤولي الاتحاد النيجيري بالنزول إلى أرض الملعب لإزالة “سحر” وضع بشباك المنتخب السنغالي، بعد مرور نحو ربع ساعة من انطلاق المباراة.
وتأكّد -وفقًا للجانب النيجيري- أن ما تم إزالته كان سحرًا بالفعل، خاصة عندما نجح منتخب النسور الخضراء في تسجيل هدفين متتاليين فور إزالته، عبر بهما المنتخب النيجيري لنصف نهائي البطولة القاريّة.
في حادثة أخرى يعود تاريخها لعام 2002، وقبل انطلاق مباراة نصف النهائي بين منتخبي الكاميرون ومالي، ألقت قوات مكافحة الشغب الماليّة على كل من «وينفريد شيفر»، مدرب منتخب الأسود، و«توماس نكونو»، مدرب حرّاس مرماه، بتهمة إلقاء السحر على أرض الملعب.
شاهد أيضًا: لماذا كان جورج بوش الابن مهووسا بالرياضة؟
لأننا لا نعرف الحقيقة
في الحقيقة، لا يُمكننا التأكيد على صدق المزاعم أعلاه أو نفيها، كما لا يمكننا التأكيد على تأثير السحر في كرة القدم الإفريقية، لكن أثناء رحلة البحث عن إجابة منطقية، نجد أن الفكرة ربما تبدو أشمل بقليل.
بدراسة كيفية عمل سحر «الجوجو» وفعاليته، نجد أن هناك مدرستين فكريتين من أعمال السحر، الأولى منطقية، أما الثانية، فلا تبدو كذلك.
يؤمن أصحاب المدرسة الفكرية الأولى أنّ هذه الأعمال السحرية لا يمكن لها إحداث فارق مادّي على أرض الواقع، لكن يتم استخدامها لمنح اللاعب أو الفريق أفضلية نفسية على خصمه، لا أكثر ولا أقل.
بينما يرى أصحاب المدرسة الفكرية الثانية أن هذه الممارسات لها تأثير حقيقي، لكنها تتطلب توافر عدد من العوامل الفيزيائية والفسيولوجية كي تتوّج بناتج حقيقي على أرض الملعب، وهذا ما يفسر -طبقًا لهذه النظرية- فشل السحرة الأفارقة في دعم ممثليهم في البطولات الدولية؛ مثل كأس العالم.
إذن، بشكل ما، ينهار تأثير هذه الممارسات نفسيًا عندما يصطدم بحقيقة الفوارق الفنية والخططية والبدنية بين المنافسين، وتتعاظم وقتئذ أهمية التحضير الفني، الذي يلعب دورًا أهم في مسألة الفوز والخسارة.
في النهاية، لا يُمكن إنكار انتشار السحر في كرة القدم الإفريقية، وإيمان الكثير من المحسوبين على اللعبة بتأثيره في النتائج، لكن منطقيًا لا يمكن أن يتعدى هذا الطرح كونه هراءً، وإلا فلماذا لم يتوّج منتخب إفريقي بكأس العالم إلى لحظتنا هذه؟