صاحب الشخصية الانهزامية هو ذلك الشخص الذي يصُب تركيزه على نصف الكوب الفارغ، ويتجاهل تمامًا النصف الممتلئ منه، وهذا لأنه متشائم على الدوام، يرفض الأخذ بالأسباب المتاحة أمامه، والأهم أنه أكثر فئات البشر تشكيكًا في قدراته، وفي نوايا الآخرين تجاهه.
ما هي الشخصية الانهزامية؟
الشخصية الانهزامية هي أحد اضطرابات الشخصية التي تجعل الفرد يتبنى سلوكًا عامًا من التشاؤم، الإحباط، سوء الظن، وضعف الإرادة، الأمر الذي يتحول لانعدام الأمل في الحياة، واندثار القدرة على التمتع بالنعم التي تمتلكها، وبالتالي يسيطر عليها الشعور بالعجز وقلة الحيلة.
يُعتقد أن الشخصية الانهزامية تظهر منذ سن صغير، أثناء معركة الطفل المسماة بمعركة الإدارة، والتي عادةً ما تكون بين رغبات الطفل وتحكم ذويه به، وعند فشل الطفل في تحقيق رغباته بخضوعه لأوامر الأبوين بشكل مطلق، تتشوه شخصيته إلى الأبد.
لذلك؛ يتفانى الانهزامي في خدمة الآخرين، حتى ولو على حساب رغباته الشخصية، لأنه يستمد قوته من الاختباء خلفهُم، لكنه بنفس الوقت كثير الشكوى، بسبب شعوره بالشفقة حيال قسوته أحيانًا على نفسه.
ماذا تعرف عن التفكير الانهزامي؟
التفكير الانهزامي هو النهج الذي تتبعه الشخصية الانهزامية، وهو نمط من التفكير الذي يظهر جليًا أثناء مرحلة البلوغ، ويدفع صاحبه لتبني السلوكيات المُحبطة واليائسة، حيث يشعر دائمًا بخيبة الأمل، حتى وإن كان يمتلك خيارات قد تقوده للنجاح.
على عكس المعتقد، فالشخص الانهزامي يمتلك المهارات الاجتماعية والعملية التي قد تمكنه من النجاح، لكنه لا يثق في هذه القدرات، وبالتالي يلجأ لمنح الآخرين حصيلة هذه القدرات على شكل مساعدات حتى يرى النجاح الذي يتمنى تحقيقه من خلالهم.
صفات الشخصية الانهزامية
اتفق علماء النفس على قائمة مطوّلة من الصفات التي يمكن من خلالها اكتشاف الشخصية الانهزامية، والتي تتطابق بشكل كبير مع التعريف أعلاه، حيث تتمحور حول مفهوم الثقة بالنفس، وتفاعل الفرد مع المتغيرات التي تطرأ على حياته.
- تفتقد الشخصية الانهزامية للثقة بالنفس، حيث يتجنّب صاحبها الإبداء برأيه علنًا خوفًا من ردات فعل المجتمع المحيط.
- تتوقع دائمًا الفشل بخطوتها التالية، حيث يركّز صاحبها على سلبيات أي خطوة يخطوها بدلًا من الإيجابيات.
- صاحب الشخصية الانهزامية عادةً ما يكون شكاءً، يتلذذ بلعب دور الضحية، يظن بأنه إن جعل الآخرين يشعرون بالشفقة تجاهه سيكتسب تعاطفهم واحترامهم.
- عادة ما يكون الشخص الانهزامي بلا إنجازات أو نجاحات، لأنه يفكر كثيرًا في الأشياء التي يمكن لها أن تعرقله بدلا من التركيز على إيجاد حلول من خارج الصندوق.
- يلبي الانهزامي رغبات الآخرين حتى وإن كانت على حساب رغباته الشخصية، حيث يسعى لتقديم العون للجميع، سواء كان قريبًا أو غريبًا عنه.
- يعد صاحب الشخصية الانهزامية أكثر فئات البشر تسامُحًا مع الآخرين وقدرة على تفهُّم ظروفهم.
- هو شخص جدير بثقة الآخرين لا يمتلك دوافع خفيةً، كما أنه يتمتع ببراءة وسذاجة أقرب لتلك التي يمتلكها الأطفال.
- الشخص الانهزامي لا يخاطر مطلقًا، سواء بالعمل، أو بالدخول في علاقات جديدة، خوفًا من الفشل.
أسباب الشخصية الانهزامية
هناك عاملان رئيسيان يؤثران بشكل مباشر في تكوين الشخصية الانهزامية، أحدهما يجد طريقًا للفرد بسنٍ مبكرة، أما الآخر فهو نتيجة غير مباشرة لتمكُّن العامل الأول من الشخص، وفيما يلي سوف نستعرض العاملين.
التحكُّم الأبوي
عادةً يرغب الآباء في التحكُّم المطلق في أبنائهم، بغرض الحفاظ عليهم وتوجيههم، إلا أن ذلك لا يؤتي نتائج إيجابيةً بكل الأحيان، لأن هذه السيطرة الأبوية قد تتعارض بشكل كامل مع رغبات الطفل، وهنا يجد الطفل نفسه أمام سيناريو من اثنين متاحين، إما الرضوخ لأوامر الأسرة، أو الاعتراض الذي قد يجعله عرضة للإهانة والإذلال.
في الغالب، يرضخ الطفل، ويتخلى عن حقه في التعبير عن رأيه وتشكيل أحلامه الخاصة، ومع مرور الوقت تتكون بداخله شخصية انهزامية، لا تثق بقدراتها، لا يمكنها تقرير مصيرها، وتظل تابعة لأهواء الآخرين رغمًا عنها، وفي النهاية يتحول الطفل إلى شخص بالغ لكن ذو شخصية مشوهة، يعتقد أنه لن يستطيع حماية نفسه سوى بلعب دور الضحية، لأنه يرى فيه الحل الأمثل للابتعاد عن الظلم والمكر الذي قد يتعرض له من الآخرين.
التفكير الخطي
يعد التفكير المنفتح على العالم أحد أساسيات التعاملات الاجتماعية، فهو يُكسب الفرد الكثير من الخبرات الحياتية، ويجعله أكثر تقبلًا للمتغيرات التي تطرأ على حياته، وأكثر قدرة على التكيُّف مع المتاح، بغية إثبات ذاته مهما كانت الظروف.
على العكس تمامًا يتمتع الانهزامي بشخصية تميل للتفكير بشكل خطي، ذات أفق محدودة، تتبنى سياسة الخيار الأوحد، حيث يفترض الشخص بأنه لا حلول متعددة لمشكلةٍ ما، بالتالي يفقد قدرته على النظر للأمور من منظور الآخر، فتثبط عزائمه، ويتحول لشخص روتيني تقليدي، لا يمكنه التعامل مع الحياة بتغيراتها.
كيفية التعامل مع الشخصية الانهزامية
دون شكٍ، يعد التعامل مع صاحب الشخصية الانهزامية أكثر الأشياء المُرهقة بالنسبة للمحيطين به، والتي يمكنها أن تؤثر سلبًا على المحيطين به، لذلك وبعد التعرُّف على دوافعه وقبل أن نتطرق إلى سبُل العلاج المثالية لهذه الأعراض، لا بد وأن نُدرك أنه من الممكن أن يتم التعامل معه وفقًا لسياسة محددة، قد تحد من شعوره بالانهزامية.
- حث الشخص الانهزامي على التعقُّل والتفكير مليًا قبل اتخاذ أي قرار، وتنبيهه بأن لكل قرار إيجابيات تكافئ السلبيات تقريبًا.
- الابتعاد قدر المستطاع عن توجيه أي إساءة لفظية أو معنوية له، لأن ذلك يحفز لديه الرغبة في لعب دور الضحية.
- مساعدته على مراجعة التجارب والقرارات الخاطئة التي اتخذها بالماضي، وتوضيح مواطن الخطأ ودفعه لتجنبها بالمستقبل، عبر توضيح بديل ناجح لها.
- منعه من جلد ذاته، عبر توجيهه بعبارات واضحة تمنحه الثقة في ذاته، والرغبة في تحقيق النجاح، أو على أقل تقدير تجنب أخطاء الماضي.
- يجب أن يُنصح الانهزامي بضرورة تحمل تبعات قراراته فقط، دون الحاجة لتحمل أعباء الآخرين.
هل يمكن علاج الشخصية الانهزامية؟
مبدئيًا، يجب توضيح أن الشخصية الانهزامية ليست اضطرابًا نفسيًا مدرجًا بالدليل التشخيصي للأمراض النفسية والعقلية، لكنه مجرد سلوك إنساني يمكن الحد من أعراضه الجانبية بمساعدة الطبيب النفسي.
ربما يكمُن العلاج في اعتراف صاحب الشخصية الانهزامية بأنه يعاني من خطب ما، وإظهار رغبة حقيقية في التخلص منه، ومن ثم يبدأ عمل الطبيب النفسي الذي يتلخص في الآتي:
- تدريب الشخص الانهزامي بشكل تدريجي على مواجهة مخاوفه بدلا من الهروب منها، عبر البوح بالتجارب التي قادته لتبني هذا السلوك الانهزامي، والتي عادةً ما تكون متعلقة بفترة طفولته.
- جعله ينشغل بشكل أكبر بحب ذاته وتقديرها واحترامها، حتى يتمكن من معرفة مواطن قوته ليركز عليها، وتجاهل التركيز على نقاط ضعفه.
- توجيهه نحو التعبير عن رأيه بمنتهى الحرية، بغض النظر عن صحة رأيه من عدمها، عندئذ قد يتمكن من اكتساب المزيد من الثقة في نفسه بمرور الوقت.
- أحيانًا يمكن أن يصف الطبيب النفسي بعض العلاجات الدوائية لصاحب الشخصية الانهزامية، لكن فقط من أجل الحد من شدة الأعراض الجانبية التي تظهر على الشخص الانهزامي مثل القلق والاكتئاب.
نهايةً؛ صاحب الشخصية الانهزامية لا يمكن اعتباره شخصًا سيئًا في العموم، لكنه فقط اكتسب هذه الصفات التي تبدو في مجملها سيئة نتيجة لسوء تعاطيه منذ سن صغير مع الظروف من حوله.