تعد الملكة عليسة من أعظم نساء شمال إفريقيا في تاريخها، حيث يعود إليها الفضل في تأسيس قرطاج الواقعة حاليا في تونس، بعدما واجهت أقسى الظروف وهربت من الموت على يد شقيقها، لتصبح محل تقدير وتبجيل من العالم بأسره.
نشأة الملكة عليسة
ولدت عليسة المعروفة أيضا باسم أليسار أو إليسا أو ديدو في القرن التاسع قبل الميلاد، فيما جاء ظهورها الأول في كتب التاريخ عبر الإلياذة، وهو العمل الشهير الخاص بالشاعر الروماني فيرجيل، في عام 70 قبل الميلاد.
نشأت عليسة الصغيرة بين أحضان والدها ملك صور، فيما تزوجت من الكاهن عاشرباص بالسنوات التالية، وتولت حكم البلاد لفترة قصيرة عقب وفاة والدها الملك، قبل أن يحدث ما لم تتوقعه الملكة الشابة من أقرب المقربين.
لم تسلم الملكة عليسة من أذى شقيقها بجماليون، والذي طمع في حكم البلاد تماما مثلما طمع في ثروة زوج عليسة، لذا لم يتردد قبل أن يقتل عاشرباص، بل وأراد قتل عليسة لكنها كانت هربت بكنوزها من صور، لتبحر مع تابعيها إلى شمال إفريقيا، التي شهدت مجدها الأعظم فيما بعد.
تأسيس قرطاج
أبحرت عليسة في رحلة طويلة، توقفت خلالها للمرة الأولى في قبرص، حيث قامت بجمع المزيد من الأتباع، بمن فيهم كاهن عشتروت، حيث وعدته بأن يصبح الكاهن الأعظم في مستعمرتها الجديدة، لذا لم يكن من الصعب أن يأتي معها الكاهن وبعض من أعوانه أيضا.
سارت الملكة مع أتباعها حتى وصلوا جميعا إلى شمال إفريقيا، حيث تجاوزوا البحر الأبيض المتوسط بعدد من السفن لترسو في النهاية على سواحل ما تعرف الآن باسم دولة تونس، لتبدأ مرحلة التفاوض الناجحة.
تمكنت الملكة عليسة من التفاوض بنجاح مع السكان المحليين بشأن الحصول على قطعة أرض، لتشهد تلك المرحلة بدء تطور ملحمة عليسة الأسطورية، إذ بقت في جزيرة كوثون لسنوات من أجل تكوين مملكتها القوية، ونجحت في غضون فترة ليست بالطويلة في تأسيس قرطاج، وتحديدا في سنة 814 ق م، حتى صارت تلك المنطقة مركزا تجاريا شديد الحيوية في هذا العصر.
دهاء الملكة
بدت عليسة أكثر ذكاء مما توقع السكان المحليون، وكذلك ملك البربر الذي أعجب كثيرا بقدرة الملكة الشابة على التفاوض من أجل الحصول على ما تريد، لذا طلب الزواج منها لكنها قابلت طلبه بالرفض، ما دفعه إلى اتخاذ قرار عجيب، تمثل في تأسيس جامعة كبيرة في البلاد أملا في أن تأتي له بامرأة تتمتع بنفس القدر من الدهاء.
على الرغم من أن قرطاج كانت تتبع في الأساس بلاد صور، إلا أن الملكة عليسة بقيت وسط جيشها في أمان تام، فيما حصلت قرطاج على استقلالها بعد ذلك لتصبح نواة تكوين تونس في قلب شمال إفريقيا فيما بعد.
عاشت الملكة عليسة لسنوات طويلة وهي في سدة الحكم، لترحل عن الحياة بعد أن صارت واحدة من أعظم نساء قرطاج القديمة، إن لم تكن الأعظم من بينهن على الإطلاق.