كتبت – آلاء حمدي
أطفال مفقودون.. أسر موتورة مكلومة.. قاتل مجهول.. ومسرح الجريمة خال من أي أثر يدل عليهم، إلا من قصاصة متسخة ملقاة بإهمال.. فماذا وجد المحققون داخل تلك القصاصة؟
الأولاد ذهبوا!
تعتبر “تارودانت” من أقدم وأعرق مدن المغرب، وتعني في إحدى اللغات القديمة “الأولاد ذهبوا”، ولعل هذا المعنى في حقيقته أقرب وصف لما حدث في جنوب المغرب أغسطس 2004؛ حيث اكتشف أحد المارة بعض الهياكل العظمية وجماجم أطفال صغيرة ملقاة أمام الوادي القريب من هذه المنطقة، فقام على الفور باستدعاء الشرطة وطلب كل الجهات المعنية للتحقيق في هذا الأمر الذي بدا مرعبا للجميع.
القاتل المريض
كان أول ما فعله فريق البحث الجنائي لدى وصوله هو عمل تحليلات لتلك الهياكل والجماجم، والتي أثبتت أنها ترجع لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والعاشرة، كما أكدت أيضا أنهم قتلوا منذ ما يقارب الثلاثة أعوام، وبعد التحقيق في هذه الكارثة بدأ البحث عن الجاني الذي بدا شخصا بلا قلب أو عقل أو حتى مشاعر، ولذا أطلقوا عليه لقب (القاتل المريض).
طرف الخيط
كان أكثر ما يشغل الشرطة المغربية في هذا الوقت هو البحث عن المجرم المجهول، الذي لم يترك خلفه خيطا واحدا يدل على هويته، واستمر البحث لفترات طويلة حول محيط مسرح الجريمة، التي يسكنها الكثير من الأجانب، مما جعل الشرطة توجه أصابع الاتهام لهم، ولكن التحقيق نفى علاقتهم بتلك الأعمال الوحشية فأخلي سبيلهم.
وبعد معاودة الشرطة للبحث من جديد حدثت المفاجأة؛ إذ عثر أحد المحققين على ورقة متسخة ملقاة بجانب مسرح الجريمة بطريقة لا يمكن ملاحظتها، وكانت الدليل الوحيد الذي قادهم إلى الجاني فيما بعد والتي كتب عليها “الحاضي للمأكولات”.
مداهمة
قادت الورقة التي عثر عليها الشرطة إلى إحدى المحلات القريبة من المكان، والتي تعود ملكيتها إلى المدعو “عبد العالي الحاضي”، وبعد ساعات قليلة تمت مداهمة الكوخ القديم الذي اتخذه “الحاضي” مسكنا له، فوجدوه جالسا في هدوء، وبكل ثبات رحب بهم وأخبرهم أنه كان في انتظارهم، مما لم يدع لهم مجالا للشك في كونه القاتل.
ولكن السؤال الذي حيرهم، كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟
اعتراف
كان “الحاضي” متعاونا إلى أقصى حد ولم يحاول حتى الإنكار، لذا خرجت منه الاعترافات بسلاسة أثناء التحقيق، حيث اعترف بإغوائه للأطفال واستقطابهم إلى منزله عن طريق الحلوى، ثم اغتصابهم وقتلهم بطريقة وحشية.
وكان يتخلص من جثثهم عن طريق وضع الأطفال بوضعية القرفصاء في حفرة مجهزة لذلك، ثم يقوم بالضغط عليهم حتى تتكسر عظامهم ويصبحوا مناسبين لحجم الحفرة.
انتقام الطفولة
ذكر “الحاضي” خلال التحقيقات أنه كان يفعل ذلك انتقاما لطفولته التي عانى فيها كثيرا؛ حيث وقع فريسة للاغتصاب من أكثر من شخص في آن واحد بسبب ضعفه وصغره، ولذا لم يكن اختياره لضحاياه عشوائيا كما ذكر، بل كان يبحث عن المتشردين والمنسيين من قبل آباءهم، وكان تبريره لهذه الأفعال الشنيعة هو عدم رغبته في وصول أولئك الأطفال إلى المصير الذي بلغه في كبره.
ولم تكن لدى “الحاضي” نية التوقف عن ارتكاب أفعاله الجنونية، ولكن تعرض مسكنه للهدم، وتراكم العظام في الحفرة وكثرتها للدرجة التي جعلتها لا تتسع للمزيد من الجثث أديا إلى توقفه قسرا.
المحاكمة
حوكم “الحاضي” بعد الاعتراف مباشرة، ومع ثبوت جميع الدلائل والبراهين على أنه القاتل كان النطق بالحكم، ولم يكن ثمة شك لدى أهالي الضحايا في الحكم عليه بالإعدام، ولكن الأمر الذي لا يزال يثير جنونهم أنه وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على هذه القضية، لم يجر تنفيذ الحكم حتى الآن.