تعتبر آدا أوجستا بايرون، والشهيرة بـ آدا لوفليس، الابنة الوحيدة للشاعر الإنجليزي اللورد جورج غوردون بايرون، أول مبرمجة كمبيوتر في العالم، بعد أن تمكنت من كتابة أول خوارزمية تعمل بها آلة، بأربعينات القرن التاسع عشر، وتحديدا عام 1948.
لم يكن جورج غوردون بايرون، أبا مثاليا لابنته، ولم يرحب بمولده أو دخولها إلى عالمه، واعتبرها عقابا إلهيا له، إلا أن آدا لوفليس كانت متفوقة دراسيا، وتميزت بالرياضيات، حتى أصبحت أهم عالمة رياضيات حينها، في الوقت الذي حُرمت فيه النساء في إنجلترا من أن يتعلمن أو يبلغن تلك المكانة العلمية.
وفي ظل علاقة زوجية يشوبها المشاكل، نشأت آدا بين والدها اللورد بايرون ووالدتها السيدة آن إيزابيلا ميلبانكي بايرون، وليس من العجيب أن تنتهي بينهما الحياة، بعد وقت قصير من الزواج، نظرا لتقلب مزاج الشاعر الرومانسي الكاره للحياة الزوجية، على الرغم من كونها عائلة إنجليزية راقية، كانت تعد حينها واحدة من أعرق العائلات في بريطانيا.
وفي غضون فترة أقل من شهر من ولادة آدا، في الـ 10 ديسمبر عام 1815، بلندن، أبلغ الزوج زوجته برغبته في الانفصال، وعزمه على الاستمرار في علاقته الآثمة مع ممثلة مسرح، وأرسل لها بعد 3 أيام أن تغادر المنزل وتأخذ طفلتها معها، وبعد فترة وجيزة غادر اللورد بايرون إنجلترا ولم ير ابنته مرة أخرى، بعد أن توفي في عمر الثامنة.
الأمر الذي جعل والدتها، التي درست هي الأخرى العلوم والأدب والفلسفة، تقرر تغيير مسار تعليم آدا بعيدا عن خطى والدها حتى لا ينالها من تقلب مزاجه، فاختارت لابنتها نظاما دراسيا صارما، يعتمد على المنطقية والعقل وليس الرومانسية والعاطفة، ومنذ سن الرابعة سعت السيدة بايرون إلى تعليم آدا الرياضيات والعلوم، وأظهرت آدا تفوقا ملحوظا، على الرغم من عدة أمراض عانت منها آدا في طفولتها، كشلل الأطفال والعمى.
وفي سن الـ 17 إلتقت آدا لوفليس بأستاذ الرياضيات والمخترع تشارلز باباج بجامعة كامبريدج، وشهدت معه مشروعه القائم على اختراع نموذج مبدئي للحاسب الآلي، وأسماه حينها “Difference Engine”، ليعد بذلك أول حاسب آلي تعرفه البشرية، ولكن نموذجه الأول لم يكتمل نتيجة لضعف التمويل.
ولكن عزيمته لم تخر، فانتقل إلى اختراع النموذج الثاني تحت مسمى” الآلة التحليلية”، والتي شابهت في شكلها الحاسب الآلي الحديث من حيث الاستخدام، وكانت أقل تعقيدا وأصغر حجما، ولكن الفرصة لم تتهيأ لهذا الاختراع أيضا لأن يرى النور، لأسباب تتعلق بوقف التمويل، ولكن على الرغم من ذلك اُعتبر باباج هو أول من اخترع الحاسوب الميكانيكي، حيث لقبه البعض بـ “والد الكمبيوتر”.
وقد عاصرت آدا ذلك المخترع، وأعجب باباج بالشابة اللامعة، وتناقشا معا في المسائل العلمية والرياضيات والحوسبة، أثناء تطوير “المحرك التحليلي”، وأثناء إلقاء باباج محاضرة عن المحرك في جامعة تورينو الكندية عام 1832، تم تكليف آدا بترجمة النسخة المكتوبة بالفرنسية للمحاضرة إلى اللغة الإنجليزية.
من هنا كانت الشرارة، فخلال ترجمة لوفليس للمحاضرة وإتمام تكلفيها، قامت بإضافة ملاحظاتها الخاصة بالمحاضرة، في عدد من الأوراق قُدر بثلاثة أضعاف طول الورقة الأصلية المترجم بها المحاضرة، وتضمنت تلك الأوراق فيما يُعرف بالخوارزمية الأولى، والتي تُعالج العطل في الآلة التحليلية، حيث اقترحت من خلال الملاحظات إدخال البيانات التي من شأنها أن تعمل على برمجة الآلة، ونُشرت تلك الملاحظات في مجلة إنجليزية في عام 1843، تحمل توقيعها بالأحرف الأولى فقط من اسمها “AAL”.
كما توقعت آدا لوفلايس، من خلال ملاحظتها، إمكانية أن تقوم الآلة بعدد من الوظائف متعددة الأغراض، بنيت على أساسها الحواسيب الحديثة، وهو ما هدم اعتقاد باباج في حصر عمل أجهزته في إجراء العمليات الحسابات العددية فقط، لتكون عونا بأزمات المسائل الرياضية المعقدة.
تمكنت آدا من إدخال الموسيقى والنصوص والصور والأصوات إلى الحاسوب، في شكل رقمي، يمكن التحكم فيه من قبل الماكينة التحليلية، بعد أن قامت بترتيب الملاحظات على طريقة الترتيب الأبجدي من A إلى G وقد تم وصف ملاحظات آدا حول الآلة باسم “خوارزمية المحرك التحليلي لحساب أعداد برنولي”، وتُعتبر هي الأولى التي قامت باختراع خوارزمية يتم تنفيذها على جهاز الحاسوب، مما جعلها تصبح أول مبرمجة في التاريخ، وبالرغم من عدم استكمال عمل الجهاز خلال حياتها، إلا أنه لا يمكن إغفال فضل ملاحظاتها التي تم نشرها في مذكرات السيدات ومذكرة تايلور العلمية بعد مضي 100 عام على وفاتها.
تزوجت آدا من ويليام كينج، عام 1838، وأنجبت منه 3 أطفال، وتوفيت الكونتيسة آدا، في الـ 27 من نوفمبر 1852، في سن السادسة والثلاثين بعد إصابتها بمرض سرطان الرحم، وعاشت الفترة الأخيرة من حياتها وحيدة، وتم تكريمها من خلال إطلاق اسمها على لغة البرمجة الأمريكية، كما أنه تم إنشاء مؤسسة تختص بتطوير العلوم والتكنولوجيا لكي يتم إحياء ذكرى الكونتيسة والتأكيد على دور المرأة في هذا المجال.
وبالرغم من عدم رؤية آدا لوالدها، إلا أنها كانت مفتتنة بقصائده وأعماله طيلة حياتها، وأوصت قبل وفاتها بالدفن في مدافن عائلة بايرون داخل كنيسة القديسة مريم ماجدلين في مينة هكنول الإنجليزية الصغيرة، وتم وضع تابوتها جنبا إلى جنب مع والدها الذي توفي عن عمر يناهز 36 عاما مثلها تماما.