يعتقد البعض بوجود المخلوقات الفضائية وحقيقة الحضارات العريقة التي بلغت أوج تقدمها ثم فنيت، فيما يرى آخرون كذب هذه الادعاءات وكونها ضربا من الخيال، إلا أن “كهوف تاسيلي” بما تحمله من صور ورسومات غامضة يبلغ عمرها أكثر من 20 ألف سنة تعيدنا من جديد إلى نقطة الصفر، ويبقى السؤال: هل تثبت جدران تاسيلي وجود مخلوقات فضائية على الأرض في وقت ما؟
كشف في عمق الصحراء
في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، وقع ضابط فرنسي رحالة يدعى “برينان” على كشف مثير في الجنوب الشرقي للجمهورية الجزائرية الحالية، وتحديدا في مرتفعات تاسيلي، حيث توجد لوحات صخرية عجيبة نقشت على جدرانها، يؤكد العلماء منذ ذلك الحين أنها أقدم الأمثلة على فن التصوير الصحراوي، وقد أحصى العلماء أكثر من 15 ألف لوحة ورسومات ونقوش، تشكل معرض صور واسع النطاق يوثق الحياة في المنطقة في عصور ما قبل التاريخ.
أين تقع كهوف تاسيلي؟
تاسيلي هي سلسلة جبلية ممتدة تقع في جنوب شرق الجزائر على حدود ليبيا والنيجر ومالي، وتغطي مساحة قدرها 72 ألف كيلومتر مربع، وتعتبر هضبة قاحلة حصوية ترتفع بأكثر من 2000 متر فوق سطح البحر، ويبلغ عرضها حوالي 60 كيلومترا وطولها 800 كيلومتر.
وتبدو تاسيلي للناظر كقمم صخرية متآكلة تعرف بالغابات الصخرية، وكأنها أطلال مدن قديمة مهجورة بفعل الزمن والعواصف الرملية، تتخللها فتحات لا يمكن الوصول إليها إلا سيرًا على الأقدام أو الجمال وبها العديد من التصدعات والأودية، ويسكن الطوارق مدينتها الرئيسية “جانت“.
نقوش مستقبلية
لم تكن النقوش في حد ذاتها ما أثار حيرة برينان، بل كان ما تحويه تلك الرسومات العجيبة من أمور يستحيل وجودها في تلك الحقبة من الزمن، حيث تضمنت الرسومات أشكالاً لأشخاص في وضعية الطيران يرتدون أجهزة أشبه بما يرتديه رواد الفضاء في عصرنا الحالي، بالإضافة إلى أناس تحت الماء يقومون بالغوص، حاملين ما يمكن أن نسميه الآن أدوات الغوص.
اشتملت تلك الرسومات الغامضة أيضا على لوحات تصور طقوسا ومراسم دينية، كما صورت العديد من الحيوانات المعروفة لدينا، في حين يبدو البعض الآخر وكأنها حيوانات خرافية غير مألوفة، إلا أن ما يثير الدهشة والحيرة أن الحيوانات المألوفة كالفيلة والأبقار والخيول تم تصويرها في اللوحات بين مياه جارية وحدائق خضراء، في الوقت الذي عرفت فيه تلك المنطقة من الجزائر -ولا تزال- بأنها صحراء قاحلة، ما يدل على أنها ربما كانت مروجا وأنهارا قبل آلاف السنين.
كما وجدت على جدران كهوف تاسيلي أيضا صور لرجال ونساء يرتدون ثيابا وأزياء حديثة تشبه ما بدأ الناس في ارتدائه منذ بدايات القرن العشرين.
وقد شكلت تلك الاكتشافات المذهلة والرسومات التي تبدو وكأنها من كوكب آخر أو من زمن آخر، عامل جذب للعلماء والباحثين والجيولوجيين، وتوافدت البعثات إلى صحراء الجزائر لدراسة تلك الرسومات وتحليلها، وفي الوقت الذي ظن فيه البعض أنها رسومات مزيفة ونقوش رسمت حديثا، وهو ما سيكشفه المسح الذري والأدوات الحديثة دون عناء، كان في انتظارهم مفاجأة مدوية.
حيث أظهرت النتائج أن تلك الرسومات والنقوشات أصلية ويرجع عمرها إلى ما قبل 20 – 30 ألف عام، الأمر الذي عزز من النظريات القائلة بوجود مخلوقات أخرى في عالمنا الواسع، ووجود حضارات قديمة بلغت من التطور والتقدم العلمي مبلغا عظيما يضاهي ما نحن عليه الآن أو يفوقه، قبل أن تفنى.
فضائيون
يزعم أرباب تلك النظرية وجود مخلوقات ذكية أتت من خارج كوكب الأرض قبل آلاف السنين، في حين تم التواصل معها والتعرف على علومها وتكنولوجيتها المتطورة من قبل البشر وقتها، ويدعمون نظريتهم بالتطور والتقدم العلمي الذي شهدته حضارة الفراعنة، وحضارة المايا في أمريكا الوسطى، وبابل في العراق.
بالطبع حتى عصرنا الحالي ومع التقدم المذهل في علوم الفضاء والكون، لم يكتشف أي مظهر من مظاهر الحياة خارج الأرض، ما يفند نظرية الفضائيين المزعومة تلك.
أطلانتس والحضارات القديمة
بالعودة إلى الأساطير نجد أن عددا كبيرا من الباحثين يعزون تلك الرسومات إلى سكان قارة أطلانتس الأسطورية أو إحدى الحضارات القديمة التي عاشت واندثرت ولم نسمع عنها، وأطلانتس هي التي ذكرها أفلاطون حكاية عن جده طولون، وكان مما قاله إنها قارة عظيمة كانت وراء أعمدة هرقل وهو الاسم الذي أطلقه الرومان على مضيق جبل طارق، وقد بلغت تلك الحضارة مبلغا لم يبلغه أحد، حتى اختفت فجأة دون أسباب معلومة، إلا أن الحديث عن أطلانتس المزعومة أو غيرها من الحضارات يظل مجرد أساطير دون أي إثبات على حقيقة وجودها.
متحف مفتوح
في النهاية يبدو أن أحدا لم يقدم أي تفسير علمي مكتمل الأركان، يفسر حقيقة تلك الرسومات وما اشتملته من أمور مستقبلية، لكن شهرتها وما حوته من آثار خالدة حجزت لها مكانا في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1982، كأعظم متحف للرسوم الصخرية البدائية على سطح الأرض.