يُعتبر أبو الطيب المتنبي من أعظم الشعراء العرب المؤثرين، حيث ترجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة في جميع أنحاء العالم. بدأ في نظم الشعر في سن التاسعة، ويعتبر المتنبي سيد شعراء عصره وإمام من جاء بعده، فهو الشاعر الذي أثر بشخصيته وبشعره في الكثير من الشعراء والحكام، له شخصيته المتميزة التي كان يعتز بها كثيرًا في قصائده ومجالسه الشعرية، ولكن من هو المتنبي وكيف أصبح أحد أهم شعراء العرب؟
من هو أبو الطيب المتنبي؟
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بالمتنبي، ولد في كِندة بمنطقة الكوفة بالعراق سنة 303هـ، 915م.
وكان والده فقيرا يعمل سقا يبيع الماء، وعندما ظهرت موهبته في الصغر وصار يحفظ كل ما يسمع من شعر رحل به والده إلى دمشق، وهناك تلقى العلم والأدب عن علمائها ثم دخل البادية وأخذ لغة العرب عن فصحائها فأصبح من أعظم شعراء عصره.
يرجع الكثير من المؤرخين سبب تلقيبه المتنبي بهذا اللقب، لأنه ادعى النبوة وقد تبعه خلق كثيرون، فأسر وحبس إلى أن تاب فأُطلق سراحه، وقيل: إنه قال: أنا أول من تنبأ بالشعر.
حكاية أبي الطيب المتنبي وسيف الدولة الحمداني
انضم أبو الطيب المتنبي إلى بلاط الأمير سيف الدولة الحمداني في سنة 337هـ، أمير شمال سوريا ومؤسس إمارة حلب، وظل إلى جوار سيف الدولة مادحًا إياه في كثير من قصائده ورأى فيه الصاحب والصديق، وشاركه في الكثير من فتوحاته، ولقد كان سيف الدولة سخيًا كريمًا مع المتنبي حتى أنه أهداه ثيابًا ورمحًا وفرسًا وأهداه الكثير من الأموال، وتمتع بحماية الأمير لمدة تسع سنوات، قبل أن يحدث تنافس كبير بين المتنبي والعديد من العلماء والشعراء في بلاط سيف الدولة، واضطربت العلاقة بين سيف الدولة والمتنبي بسبب الوشاة والحاقدين على المتنبي، ويقول البعض إن المتنبي خسر حب سيف الدولة بسبب طموحه السياسي ليكون واليا، وخرج المتنبي من عند سيف الدولة ولم يفكر في العودة إليه مرة أخرى.
المتنبي وكافور الإخشيدي
فارق أبو الطيب المتنبي سيف الدولة الحمداني وانتقل إلى مصر في سنة 346هـ، حيث أصبح حاكم مصر كافور الإخشيدي راعيًا له، وأعد له دارًا وأعطاه آلافًا من الدراهم، وبالكاد استطاع المتنبي إخفاء ازدراءه لكافور، ومدحه بقصائده مجسدًا فيها مكانة كافور وكفاءته ومقدرته وكرمه وعطاءه، وطلب منه أن يجعله أميرًا على إحدى ولايات ملكه ولكن كافور كان يرفض بشدة، مما جعل المتنبي يشعر أنه يعيش عيشة المغضوب عليه، وخرج من مصر بعد أن هجى كافور الإخشيدي بأقبح الكلمات.
وفر المتنبي مرة أخرى من مصر خوفًا من عقاب الإخشيدي، وهذه المرة عبر شبه الجزيرة العربية إلى العراق، حيث زار مسقط رأسه في الكوفة بعد غياب دام 34 سنة.
مقتل أبي الطيب المتنبي
يقال إن الشعر هو سبب مقتل المتنبي، فقد كان في زيارة عضد الدولة أمير منطقة شيراز بإيران، طمعًا في كسب المال والجاه والقُرْب وقد هجا رجلًا اسمه ضبة، وكان لضبة خال يُسمى فاتك الأسدي، وبعد أن انصرف المتنبي عائدًا إلى الكوفة صار فاتك الأسدي يتتبع أثره ليقتله بسبب هجائه لابن أخته ضبة، ولما وصل المتنبي إلى منطقة قريبة من بغداد هاجمه فاتك الأسدي وأصحابه، وحاول أن يفر المتنبي لكن خادمه لامه قائلا له أتفر وأنت القائل:
وإذا لم يكن من الموت بد ** فمن العجز أن تموت جبانا
فاضطر أن يقاتلهم خشية من العار وانتهت المعركة بقتله هو وولده ومن معه، وسُرق ما كان معهم من متاع ومال وكتب، فكان الشعر هو سبب قتله وذلك سنة 354هـ، 965م.
أشهر أبيات شعر أبي الطيب المتنبي
قصائد المتنبي كلها تدل على حكمته وفلسفته وفصاحته، ومن أشهر هذه الأبيات على الإطلاق قوله:
أنـا الــذي نــظــر الأعـــمـى إلـى أدبـــي ** وأسـمــعـــت كلمـــاتي مــن به صــمـــم
فالخــــيل والـــليل والبـــيداء تـــــعرفـني ** والسيف والرمــح والقرطـاس والقـلـم
ذو الــعــقــــل يـشـقـى فـي النّـعيـم بـعقله ** وأخـــــو الجـــهـالـة في الشّــقـاوة ينعـم
مــــــا كـــل مــا يتـــمنى الــمرء يـدركه ** تـجـري الـرياح بـمـا لا تــشتهي السفن