من هو أبو فراس الحمداني؟ هو الحارث بن سعيد بن حمدان، كُنيّ بأبي فراس، وُلد في مدينة الموصل في العراق، وتوفي والده وهو في ابن 3 سنوات، وتولى رعايته ابن عمه سيف الدولة وكان حاكم الدولة في هذا الوقت، تعلم أبو فراس الشعر والفروسية واشتهر ببلاغته وفصاحته، وعاش مدللا في قصر الخلافة؛ حتى أصبح فارسًا مقدامًا.
أظهر شجاعته وقوته في الحروب التي دخلها مع ابن عمه سيف الدولة وأثبت كفاءته حتى ولاه ابن عمه سيف الدولة مدينتين في سوريا وهما منبج وحران، وخلال حياته وولايته عليهما أُسر كثيرًا من قبل الروم حتى وهو أمير، وأخرجه سيف الدولة بعد فترة من حبسهِ، وفي خلال فترة حبسه نظم الكثير من الشعر وأشهره (الروميات)، وأشهر قصائده (أراك عصي الدمع)، وتوفي سنة 986م في مدينة حمص.
أبو فراس الحمداني والشعر
تنوع الشعر عند أبي فراس الحمداني بأغراضه كلها، فكتب شعرًا في المدح، والرثاء، والفخر، والهجاء، والغزل، والحكم، وعندما سُجن عند الروم نظم قصائده المشهورة (الروميات) وسبب شهرتها؛ أنها كانت مليئة بالآلام والأحزان وشوقه للعراق والحنين لوالدته وفقدانه حريته وعتابه لسيف الدولة على تأخره في إخراجه من الأسر، لذلك كانت القصائد مليئة بالمشاعر الفياضة الحقيقية التي من خلالها اكتسبت شكلا مختلفا ومميزا من نوعهِ، واتسمت بالرقة والعذوبة وسلاسة وسهولة الألفاظ والبُعد عن التكلف والتصنع والتعقيد.
الأغراض التي اعتمدها في الشعر
الرثاء
رثاؤه كان قليلًا، فلم يستخدمه إلا مع عدد قليل من أقاربه مثل أمه، وأخته، وابن أخته، وأخت سيف الدولة، وسيف الدولة بعد وفاته، فلم تتعد أبيات الرثاء لأبي فراس الحمداني 90 بيتا، وأكثر رثائه كان لأمه وسيف الدولة.
العتاب
كان شعر أبي فراس الحمداني مليئا بالعتاب وخاصة عتابه لابن عمه سيف الدولة؛ بسبب تأخره عنه عندما أُسر ولم يخرجه من أسره، ففكر بأنه لا يريده وأنه منشغل عنه في أمور الخلافة وقد أوقع بينه وبين سيف الدولة الوشاة الذين لا يحبون أبا فراس الحمداني، ومن أبياته في عتابه لسيف الدولة (وهنا كان عتابا غير صريح، لعدم تصديقه أن سيف الدولة تركه في محنته):
وكنت إذا ما نابني منك نائب .. لطفت لقلبي أو يقيم لك العذرا
الفخر الذاتي
- كان أبو فراس الحمداني يشعر بالفخر الذاتي دائما؛ بسبب فروسيته وشجاعته المقدامة التي كانت تظهر في الحروب والدفاع عن ابن عمه سيف الدولة، لذلك كان للفخر الذاتي النصيب الأوفر في شعر أبي فراس الحمداني، وقد ظهرت فروسيته في المواجهة التي حدثت بينهم وبين الروم على الرغم من قلة عدد جيشه إلا أنه فضل المواجهة والأسر دون الهروب والخديعة، قائلَا:
أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى .. ولا فرسي مُهر ولا ربه غمر
ولكن إذا حمّ القضاء على امرئ .. فليس له بر يقيه ولا بحر
- تولى إمارة بنج وهو في الـ17 من عمره؛ بسبب ذكائه وشجاعته.
- نسبه إلى قبيلة تغلب وتصديهم إلى الروم في ذلك الوقت على عكس باقي القبائل، فكان يفتخر بقبليته ويمدحهم لهذا السبب، وقال قصيدة كاملة في مدحهم ومدح سيف الدولة معهم.
- تتلمذ أبو فراس على يد ابن خاله الذي كان أشهر المعلمين في ذلك الوقت وغيره من الأدباء والعلماء الذين يذهبون إلى البلاط الملكي، وبحكم تربية أبي فراس الحمداني داخل القصر الملكي، فنمَّى ذلك عنده الثقافة الواسعة، والعلم الفياض، وكيفية التعامل مع الحكماء في هذا الوقت.
وقوعه في الأسر
كانت الغزوات في هذا الوقت كثيرة بين الروم والحمدانيين وفي هذا الوقت ظهرت شجاعة أبي فراس وبدأ ينزل ساحات المعارك، وأسر مرتين عند الروم؛ فكانت المرة الأول في عام (959م) ولم تدم فترة طويلة، وقد فك أسره سيف الدولة بدفع الفدية.
أما المرة الثانية فكانت عام (962م) وقد دامت إلى ما يقرب 4 سنوات؛ ففي هذه المرة كانت الخسائر كبيرة، فطالت المدة حتى استطاع سيف الدولة استعادة جيشه مرة ثانية ثم هاجم الروم مرة أخرى، واستطاع تحرير كل الأسرى الذين أُخذوا في المعركة، وكان من ضمنهم أبو فراس الحمداني.
ومن أشهر القصائد التي قالها أبو فراس في فتره أسره (كان يتحدث في هذه الأبيات عن سيف الدولة وأنه تأخر عليه في إخراجه من الأسر):
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر .. أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى أنا مُشتاق وعندي لوعة .. ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضناني بسطت يد الهوى .. وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي .. إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونه .. إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
وفاته
توفي أبو فراس الحمداني بعد خروجه من الأسر بعام واحد عام (966م) وهو في ريعان شبابه، حيث قُتل وهو في الـ37 من عمره في معركة دارت بينه وبين الأعداء في محاولة استرداد حمص مرة أخرى فسقط فيها قتيلَا.