ثمة تناقض واضح وجليّ بين التطور التكنولوجي في العصر الحديث والمستوى الأخلاقي للشعوب والأمم، لتصبح الأخلاق في زمن التكنولوجيا قضية جوهرية تحتاج لتكاتف الكثير من القوى، وإن كانت الأهم هي القوة الناعمة للثقافة والدين، إذن ما هي طبيعة أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا وتأثيرها على أخلاقيات الناس؟ سنجيب في نقاط مبسطة في هذا المقال.
أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا
تتقدم المجتمعات بتقدم شعوبها وليس العكس، لذا لم يكن تأثير التكنولوجيا إيجابيًا على ثقافة وأخلاق ورقي الشعوب، بل أدى إلى تفاقم بعض المفاهيم غير الأخلاقية، والسلوكيات السيئة والأخلاقيات الشاذة وبخاصة على الثقافة العربية والأخلاق ولا سيما في الدول الإسلامية، إلى جانب التخلي عن القيم الأسرية والعلاقات الاجتماعية والتنشئة الثقافية والسياسية والدينية غير السوية.
لذا أثبتت الكثير من المسوح الاجتماعية التأثير السلبي للتكنولوجيا على الأخلاق، وربما كان التأثير الأخطر هو المحاولات المتكررة لمحو الدين وكل ما يتعلق به من قيم وعادات من قاموس الأفراد، لينخلع الشخص من دينه ويصبح مرجعه الثقافة السائدة، التي تروج لها التكنولوجيا وبخاصة شبكة الإنترنت والتي محت القيود وأيضًا الاختلافات بين الثقافات، وهو ما جعل مرجعية الأفراد ما يفعله جمهور الإنترنت وليس ما يمليه عليه دينه أو ضميره الأخلاقي.
أسباب أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا
الجميع مدان في أزمة الأخلاق في العصر المعلوماتي، لذا يمكن القول إن أسباب تأثير التكنولوجيا على الأخلاق متفرعة ولها الكثير الأبعاد وربما من أهمها:
اقرأ أيضًا: كيفية الحصول على استشارة مجانية للمشاريع عبر الإنترنت
- تضاؤل دور الأسرة والمدرسة في مواجهة الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية الحالية.
- غياب المعرفة والثقافة.
- غياب الوازع الديني.
- عدم تحلي القائمين على وسائل الإعلام بالأخلاق والقيم واهتمامهم بالسجالات والشائعات.
- الافتقار لقيم الحوار والنقاش واحترام الآخر.
تأثير التكنولوجيا على الأخلاق
لم يخلق آدم ومعه أخلاق البشر، بل علمه الله تشريعات الدين التي ستحقق له الأمن والأمان، وبتطبيقها سيعم العدل والمساواة والاحترام وغيرها من قيم الإنسانية، ولكن ظهور عدد كبير من الوسائل التكنولوجية مثل الفضاء السيبراني والإنترنت قضت على هذه التشريعات في ظل غياب الوازع الديني، وأسس التربية السليمة، ومن أكثر الظواهر الأخلاقية السلبية التي ظهرت من تأثير التكنولوجيا على الأخلاق:
غياب دور الأسرة والمدرسة
غياب الدور الأسري والتربوي سبب ونتيجة لأزمة الأخلاق في عصر التكنولوجيا، حيث أصبح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بديلا أسهل ومناسبا للطفل والبالغ من الحديث مع الأب أو الأم، بالإضافة إلى غياب الأب والأم بدورهما في العمل أو انشغالهما أيضًا بتلك الوسائل.
تفكك العلاقات الاجتماعية
إذا تفككت الأسرة وانشغل كل فرد فيها بأصدقائه في العالم الافتراضي فمن المتوقع أيضًا أن تصبح العلاقات الاجتماعية حبيسة لتلك التكنولوجيا، التي جعلت من القرابة والصداقة والجيرة وغيرها من المفاهيم الاجتماعية فقط على منصات التواصل الاجتماعي، أو في إطار الألعاب الإلكترونية أو قنوات اليوتيوب، واقتصرت العلاقات الاجتماعية بين الأقارب والأصدقاء على منشور تهنئة أو رسالة عبر مواقع التواصل.
اقرأ أيضًا: فشل العلاقات.. وأبرز مخاطر الشجار بين الوالدين أمام الأبناء
التنشئة السلوكية للأطفال
ربما يتجلى تأثير التكنولوجيا على الأخلاق بصورة واضحة في سلوكيات الأطفال التي اكتسبت صفات العدوانية والعنف والتنمر والأنانية، بالإضافة إلى غياب الكثير من القيم الأخلاقية مثل الإخاء والتعاون وحب الغير والحوار، الأمر لم يؤد فقط إلى أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا بل أثر كليًا على بناء الأسرة والمجتمع.
غياب الوعي عن الشباب
تأثرت الأخلاق في زمن التكنولوجيا بالثقافة الواردة إلينا من مصادر كثيرة وأغلبها غير أخلاقي، والتي استقى منها الشباب معلوماتهم، فأصبح كثير منهم غير قادر على تحمل المسؤولية، منساقا خلف أوهام، بجانب عدم اكتراثه ببناء مستقبله قابعًا خلف الشبكة العنكبوتية، بالإضافة إلى انعدام التعاون وطمس الهوية العربية والإسلامية.
عدم احترام خصوصية الغير
في ظل الجهل بالكثير من أخلاقيات التعامل مع التكنولوجيا، اعتقد البعض أنها وسيلة للتدخل في حياة الآخرين واقتحام خصوصياتهم، فأصبح من السهل مشاركة صور وفيديوهات لبعض الأشخاص دون علمهم، وأصبح البحث عن الشهرة عن مواقع التواصل الاجتماعي وكسب أكبر عدد من المتفاعلين مبررا لإفساد حياة الناس.
تشويه الأمم والدول
التأثير الأخطر على الأخلاق في زمن التكنولوجيا، هو انتهاج الدول الكبرى وبخاصة المعادية للدول النامية والثقافة الإسلامية لسياسة التشويه المتعمد لتلك الدول والتقليل من قدرها، وإبراز سلبياتها من أجل تبرير تدخلها في شأن هذه الدول التي لطالما وصفتها بالإرهاب والرجعية، وهو ما أدى إلى توسيع الفجوة بين الدول الكبرى ودول العالم الثالث.
أخلاقيات التعامل مع التكنولوجيا
ينطوي مفهوم الأخلاق في زمن التكنولوجيا على كلٍ من تأثير التقدم التكنولوجي على الأخلاق وأيضًا كيفية التعامل مع التكنولوجيا تعاملا أخلاقيا، حيث يقصد بأخلاقيات استخدام التكنولوجيا هي تلك القواعد والقوانين التي تسن لضبط كيفية تعامل الأشخاص مع الوسائل التكنولوجية بما يضمن له ولباقي أفراد المجتمع الاحتفاظ بحقوقهم وخصوصيتهم، لذا تم وضع الكثير من أخلاقيات التعامل مع التكنولوجيا منها:
- احترام خصوصية الآخرين وأيضًا احترام خصوصية المعلومات التي ترد إليك وعدم نشرها دون الرجوع لأصحابها.
- عدم تسخير الأدوات التكنولوجية في انتهاك أو تهديد أو مساومة الأشخاص أو انتهاك حقوقهم.
- تجنب المواقع التي تخل بالشرع والعادات والتقاليد والثقافة التي يعيش بها الفرد.
- استخدام هذه التكنولوجيا في تعزيز الأخلاقيات وترسيخ مفاهيم الانتماء والوطنية والمسؤولية والتعاون والتضحية.
- عدم استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في نشر الإشاعات أو اتهام الأشخاص وإصدار الأحكام.
- دعم مراقبة الأطفال وتعزيز أساليب أهم لتحفيزهم على التواصل مع الأسرة والأصدقاء بعيدًا عن تلك الوسائل.
- استخدام هذه الوسائل في البحث عن المعلومات وتعلم مهارات جديدة واكتساب ثقافة ولغة وغيرها من الخلفيات المرجعية التي تساعده.
- الالتزام بحقوق النشر وعدم استخدام المواد المحمية بحقوق النشر والنسخ في إنشاء محتوى خاص بك.
- تجنب ترويج الأفكار الجدلية وعدم استخدام التكنولوجيا كمنصة لإثارة الفتن بدلًا من التعبير عن الرأي.
وبالتالي لا يمكن حصر أزمة الأخلاق في زمن التكنولوجيا في جهة محددة، لأن التأثير طال الكثير من الأبعاد التي أثرت على الأفراد والمجتمعات، وسببت الكثير من المشكلات الأخلاقية والاجتماعية.