تتعدد أسباب الأمراض النفسية، كما أنها مرتبطة ببعضها البعض، فالمرض النفسي مشكلة صحية حقيقية، يتطور في أغلب الأحيان بسبب وجود خلل في النواقل العصبية والكيميائية، وكذلك له ارتباط وثيق بالاستعداد الوراثي للشخص للإصابة به، أو في بعض الأحيان بسبب التعرض لحادث مؤلم مثل الاعتداء الجنسي.
المرض النفسي
كمثله من الأمراض التي تصيب الأشخاص، يحتاج المرض النفسي إلى الحصول على عناية طبية متخصصة من خلال اتباع خطة علاجية جيدة وليس فقط التحلي بالإرادة القوية أو تجاهل وجود المشكلة من الأساس كما يفعل الكثير من المرضى.
المرض النفسي يعيق الفرد عن الحصول على عمل جيد، ويمنعه من القيام بنشاطه اليومي بكل سهولة، بل ويتسبب في انعدام رغبته في الحياة في بعض الأحيان، كذلك يؤثر على شكل العلاقات الاجتماعية الموجودة في حياة الفرد، لهذا فإن علاج المرض النفسي يعد ضرورة بالغة الأهمية حتى ينعم الفرد بحياة طبيعية.
أمثلة عامة للمرض النفسي
المرض النفسي اضطراب يؤثر على الحالة المزاجية وطريقة التفكير وكذلك يؤثر بشكل ملحوظ على السلوك، ومن أمثلة الأمراض النفسية اضطراب الاكتئاب “Major depressive disorder”، اضطراب القلق العام “Generalized anxiety disorder”، والفصام “Schizophrenia”، واضطرابات الشهية “Eating disorder”، واضطرابات السلوك “Behavioral disorder”، هذا بالإضافة إلى جميع الأساليب المسببة للإدمان.
أسباب الأمراض النفسية
السبب الحقيقي وراء الإصابة بالمرض النفسي غير معلوم حتى الآن، إلا أن الأبحاث العلمية والدراسات الطبية استطاعت مؤخرًا الوصول إلى عدد من العوامل التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإصابة بالمرض النفسي ومنها عوامل فسيولوجية، بيئية، وراثية وعوامل نفسية فردية، وسنشرح كل سبب من أسباب الامراض النفسية على حدى:
العوامل الفسيولوجية
الأغلبية العظمى من الأمراض النفسية ترتبط ارتباطا وثيقا بخلل في أداء وظائف الدوائر الخلوية العصبية مع نقص النواقل الكيميائية العصبية في الدماغ، هذا مع الإشارة إلى أن تعرض المخ للإصابات التي تسبب عيوبا واضحة في آلية عمله خاصة إذا كانت هذه الإصابات في مناطق خاصة بالأمراض النفسية.
العوامل الوراثية
إذا كان الشخص يمتلك تاريخا عائليا من أي مرض نفسي، فإنه يعتبر أكثر عُرضة للإصابة بنفس المرض النفسي هذا، هذا لأن المرض النفسي الوراثي يرتبط ارتباطا وثيقا بطفرات جينية يتم تناقلها من فرد لآخر من نفس العائلة، ويزداد احتمال الإصابة به عند التعرض لعوامل بيئية تساعد على إصابة الشخص بالمرض، لهذا فإن العامل الوراثي من أهم أسباب الأمراض النفسية.
العوامل البيئية
تعرض الشخص لفقدان المقربين له سواء في حالات الوفاة، الطلاق، الانفصال أو التفكك الأسري يعتبر عاملا مهما في معاناة الشخص من الأعراض النفسية، احتقار الذات والتعرض للتنمر بصورة مستمرة من قبل المجتمع، كما تعتبر الوحدة مسببا رئيسيا لبعض الأمراض النفسية.
العوامل النفسية الفردية
التعرض للصدمات النفسية العنيفة مثل الانتهاك الجسدي والعاطفي والاعتداء الجنسي، وتعاطي المخدرات لمدة طويلة غالبًا ما يصاحبها أعراض قلق وتغيرات وتقلبات في الحالة المزاجية، وجميعها من أسباب الأمراض النفسية.
عوامل أخرى
هناك بعض العوامل الأخرى الفردية الخاصة بكل فرد على حدة، والتي تساهم بنسبة لا يُستهان بها في إظهار بعض الأعراض المتعلقة بالأمراض النفسية المختلفة، ومن أهم هذه العوامل:
- الإجهاد والتعرض المستمر لمعاملة سيئة وكذلك معاناة الفرد من بعض الأحداث المؤلمة في حياته جميعها عوامل تزيد بشكل كبير من قابلية إصابة الطفل بمرض نفسي.
- تعرض الطفل أثناء الولادة لنقص الأكسجين وعدم وصوله للمخ أو معاناة الطفل من اضطراب نمو الدماغ الجنيني المبكر، جميعها عوامل قد تساهم في تعرض الطفل للإصابة بمرض التوحد.
الفئات الرئيسية للأمراض العقلية
يستخدم الكثير من المختصين في مجال الطب النفسي دليلا تشخيصيا يدعى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، إذ يساعد في التفريق بين الاضطرابات النفسية المختلفة وذلك بغرض اتباع طريقة العلاج المناسبة لكل اضطراب عن غيره.
اضطرابات النمو العصبي
غالبًا ما يبدأ هذا النوع من الاضطرابات في سن الرضاعة وخلال فترة الطفولة، ومن أهمها اضطراب طيف التوحد، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وصعوبات التعلم.
الفصام والاضطرابات الذهانية
تتميز بأعراض مثل الهلوسة والكلام غير المنظم والأوهام والانفصال عن الواقع مع أنماط غير طبيعية من التفكير لدرجة قد تصل إلى أذية النفس والآخرين في بعض الأحيان.
اضطراب ثنائي القطب
يتميز هذا الاضطراب بنوعين من النوبات التي تصيب الشخص وتتناوب فيما بينها، وهي نوبات الهوس (mania) يكون فيها الشخص في حالة نشاط مفرطة ومليء بالطاقة ومفعم بالإثارة، ونوبات اكتئاب قد تكون شديدة في كثير من الأحيان.
اضطراب الاكتئاب
تضم هذه الفئة اضطراب الاكتئاب الحاد واضطراب الانزعاج الواضح والكبير قبل فترة الحيض، وغالبًا ما تتفق هذه الاضطرابات في شعور الفرد بالحزن وانعدام رغبته في الحياة.
اضطرابات القلق
القلق المفرط هو العامل المميز والمشترك في هذه الاضطرابات، حيث يصل القلق إلى درجة تؤثر بشكل بالغ وكبير على حياة الفرد ومن أهمها اضطراب القلق العام واضطراب الهلع والرهاب واضطراب الوسواس القهري، واضطراب الكرب ما بعد الصدمة (PTSD).
اضطرابات الشخصية
يتميز أي اضطراب في الشخصية بوجود نمط دائم ومستمر من الشعور بعدم الاستقرار العاطفي مع وجود أنماط غير سوية من السلوكيات، والتي تسبب مشاكل واضحة للفرد على مستوى حياته وعلاقاته، وأهم هذه الاضطرابات، اضطراب الشخصية الحدية والنرجسية.
أعراض الأمراض النفسية
هناك الكثير من العلامات التي تشير إلى كونها من أعراض الأمراض النفسية، هذا مع العلم أن هذه الأعراض تختلف من فرد لآخر، حسب حدة المرض والظروف البيئية المحيطة به، وكذلك حسب درجة وعي المريض بمرضه وبمدى تأثيره عليه، حيث تتضمن هذه الأعراض ما يلي:
- الشعور بالحزن والمشاعر السلبية.
- التقلبات المزاجية الحادة.
- انعدام القدرة على التركيز.
- الإفراط في الشعور بالقلق والخوف والشعور بالذنب.
- انعدام الرغبة في ممارسة الأنشطة الحياتية وتجنب الاجتماع مع الآخرين.
- زيادة الشهية أو انعدامها.
- تغيرا في عادات النوم سواء النوم لساعات طويلة أو الأرق.
- انعدام القدرة على حل أي مشكلة من مشاكل الحياة اليومية.
- التفكير المُلح في الانتحار.
- البعض قد يعاني من أعراض جسدية مثل ألم المعدة، أو آلام الظهر أو الشعور بالصداع المزمن.
الانتحار والمرض النفسي
الأفكار الانتحارية وجميع التصرفات المرتبطة بها تنتشر بشدة بين الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية، لهذا يجب أن تحرص على طلب المساعدة من اختصاصي صحة نفسية وعقلية أو تواصل مع صديق مقرب لك يمكنه أن يساعدك بشكل علمي واضح.
يجب أن تعلم أن الانتحار لا ترحل أفكاره من تلقاء نفسها، لهذا إذا كان أحد المقربين لك هو من يعاني من الميول الانتحارية، فاحرص على دعمه واصطحابه إلى زيارة المعالج النفسي.
تشخيص الأمراض النفسية
التحقق من أسباب الأمراض النفسية وتشخيصها بأدق السبل العلمية المعروفة، يعتبر الخطوة الأولى في علاج هذا المريض وبداية سيطرته على الأعراض النفسية التي تواجهه، بل وتساعده في تجنب حدوث أية مضاعفات له حيث يتم التشخيص كما يلي:
الفحص البدني للمريض
من خلال الفحص الجسدي الدقيق والكامل للمريض، يقوم الطبيب باستبعاد أية مشكلة جسدية وعضوية قد تكون هي المسؤولة عن الأعراض النفسية، وكذلك يقوم الطبيب باستبعاد تناول الشخص لأية مواد تسبب له هذه الأعراض النفسية.
الفحوصات المعملية
اختبار وظائف الغدة الدرقية، اختبار المواد المخدرة، اختبار الكحوليات وكذلك إجراء الأشعة المقطعية على المخ لاستبعاد إصابة الشخص بأية أورام أو نزيف في المخ يكون هو المسؤول عن هذه الأعراض.
التقييم النفسي للحالة
يتم من خلال إجراء حديث مطول بين المريض والطبيب النفسي المختص، وذلك لمناقشة أعراض المريض وأفكاره ومشاعره وسلوكياته المختلفة، وبالتالي فهم طبيعة شخصيته جيدًا وسهولة إيجاد طريقة العلاج المناسبة له.
هل يمكن الوقاية من المرض النفسي
ليس هناك طريقة أكيدة ونهائية لمعالجة أسباب الأمراض النفسية أو العقلية، إلا أن هناك بعض الأساليب البسيطة التي سوف تساعدك في السيطرة على أعراض المرض وكذلك تعزز من التكيف والتعامل مع الضغط، هذا مع تقدير الذات بشكل صحيح وهذه الخطوات كما يلي:
- تجنب المسبب الرئيسي لأعراض مرضك النفسي، واحرص على ملاحظة أي تغيير طفيف قد يحدث لك سواء في السلوك أو الشعور.
- احرص على مشاركة عائلتك وأصدقائك المقربين في أمر مرضك، وكذلك في ملاحظة أي تغيير عليك.
- احرص على إجراء الفحوصات الطبية الروتينية، والعلاج المناسب إذا كنت تعاني من أية مشكلة صحية.
- اتبع طريقة المعالجة بالمداومة طويلة الأمد والتي تساعد في تجنب حدوث أية انتكاسات.
- احصل على قسط كافٍ من النوم.
- تناول طعاما مغذيا ومتوازنا وبكميات كافية.
- مارس أنواعا مختلفة من الأنشطة الرياضية بشكل منتظم.
أسباب الأمراض النفسية متعددة وكثيرة لا يمكن حصرها، كما أنها تختلف من شخص لآخر، فليس بالضرورة أن يكون السبب أو العامل هو نفسه لدى جميع الأفراد، حيث إن كل شخص له ظروفه التي تؤثر عليه بشكل ما فتتسبب في ظهور الأعراض النفسية لديه، هذا مع التأكيد أن كل مشكلة نفسية تستدعي معرفة شاملة بأسبابها المباشرة حتى يتم حلها من جذورها.