هل تشعر في بعض المواقف النادرة أو العابرة أنك ترى حقيقة الأمور بشكل مختلف عن الآخرين؟ ربما هذا ما يعاني منه ضحية الذهان طوال الوقت ولكن بصورة مرضية، تدفعنا للكشف عن أسباب الذهان التي لا تقل غموضًا عن أعراض هذه الأزمة الصحية الغريبة.
تعريف الذهان
يعرف الخبراء والباحثون الذهان باعتباره حالة مرضية تضر بقدرات المخ، بحيث تدفع المريض إلى التعايش مع واقعه الخاص، الذي يبدو بعيدًا تمامًا عن المنطق بالنسبة للأصحاء من حوله، ليضعه ذلك دون شك في مصاف مرضى المشكلات العقلية.
لا يعد الذهان مرضًا في حد ذاته، بل يشكل أحد أعراض بعض الأمراض العقلية والنفسية، إذ تظهر ملامحه المقلقة على مرضى الفصام الذي يعرف أيضًا باسم الشيزوفرينيا، وعلى بعض ضحايا اضطراب ثنائي القطب الذي عرف قديمًا باسم الاكتئاب الهوسي.
يبقى مريض الذهان إذن تحت سيطرة مجموعة من الأعراض المخالفة للواقع، كأن يتعرض لهلاوس تدفعه لرؤية وسماع وشم وتذوق أشياء من وحي خياله، أو لأوهام تجبره على الاعتقاد بأنه يقع تحت رقابة أشخاص غرباء عنه بهدف سيئ أو أنه فوق البشر أو على الأقل شخص يملك قدرات خارقة، ليؤثر ذلك على طريقة تفكيره التي تصبح مشتتة، وعلى قراراته التي لا توصف إلا بالفاشلة، ترى ما هي أسباب الذهان المثير للجدل؟
أسباب الذهان
على الرغم من تعدد ووضوح أعراض تلك الأزمة العقلية الشهيرة، إلا أن تحديد أسباب مرض الذهان بنفس الدرجة من الوضوح يبقى من المهام المعقدة حتى الآن على الخبراء والباحثين، إلا أن ترجيحاتهم بشأنها تبقى ممثلة في العوامل التالية:
الجينات الوراثية
تنتشر إصابات الذهان بين الأشخاص الذين سبق وأن تعرض أحد أفراد أسرتهم، وسواء كان الأب أو الأم أو غيرهم إلى الأزمة العقلية نفسها، حيث يمكن لمرض الفصام على سبيل المثال أن يصيب الابن من أب أو أم عانى أحدهما مسبقًا من هذا المرض الشهير، والذي يشكل الذهان أحد أبرز أعراضه.
يشير الباحثون على الرغم من ذلك إلى نسبة ليست قليلة من ضحايا الذهان الذين لم يشهد تاريخ عائلاتهم الطبي وجود حالة مشابهة، ما يكشف عن عدم ضرورة انتقال الذهان من جيل لآخر في بعض الأحيان.
الأدوية والمخدرات
من الوارد أن يؤدي الحصول على بعض العلاجات الدوائية إلى ظهور أعراض الذهان على المريض، حيث تبقى الهلاوس والأوهام من ضمن الأعراض الجانبية لبعض أدوية العلاج النفسي على سبيل المثال لا الحصر.
كذلك يتسبب تعاطي المواد المخدرة أو الإفراط في شرب الكحوليات إلى الكثير من الهلاوس، ليبدو التوقف عن الحصول على تلك الممنوعات من عوامل مقاومة أسباب الذهان شبه المؤكدة.
الصدمات النفسية
يرى بعض الخبراء أن الصدمات النفسية، وخاصة تلك التي يتعرض لها الشخص في عمر صغير، قد تشكل أحد أسباب مرض الذهان، حيث يشمل ذلك وفاة شخص مقرب أو تعرضه لأزمة صحية قاسية، أو المرور بتجربة حرب دموية.
كذلك يعد التعرض لإيذاء جسدي كالتعرض للاعتداء الجنسي من أسباب الذهان لدى الكثيرين، مع الوضع في الاعتبار دومًا أن المرحلة العمرية تحدد فرص المعاناة من هذه الأزمة العقلية.
الأمراض
تتعدد الأمراض العضوية والذهنية التي تؤدي عاجلًا أم آجلًا إلى ظهور بعض أعراض الذهان، حيث تعمل إصابات وأورام الدماغ على تحفيز الأعراض الذهانية لدى البعض، كما يؤدي مرض باركنسون المعروف باسم الشلل الرعاش أحيانًا إلى الأزمة ذاتها.
أحيانًا ما تتسبب أمراض ذهنية مثل ألزهايمر والخرف في الذهان، مع الوضع في الاعتبار أن مرضا مثل الفصام واضطراب ثنائي القطب وغيرهما من الأمراض العقلية والنفسيةـ تعد من ضمن أبرز أسبب الذهان كما سبق أن ذكرنا.
التوقف عن العلاج
يحذر خبراء الصحة من التوقف المفاجئ عن بعض الأدوية العلاجية، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة حدة أعراض الذهان لمن يعاني منها مسبقًا.
تجدر الإشارة إلى أن أدوية الذهان القادرة على تقليل فرص ظهور الأعراض هي نفسها ما يؤدي لبعض تلك الأعراض إن لم يتم الحصول عليها بوصف من الطبيب، أو تم التوقف عن تناولها دون استشارته.
التقلبات الهرمونية
ربما يعد ارتباك الهرمونات لدى النساء في بعض الأوقات من عوامل إصابتهن بعدد لا بأس به من أعراض الذهان، حيث يحدث ذلك تحديدًا قبل مرحلة الطمث بأيام قليلة.
يؤكد الباحثون أن أعراض الذهان التي تظهر على المرأة في تلك الحالة، تدور حول تقلب المزاج وصعوبات التفكير، علمًا بأن تلك الأعراض حينها تظهر سريعًا وربما تختفي بشكل أسرع.
علاج الذهان
من الوارد أن يبقى التعامل مع الذهان من المهام المعقدة إن كان من بين أعراض الفصام، إلا أن علاج الأزمة يبقى ممكنًا في الحالات الأخرى عبر تلك الخطوات:
جلسات العلاج النفسي
هي تلك الجلسات التي يستمع خلالها الطبيب النفسي إلى أفكار المريض بكل حرية، حتى يساعده على تقبلها والتعامل معها بصورة أكثر منطقية، قبل أن يحدد العلاجات الدوائية اللازمة والتي لا تقل أهمية عن الجلسات نفسها.
الأدوية العلاجية
تتعدد الأدوية العلاجية التي تساهم في تقليل فرص ظهور أعراض الذهان شديدة الإزعاج، حيث تبدو مضادات الذهان هي الخيار الأنسب حينها، مع العلم بأن تحديدها يبقى من ضمن مهام الطبيب وحده.
العلاج السلوكي المعرفي
تتعدد مهام جلسات العلاج السلوكي المعرفي، فبداية من التأكيد على أهمية العلاج وضرورة عدم التخلي عنه مهما كانت الأسباب، ومرورًا بضرورة تحديد الأوقات التي تتحفز لديها الأعراض الذهانية لدى المريض للتعامل معها بذكاء، ووصولًا إلى إمكانية التفرقة بين الأمور الخيالية والواقعية، تبقى تلك الجلسات شديدة التأثير بالإيجاب على حالة مريض الذهان.
تجنب المخاطر
بينما يؤدي تعاطي المواد المخدرة والحصول على المشروبات الكحولية إلى زيادة فرص المعاناة من الذهان، وكذلك زيادة حدة الأعراض بمرور الوقت، فإن تجنب تلك السلوكيات يبقى من عوامل إيقاف خطر أحد أبرز أسباب الذهان.
الدعم الأسري
لا يتمثل الدعم الأسري في قيام أفراد العائلة فقط بتحفيز المريض على تلقي العلاج وتجنب محفزات الأزمة، بل كذلك يمتد الأمر إلى حد جلوس الأشخاص المقربين من المريض مع الطبيب للوقوف على بعض الخطوات العلمية التي تحسن من حالته يومًا بعد الآخر.
في الختام، تبقى أسباب الذهان الجذرية غير واضحة المعالم حتى وقتنا هذا، إلا أن العلاج يبدو متاحًا، ولا يحتاج ربما إلا لالتزام المريض بتعليمات الأطباء المتخصصين، حتى تصبح الهلاوس والأوهام وصعوبات التفكير من أزمات الماضي فحسب.