دائما ما حملت عناوين سلسلة “ما وراء الطبيعة” للأديب المصري الراحل أحمد خالد توفيق، كلمة “أسطورة”، والحقيقة التي تجلت بعد وفاته أن الأسطورة الحقيقية هي أحمد خالد توفيق ذاته، الرجل الذي أدخل ملايين الشباب العربي إلى عالم الأدب، علمهم، وألهمهم، وكان لهم دليلا ومرشدا، في الأسطر التالية نتعرف عليه عن كثب.
مولده وحياته
ولد أحمد خالد توفيق في الـ10 من يونيو/ حزيران عام 1962، بمدينة طنطا وتخرج في كلية الطب بجامعة طنطا عام 1985، ولم يترك ممارسة الطب بسبب مسيرته الأدب، إذ حصل على الدكتوراة في طب المناطق الحارة، والتحق بهيئة التدريس في كلية الطب جامعة طنطا، واستمر في التدريس حتى وفاته العام الماضي.
بداية مشواره الأدبي
بدأ أحد خالد توفيق بأدب الرعب، وواجته عقبة في البداية كانت لتنهي مشواره المثير في مولده، إذ قدم أولى رواياته تحت عنوان “أسطورة مصاص الدماء” إلى المؤسسة العربية الحديثة، عام 1992، لكن اعتراضات كثيرة داخل مجلس إدارة المؤسسة تسببت في رفض القصة استهجانا لفكرتها وأسلوبها، الأمر الذي أصاب أحمد خالد توفيق بالإحباط، إلا أن أحد مسؤولي المؤسسة وهو أحمد المقدم، عرض الرواية على المدير “حمدي مصطفي”، الذي أعجب بها، وقدمها إلى لجنة من المختصين فقوبلت بالرفض مرة أخرى، فقدمها إلى لجنة أخرى وافقت عليها، وكان الأديب نبيل فاروق أحد المسؤولين الذين وافقوا على قرار اللجنة بنشر تلك الرواية.
بعد ذلك انفتح أحمد خالد توفيق على عالم الأدب، وقدم أدب الرعب كأول كاتب عربي يقدم سلاسل قصصية في هذا اللون، وصدرت له من المؤسسة العربية عدد من السلاسل وصلت إلى 6.
استمر العراب في كتابة السلاسل وكانت له تجارب روائية ناجحة جدا، مثل رواية “يوتوبيا” التي ترجمت إلى عدة لغات، ورواية “السنجة”، و”مثل إيكاروس”، و”شآبيب”، وكان له باع في الكتابة الصحفية، بمقال أسبوعي في جريدة الدستور، بالإضافة إلى مجموعة قصصية كانت تنشر في مجلة “الشباب” تحت عنوان “الآن نفتح الصندوق”.
وفاته
توفي أحمد خالد توفيق في الثاني من أبريل 2018، إثر أزمة قلبية، عاجلته بعد سويعات من إجرائه جراحة كي للقلب لعلاج ما يسمي بالرجفان البطيني، لكنه توفي بعد ذلك بسبب رجفان بطيني مفاجئ.
كانت وفاة العراب -وهو اللقب الذي أطلقه عليه القراء- بمثابة صدمة لكل محبيه، للحظات لم يصدق العديد منهم خبر الوفاة، ثم انهالت المرثيات الباكية من كل حدب وصوب، وشيعه آلاف من الشباب الذين استيقظوا باكرا للحاق بجنازته في طنطا مسقط رأسه، وزينوا باب مقبرته بعدد من عبارات الامتنان والرثاء أشهرها “جعل الشباب يقرأون” العبارة التي تمنى توفيق أن تكتب على قبره.
اتسم أسلوب أحمد خالد توفيق بالسخرية والسهولة في السرد، الأمر الذي جلب له الكثير من النقد، لكنه كان يرى أن الكتابة لا ينبغي أن تكون معذبة للقارئ أو أن تشعره بالهزيمة والفشل، وقد نجح العراب بالفعل في نيل ثقة ومحبة القارئ واتجه مئات الشباب إلى القراءة والكتابة بفضله.
اقتباسات عن العراب
“الثقة بالنفس كلام فارغ,, سوف يدهشك كم الأشياء التي لا تعرفها أو لا تجيدها، المهم أن تثق بقدرتك على أن تكون أفضل”.. من كتاب قصاصات قابلة للحرق.
“تعريف التفاؤل؟.. إذا قال القائد لجنوده إن العملية خطرة وإنه يتوقع أن يموت 99 من مائة منهم، فإن التفاؤل يجعل كل واحد ينظر لرفاقه دامعا ويقول لنفسه: يحزنني فقد الرفاق”.
“قلت لها مغضبا: لماذا تميل النساء إلى الرجال الأوغاد الذين لا يوحون بأي ثقة؟، قالت في برود: مثلما تنجذبون معشر الرجال إلى الفتيات المائعات اللاتي لا يعرفن كيف يرعين طفلا أو يحفظن بيتا”.
“غريب أمر الإنسان حقا، إن عيوبنا ككشافات سيارة نركبها، لا نراها نحن أبدا، بينما هي تعمي عيون الآخرين الذين يقابلوننا، وبالمثل نحن نرى كشافاتهم أو عيوبهم بوضوح تام قد يدفعنا إلى مطالبتهم بتخفيضها قليلا”.
“من أخطر الأمور ألا تعرف آثامك، أن يملأ الكبر نفسك فتتشدق: أنا لم أقترف إثما.. إن في حياتك آثاما أنت أدرى بها مني.. العميان لا يرون الشمس لكنهم يدركونها، وأنت لست كفيفا ولا غبيا، فقط أنت مغرور يخدع نفسه”.
“الرضا كوب من الماء الصافي، يمكن لأي شيء أن يفسده”.
“أنا أقوم بتسليتك بأقل تكلفة، وأقل قدر من التنازلات، لا أريدك أن تهرب مني.. هناك عبارة يقولها (ر. ل. شتاين): أريد أن يكتب على قبري “جعل الأطفال يقرأون”، أما أنا فأريد أن يكتب على قبري: “جعل الشباب يقرأون”، أقول إنني لست آخر من يكتب، هناك الكثيرين غيري، وأنا لست النهاية أبدا، لكن الفكرة هي أنك صرت مدمن كتاب، لأنك ستشعر في وقت من الأوقات أن هذه الروايات لم تعد تصلح لك، أي أنك ستزهدني مثلا على سن 25، 26.. وتبدأ بدخول عالم آخر معقد تجد فيه نفسك، وتجده متفقا مع ميولك، كل مرحلة عمرية ولها كتاباتها”.