هل سمعت من قبل عن مرض التوحد؟ ربما يدرك الكثيرون بعض المعلومات عن هذا الاضطراب الذي يعرف كذلك باسم الذاتوية، إلا أن أعراض التوحد المتنوعة والتي تظهر على الطفل مبكرًا في فترة الرضاعة، تتطلب الانتباه دومًا، والسر في أن سرعة ملاحظة الأعراض تعني سرعة العلاج وزيادة فرص التطور.
مرض التوحد
يعد مرض التوحد من الاضطرابات العقلية والعصبية المزمنة، حيث يبقى مع الشخص على مدار سنوات الحياة، ليؤثر على أفكاره وسلوكياته ومدى اندماجه مع الآخرين، وفقًا لحالته وكذلك لجدية العلاج الذي يخضع له.
من الوارد أن يعاني الطفل من التوحد أو اضطراب الطيف التوحدي، بصرف النظر عن ثقافة أسرته أو لونه، لتبدأ أعراض التوحد حينها في الظهور رويدًا رويدًا، فتكشف عن أزمته التي تشير الإحصاءات إلى أنها تشخص بنسب أعلى لدى الأولاد مقارنة بالفتيات.
ينصح دومًا بملاحظة أعراض التوحد وأي من الاضطرابات التي تصيب الأطفال في أسرع وقت ممكن، حيث يؤدي بدء رحلة العلاج سريعًا ودون تأجيل، إلى زيادة فرص تقليل الأضرار ومقابلتها بمكاسب بالجملة.
أعراض التوحد
يمكن للآباء ملاحظة أعراض التوحد للمرة الأولى بعد ولادة الطفل بعدة أشهر، أو ربما في الفترة التي تتوسط الـ12 شهرا والـ24 شهرا، لتتلخص تلك العلامات المرضية التي تستمر عادة بالسنوات التالية في:
- عدم الرغبة في مشاركة النشاطات والاهتمامات مع الآخرين، وسواء كانوا من نفس المرحلة العمرية أو أكبر أو أصغر سنًا.
- عدم القدرة على التحدث بشكل طبيعي مع الآخرين وكأن الحفاظ على حوار مثالي يبدو من التحديات المستحيلة.
- تكرار بعض السلوكيات بصورة تدعو للاستغراب، والشعور بالغضب عند قيام شخص آخر بأي تعديل فيها.
- عدم فهم ما تعنيه لغة الجسد أو تغيرات نبرات الصوت الدالة أحيانًا على المشاعر دون الإفصاح بها.
- الحرص على تكرار بعض العبارات المحددة بشكل ملحوظ.
- استحالة النظر في أعين المتحدثين مهما كانوا مقربين من ضحية هذا المرض.
- الاكتفاء بقضاء الوقت في معزل عن الآخرين، وعدم وجود الحافز أو النية في تكوين علاقات مختلفة وجديدة.
- كراهية التواصل الجسدي بدرجة تجعل العناق مع شخص آخر من المهام المعقدة على ضحية هذا الاضطراب.
- استخدام نبرة صوت تشبه أصوات الإنسان الآلي.
- عدم امتلاك القدرة على المبادرة والوقوع دائمًا في مصيدة الانتظار.
- المعاناة من الحساسية أمام أمور تبدو عادية تمامًا، مثل الأصوات أو الأضواء أو حتى اللمسات برفق من جانب الأشخاص المقربين.
لماذا يعاني البعض من علامات التوحد؟
توجد بعض الترجيحات بشأن أسباب معاناة البعض من أعراض مرض التوحد، إلا أنها لا تزيد في النهاية عن كونها توقعات هي أقرب للمنطق مثل:
العوامل الوراثية
إن كانت العوامل الوراثية تتدخل في كثير من الأحيان لزيادة فرص اكتساب الطفل ما يتمتع به الأبوين بشكل عام، فإن الأزمة تحدث وفقًا للعلماء حينما يرث الطفل الأمراض المزمنة ومن بينها اضطرابات الطيف التوحدي، علمًا بأن انتقال التوحد من جيل لآخر يحدث أحيانًا في تلك الحالة وليس بشكل دائم.
الاضطرابات الجينية
يؤكد الخبراء وجود فرصة ليست بالقليلة للإصابة بمرض التوحد، جراء المعاناة من الطفرات جينية، تمامًا مثلما تتسبب متلازمة الكروموسوم إكس الهش التي تندرج تحت قائمة الاضطرابات الجينية في زيادة خطر المعاناة من مرض التوحد.
سن الوالدين
يتسبب قرار الأبوين الإنجاب وهما في عمر كبير، في ارتفاع خطر ولادة طفل مصاب التوحد، علمًا بأن تلك الحالة لا تتكرر في كل الظروف، في ظل احتمالية ولادة طفل لا يعاني من أي أزمة صحية أو اضطراب، مهما كان عمر الأب والأم معًا متقدما، ومع الوضع في الاعتبار أن ولادة الطفل بوزن أقل من الطبيعي لها دور أيضًا في تحفيز هذا الاضطراب لديه.
تشخيص وعلاج أعراض التوحد
يحتاج الأطباء من أجل تشخيص الاضطراب، الاعتماد على بعض الإجراءات الكاشفة عن أعراض مرض التوحد بصورة علمية قبل بدء العلاج كما يلي:
إجراء الفحوصات
يبدأ الأمر عبر إجراء بعض الفحوصات التنموية فيما يمكن اللجوء إلى بعض الاختبارات لمعرفة ما إن كانت هناك إصابة ببعض أعراض مرض التوحد أم لا، حيث يشمل ذلك اختبار الحمض النووي لملاحظة وجود أي اضطرابات جينية، علمًا بأن الكشف على الوضع السلوكي للمريض يبقى مطلوبًا، علاوة على مدى دقة حواس مثل السمع والبصر..
جلسات العلاج المعرفي السلوكي
هي مجموعة من الجلسات التي تجرى بإشراف كامل من الطبيب النفسي، حيث تساعد المريض الصغير على فهم طرق مواجهة مواقف مختلفة الظروف، بجانب الحرص على تعليمه بعض السلوكيات الإيجابية المفيدة، ما يمكن تطبيقه في كل الأحوال على الكثير من ضحايا اضطرابات نفسية أخرى أشهرها الاكتئاب واضطرابات الطعام واضطراب الوسواس القهري.
جلسات التخاطب
تقوم جلسات التخاطب وخاصة عند استخدامها بصورة مبكرة في مراحل الطفولة الأولى، بدعم ضحايا التوحد على صعيد التواصل، إذ تؤدي من ناحية إلى تعليم الشخص الذي يعاني من اضطرابات الطيف الذاتوي كيفية التحدث وكذلك كيفية الاستجابة لعبارات الآخرين.
الدعم الأسري
يتطلب الأمر تقديم الدعم النفسي من جانب الأسرة، سواء عبر تحفيز المريض على السلوكيات الإيجابية بكلمات الإطراء أو بالهدايا المقدمة له، مع دعوته إلى الخروج من المنزل للأماكن العامة لتقل مخاوفه تجاه الغرباء بنسبة أو بأخرى، ومع الوضع في الاعتبار أن كسب ثقة الشخص الذي يعاني من التوحد يساهم في علاجه.
الحفاظ على الصحة النفسية
تكشف تلك الخطوة العلاجية عن نقطة ضرورية ولكن تخص الأبوين، حيث يحتاج الآباء أحيانا إلى زيارة الطبيب النفسي، ليس فقط من أجل استشارته بخصوص حالة الابن أو فرد الأسرة المصاب بالتوحد، بل من أجل الحفاظ على الصحة النفسية لديهم، وخاصة مع مواجهة أزمات متتالية لا يمكن توقعها في تلك الحالات، ليبدو ذلك من عوامل إكمال علاج المصاب بالشكل المطلوب.
في الختام، يبقى تحسين حالة المريض الذي يعاني من أعراض التوحد المتنوعة، مرهونًا دومًا ببدء مرحلة العلاج في وقت مبكر، علاوة على اهتمام أفراد الأسرة بمتابعة حالته ودعمه بكل الطرق، حتى يتمكن عاجلًا أم آجلًا من التعايش مع أزمته والتقدم في حياته.