حياتها على بساطتها لكنها مليئة بالأحداث، إنها السيدة أليس نيل، التي تحولت من امرأة عادية إلى فنانة تشكيلية أمريكية، معروفة بصورها التعبيرية لأصدقائها وعائلتها ومحبيها، فضلا عن تأثير الحياة العاطفية لكل من ترسمه على رسوماتها، ما أضفى وزنًا نفسيًا وثيمة لرسوماتها، بدلاً من تجسيدها مجرد خطوط وألوان تشابه بدرجة ما الواقع الذي تنقله.
ويقف موقع قل ودل على أبرز 3 محطات في حياة أليس نيل…
نشأة أليس نيل القاسية
ولدت أليس نيل في الـ28 من يناير عام 1900، في ميدان ميريون بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، لأسرة متوسطة الحال متشددة، تلتزم بالتقاليد والثقافة المتزمتة، مما جعل أليس تشعر بالاختناق من تلك الحياة، خصوصا أنهم لم يدعموا قرارها في حلمها بأن تصبح فنانة.
إلا أنها تمسكت بحلمها، فالتحقت نيل عام 1921 بمدرسة فيلادلفيا للتصميم للمرأة قديما، وتسمى الآن كلية مور للفنون والتصميم، وتلقت بها دروسا للرسم، وجدير بالذكر أن المدرسة تحمل نفس الاسم للولاية الموجودة بها، وهي ولاية فيلادلفيا، وتخرجت منها عام 1925.
كما أن ظروفها الاجتماعية المتعلقة بنشأتها في عائلة، ربها موظّف يعمل في هيئة السكك الحديدية في الولاية، أجبرها على الالتحاق بمجال العمل بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة مباشرة، في نفس الوقت الذي جعل أليس نيل تعتنق أفكاراً واقعيّة في الفن.
وسرعان ما تزوجت أليس نيل، قبل تخرجها بعام واحد، من الفنان الكوبي كارلوس إنريكي، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة، وكان زوجها ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، وانتقلت للإقامة معه في هافانا إحدى المقاطعات الكوبية، وفي غضون تلك الفترة تطور وعيها السياسي، وأصبحت مؤمنة بـ المساواة الاجتماعية بعد تعرّفها على حركة الطليعة الكوبية، وانتقلت عام 1926 إلى نيويورك برفقة زوجها.
وظلت نيل بجوار زوجها تؤازره وتكافح معه، لكسب المال الذي يكفي احتياجات أسرتهما الجديدة بالاعتماد على أنفسهم، على الرغم من الحالة المستقرة لعائلة زوجها، وبشكل مأساوي، فُجعت أليس في موت ابنتها الرضيعة عام 1927.
وبعد فترة وجيزة من تلك الفاجعة، غادر زوج نيل إلى العاصمة الفرنسية باريس، ووعد بأن يرسل لضمها إليه، بمجرد أن يقوم بجمع ما يكفي من المال لدفع تكاليف سفرها وإقامتها معه، ولكنه انقطع عنها ولم يف بوعده، وتركها وحيدة مشتتة التفكير.
أليس على طريق النجاح
أشرفت نيل على الانتحار، في محاولة منها للتخلص من تلك الحياة المأساوية، ودخلت إلى مصحة عقلية للخضوع للعلاج النفسي، قبل أن تقوم بتغيير حياتها، وخوضها رحلة العلاج، من خلال وضع قدميها على طريق الشفاء بعودتها إلى الرسم، بعد أن استخدمته وعبرت من خلاله عن ألمها في فقد طفلتها الرضيعة، فصبت جم تركيزها على رسم لوحات حول الأمومة والخسارة والقلق، تمكنت خلالها من إيصال مشاعرها وأحزانها إلى العالم أجمع.
وبالفعل خرجت نيل من المصحة، كواحدة من أبرز فناني اليسار في بلدها، وعملت على رسم بورتريهات ولوحات تعبر عن المجتمع وحقوق طبقاته ضمن رؤيتها الاشتراكية، ليجد الملاحظ لأعمالها أنها قدمت في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، عددا من الأعمال التي تعكس الألم الشديد الذي مرت به، كما تعكس حياتها وظروفها.
دائما ما كانت نيل تميل لرسم الأشخاص من حولها، واشتهرت بصورها التعبيرية، على الرغم من أنها رسمت رسمًا مجازيًا طوال فترة ظهور الفن التجريدي في الولايات المتحدة، إلا أن التزامها بالبورتريه لقي احتفاء واسعا في السبعينيات، كونه أعاد للفن الاهتمام بتمثيل الشكل البشري.
“سواء كنت أرسم أم لا، لدي اهتمام كبير بـالإنسانية.. وما زلت أقوم بتحليل الناس”، بتلك الجملة أعربت أليس نيل عن شعورها، وجسدت في لوحها رجالا ونساء من مختلف الأعراق والأديان والتوجهات.
كما لجأت للألوان المائية والباستيل، الذي يحضر بشكل خاصّ في لوحاتها، خاصة التي جسدت بها الأمهات والنساء الحوامل، فضلا عن لوحاتها التي تميّزت بالجرأة في سياق تاريخ الفن بالولايات المتحدة.
المحطة الأخيرة في حياة أليس
يعد بورتريه “الذاتية”، التي قدمته عام 1980، من أشهر أعمال نيل، حيث تصور نفسها في أواخر السبعينيات من عمرها، للدلالة على رؤيتها النادرة في فن جسد امرأة مسنة، بجانب نظرتها غير المتجانسة وغير المثالية إلى نفسها ومهنتها كفنانة.
ولمدينة نيويورك، فضل عظيم عليها، في محاولة منها لتصوير بُعْدٍ درامي في حركة الناس بالشوارع، وأفعالهم اليومية، وتنوّع سكّان المدينة وشغفهم بالحياة أو نفورهم منها، وقد استُمدّ عنوان معرضها من إحدى مقولاتها الشهيرة عام 1950، والتي تقول “بالنسبة لي.. الناس يأتون أوّلا”، محاولة التأكيد على كرامة الإنسان وأهميتها المطلقة.
وفي عام 1976، نالت أليس تكريما مرموقا يحصل عليه الأمريكيون في الإنجاز الأدبي والفني، بإدخالها في المعهد الوطني للفنون والآداب.
توفيت أليس نيل في الـ13 من أكتوبر عام 1984، بمدينة نيويورك عن عمر ناهز 84 عامًا، كواحدة من أعظم الرسامين الأمريكيين في القرن العشرين، وهو ما تدعمه معارضها الفردية والجماعية المتكررة في كل من المتاحف والمعارض، مثل مجموعاتها في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، ومعهد الفنون في شيكاغو، والمعرض الوطني في واشنطن العاصمة، ومعرض تيت في لندن، ومتحف ويتني للفنون الأمريكية في نيويورك، وغيرها كثير.