أنتاركتيكا بمثابة مسكن آلهة الكلدان القدماء؛ أرض شديدة الانحدار، تقع بعيدا عن البحار التي أحاطت بسكن الإنسان.
مقتبس من كتاب “أسوأ رحلة في العالم”، للكاتب أبسلي شيري جيرارد، عام 1922.
الظروف القاسية ودرجات الحرارة المتجمدة والمناظر الطبيعية القاحلة تجعل من القارة القطبية الجنوبية مكانًا غير مؤهل لاحتضان البشر. تبلغ مساحة القارة المتجمدة حوالي 1.5 ضعف حجم الولايات المتحدة، 99% من مساحتها مغطاة بالجليد، مما يشكل 90% من كل الجليد على الأرض.
لعدة قرون، استحوذت القارة القطبية الجنوبية على خيال الجميع. بداية من المستكشفين الأوائل التاريخيين في القرن التاسع عشر، وصولًا إلى علماء القرن الحادي والعشرين. وباعتبارها آخر أرض (برية) غير مستكشفة في العالم، فإن القارة القطبية الجنوبية يكتنفها الغموض، ولأنها بعيدة جدًا، ربما يكمن سحرها في الحفاظ على أسرارها.
بطبيعة الحال، لا تزال أنتاركتيكا محاطة بالكثير من الغموض ونظريات المؤامرة، وفيما يلي نستعرض أبرزها.
حياة تحت الأرض
ربما كان من الصعب في الماضي تخيل وجود أي حياة تحت طبقات الجليد السميكة في قارة أنتاركتيكا، ومع ذلك اكتشف العلماء عددا من البحيرات الجوفية، والتي تم الكشف عنها لأول مرة في عام 1970 باستخدام الرادارات، ويقدر عددها بحوالي 400 بحيرة تقع تحت 3 كيلومترات من الجليد، في المناطق التي تم استكشافها.
يعتقد العلماء أن هذه البحيرات التي تشكلت بعد انفصال القارة القطبية الجنوبية عن جندوانالاند (القارة العظمى القديمة) لا تتجمد بسبب الضغط الناتج عن وزن الغطاء الجليدي الهائل.
وتعد بحيرة فوستوك، التي اكتشفها العلماء الروس في التسعينيات، هي أكبر بحيرة تحت الجليد في القارة القطبية الجنوبية، كما أنها ثالث أكبر بحيرة من حيث الحجم في العالم، وتقع على عمق 3.5 كيلومتر تحت الجليد.
في الواقع، نجح العلماء في استخراج عينة من مياه بعض من هذه البحيرات، حيث أظهرت عينة واحدة أن درجة حرارة المياه تبلغ حوالي -3 درجة مئوية، على الرغم من تغطيتها بالجليد منذ أكثر من 20 مليون سنة.
في عام 2014، اكتشف العلماء نظاما بيئيا متنوعا ونشطا للكائنات الحية الدقيقة في البحيرات، على بعد كيلومتر تقريبا تحت الغطاء الجليدي. لم تتعرض هذه الكائنات للهواء النقي أو ضوء الشمس منذ ملايين السنين، ومع ذلك فهي تنمو باستخدام الميثان والأمونيوم.
ما قبل الإنسان الذي نعرفه
قارة أنتاركتيكا أرض قديمة جدًا، شهدت بعض التحولات المذهلة على مدى ملايين السنين قبل أن تصبح صحراء متجمدة بعد العصر الجليدي. لكن في الواقع، كانت القارة القطبية الجنوبية منطقة دافئة، بها غابات مطيرة، وربما حضارات قائمة بالفعل.
تطورت هذه النظرية عقب العلماء لعلامات تؤكد وجود الخشب المتحجر الأشجار الاستوائية مما يعني وجود الغابات المطيرة في القارة القطبية الجنوبية قبل ملايين السنين.
وجد العلماء الكثير من الحفريات من الحيوانات البحرية والطيور والديناصورات من العصر الطباشيري. ومن بين الأنواع الأصغر حجما، اكتشفوا وجود أنواع من الخنافس التي عاشت ما بين 14 و20 مليون سنة مضت في مناخ أكثر دفئا، كما عثروا على خلايا منوية عمرها خمسون مليون عام لنوع منقرض من الديدان.
نظريات المؤامرة
مع وصولنا لعصر الانترنت، استخدمت التكنولوجيا، متمثلة في الخرائط الرقمية والأقمار الصناعية، لخدمة الترويج النظريات المؤامرة المتعلقة بقارة أنتاركتيكا. بداية من افتراض وجود كائنات فضائية بهذه الأرض البعيدة، وصولًا لإشاعات حول وجود منشآت نازية سرية بالقارة القطبية الجنوبية. فما هي الحقيقة؟
أجسام غامضة مدفونة
في عام 2018، انتشرت شائعة تفيد بوجود جسم غامض مدفون، يبلغ طوله نحو 1400 مترًا، في منطقة بقارة أنتاركتيكا تعرف بـ”أرض الملكة مود”.
بعد وضع الإحداثيات الخاصة بهذا الجسم الغريب على أدق خريطة لقارة “أنتاركتيكا” والمعروفة اختصارًا بـ”REMA”، اتضح أنّ هذه النقطة ليست سوى محطة أبحاث صيفية ألمانية يعود تاريخ إنشائها لعام 2000.
دليل على حضارة مفقودة
في 2017، قبل قصة الأجسام الغامضة بعام تقريبًا، أطلق أحدهم العنان لخياله، باستخدام نفس الخرائط، مفترضًا وجود قلعة مبنية على طراز العصور الوسطى بأوروبا في منطقة ما بالقارة القطبية الجنوبية، جنوب قارة أستراليا مباشرة.
في الواقع، ساعد عدم قدرة أي إنسان الوصول لهذه المنطقة على انتشار هذه النظرية، المبنية على بعض الصور الخاصة بالأقمار الصناعية وحسب. مع ذلك، يعتقد العلماء، أنّ هذه الصور ليست سوى مجرد بحيرة صغيرة أو بركة متجمدة.
سفينة نازية
في 2020، تنتشر إشاعة جديدة، لا نعرف مصدرها، عن وجود سفينة في إحدى البقاع داخل أنتاركتيكا. وقتئذ، اختلف مروجو هذه الإشاعة حول هوية مالك هذه السفينة: النازيون أم الفضائيون؟
بالطبع، كان مصدر الإشاعة صورة من الأقمار الصناعية، ومع عدم تحرّي الدقة، أو بمعنىً آخر الرغبة في الترويج النظريات المؤامرة، تجاهل أصحاب هذه النظرية أن هذه الصورة الملتقطة لم تكن سوى جبل جليدي متآكل، ساهمت بعض الظروف المناخية أن يمتلك شكلًا يشبه القارب من الأعلى.
حقائق حول أنتاركتيكا
لا تنتج القارة القطبية الجنوبية أي شيء، بمعنى أنّه لا يمكن لأي إنسان على الطعام الذي ينمو بأنتاركتيكا؛ لأن أي إنتاج غذائي يحدث هناك، يتجمد فورًا.
في الواقع، تعد القارة القطبية الجنوبية محمية بموجب معاهدة أنتاركتيكا، التي وافقت عليها 55 دولة تمثل 64٪ من سكان العالم، مع العلم أن هذه القارة لا تمتلك نظامًا حكوميًا، بل تعامل مثل البحار المفتوحة. وتحظر المعاهدة المطالبات الإقليمية وأي استخدام عسكري، ودخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في عام 1961، وفي عام 1991 تمت إضافة الحماية البيئية مع مطالبات للزوار من الدول الموقعة على المعاهدة وشركات السفر مراعاة قواعد صارمة لمكافحة التلوث والأضرار البيئية.
مع ذلك، يمكن للبشر الوصول لبعض المناطق في قارة أنتاركتيكا، حيث لا تعد زيارتها محظورة. فمثلًا، طبقا لبعض المصادر، يزور حوالي 50 ألف سائح القارة القطبية الجنوبية كل عام، وهناك حوالي 1000 شخص هناك على قواعد برية في جميع الأوقات والتي ترتفع إلى 4000 خلال أشهر الصيف القصيرة.
في النهاية، كما ذكرنا أنتاركتيكا أرض واسعة يحيط بها الغموض؛ لأنها ليست مؤهلة للسكنة، بالتالي يسهل افتراض العديد من نظريات المؤامرة حولها. ومع ذلك، حتى اللحظة، لا يوجد دليل مادي واحد على وجود أمر ما يتم إخفائه عن سكان العالم حول القارة القطبية الجنوبية. على الأقل حتى هذه اللحظة.
مصادر:
https://www.coolantarctica.com/Community/antarctic-military-activity.php
https://www.coolantarctica.com/Community/antarctic-mysteries-map.php
https://www.wayfairertravel.com/inspiration/antarctica-greatest-mysteries/
https://longnow.org/ideas/the-truth-about-antarctica/