من منا لم يتعرض من قبل إلى حالات من الحزن والضعف واليأس؟ كلنا نعرف تلك الحالات جيدًا؛ ولكن يختلف كل منا في شدة المشاعر التي تجتاحه، وربما يصل به الأمر إلى الإصابة بأحد أنواع الصدمات النفسية؛ فهل يمكن علاج هذه الصدمة ذاتيًا أم يلزم الذهاب إلى الطبيب؟ تحلق الكثير من الأسئلة التي تسلبك عقلك حينما لا تجد لها إجابة؛ تابع هذا الموضوع لتتعرف أكثر على أنواع الصدمة النفسية ومراحلها وعلاجها.
ما هي الصدمة النفسية؟
يطلق العامة مجازيًّا على حالة الحزن العادية صدمة نفسية حتى اختلط الأمر؛ ولهذا أردنا أن نوضح لك ماهية الصدمة النفسية ببساطة؛ فهي الاستجابة العاطفية لأمر مرهق أو مخيف أو صادم بالنسبة لمن يتعرض له؛ ولهذا يمكن أن تُسمى أيضًا باسم “الصدمات العاطفية”؛ وما يفرق بين الصدمة النفسية، وحالة الحزن، أو الإحباط العادية هي طول المدة.
جميعنا نحس بالألم أو الحزن أو الغضب حينما نواجه أحداثا صادمة أو مؤلمة، وتستمر معنا هذه المشاعر لمدة تتراوح بين عدة أيام إلى أسابيع على حسب شدة الحدث، وفي نهاية الأمر نستطيع إكمال حياتنا من جديد؛ ولكن قد تؤثر هذه الأحداث في بعض الأشخاص؛ لدرجة أنهم يعجزون عن المضي قدمًا في حياتهم لعدم قدرتهم على التأقلم معها؛ فهل من المعقول أن يتعرض الشخص لحدث مروع؛ فيصاب بصدمة نفسية في الحال؟
مراحل الصدمة النفسية
على الرغم من أن لكل منا طريقة للتأثر عندما يتلقى الأخبار الأليمة؛ فكلنا نمر بمراحل محددة عندما نتعرض لصدمة نفسية؛ ومن المرجح أن تمر بالآتي:
مرحلة التأثر
التأثر هو أولى مراحل الصدمة النفسية التي تبدأ فور سماعك الخبر الأليم الذي قد يصدمك أحيانًا؛ ومن المنطقي أن تشعر حينها بالتوتر الشديد والقلق البالغ إثر هذه الصدمة.
مرحلة الإنكار
ربما شاهدت هذا الأمر مرارًا وتكرارًا في الأفلام والدراما؛ فحينما يخبر الطبيب الممثل بأنه مصاب بمرض خطير؛ يُصدم أولاً ثم يبدأ في إنكار هذا الأمر قائلاً بعدم تصديق “لا لا أنا على ما يرام”؛ كذلك هي المرحلة الثانية التي ستمر بها إذا تعرضت لصدمة نفسية.
التعافي على المدى القصير
فور أن تنكر هذه الحقيقة؛ متمنيًّا أن يصبح هذا الأمر مجرد كابوس عابر تتأكد أنه ليس كذلك، وأنه يجب عليك استعادة وعيك للتفكير في حل لتلك المشكلة؛ وهذا بالضبط ما يحدث في المرحلة الثالثة، حيث تبدأ في التعامل مع الأمر وليكن إصابتك بمرض خطير.
حينها ستبدأ في الاختيار بين الذهاب إلى مستشفيات أخرى متخصصة أو توفير الأموال لشراء الأدوية الموصوفة لك؛ ولكن لا يكون هذا التعافي كليًّا وإنما ستلاحظ أنك تشاهد الكوابيس؛ وأنك ما زلت تفكر بشكل سلبي.
التعافي على المدى البعيد
ستحاول في تلك المرحلة إقحام الصدمة النفسية في روتين حياتك اليومي؛ فمثلاً إن كنت قد تعرضت لصدمة نفسية بسبب تلقي خبر وفاة أحد المقربين؛ تجد أنك تؤدي الوظائف التي فُرضت عليك بسبب غيابه، ولكن ما زالت الأفكار المؤرقة مترسبة في قلبك، حيث تستمر معك مشاعر الخوف والقلق والحزن على الرغم من القيام بالمهام وإشغال الوقت.
أعراض الصدمة النفسية
عندما تمر بمراحل الصدمة؛ ستظهر عليك بعض الأعراض التي تؤكد لك أنك تعاني من أحد أنواع الصدمات النفسية ويمكنك التحقق من ذلك من خلال الاطلاع على مجموعة الأعراض التالية:
استرجاع الحدث الذي تسبب في حدوث الصدمة
إذا كنت تعاني من الصدمة النفسية ستبدأ في استرجاع الحدث المروع الذي تسبب في ذلك مرارًا وتكرارًا وكأنه فيلم درامي تتذكر مشاهده وتراها أمام عينيك معظم الوقت، وينتج عن هذا الأمر حدوث ردود عاطفية مفرطة، وسرعان ما يشاركك جسدك في هذا الأمر مما يجعلك تشعر ببعض الاضطرابات الجسدية كلما تذكرت هذا الحدث، كما أن الكوابيس الليلية تصبح صديقتك المخلصة.
الحذر المفرط
على الرغم من اختلاف أنواع الصدمات النفسية ستجد أن تلك الخصلة المميزة يمتلكها معظم الذين يعانون من الصدمة، حيث يتعرضون لبعض السلوكيات اللاإرادية؛ وذلك مثل:
- صعوبة التركيز في أي شيء.
- النوم المفرط لعدة ساعات متواصلة، أو الأرق.
- المبالغة في ردود الأفعال؛ والغضب لأتفه الأسباب.
- الشعور بالخوف الدائم عند التواجد في أي مكان وليس في الأماكن التي حدثت بها الصدمة.
التجنب
من المتوقع إذا مررت بصدمة أن تتجنب كل ما يخص الصدمة من مشاعر ومواقف وأماكن حتى إنك ترفض التحدث عن المواقف المصاحبة للصدمة، كما ستشعر بعدم قدرتك على فعل أي شيء، ويقل احتكاكك بالآخرين؛ فتنعزل وحدك في عالمك الخاص، وتنسحب من كافة المواقف الاجتماعية.
الاكتئاب
معظم الذين تعرضوا للصدمات النفسية قد أصابهم الاكتئاب وجلد الذات، حيث يحملّون أنفسهم ما لا طاقة لهم به؛ إذ يعتقدون أنهم السبب في الأحداث التي حدثت لهم وتسببت في حدوث الصدمة لديهم.
نوبات من البكاء الهستيري
قد يعاني الشخص الذي تعرض للصدمة من البكاء الشديد كلما تذكر الحدث الذي أدى إلى حدوث الصدمة؛ وغالبًا ما يكون عاجزًا عن التحكم في تلك النوبات وإيقافها، وقد يكون البكاء صامتًا أو مصحوبًا بالصراخ.
أنواع الصدمات النفسية
إن كانت معظم الأعراض السابق ذكرها تظهر عليك فذاك يعني أنك تمر بصدمة نفسية، وقد تتساءل إذا ما كانت شدة الصدمة بسيطة، أم متوسطة أم شديدة، وذلك يمكن أن تستنتجه من خلال الاطلاع على أنواع الصدمات النفسية فيما يلي:
- الصدمة المزمنة: من أقسى أنواع الصدمات هي الصدمة المزمنة؛ حيث تنشأ نتيجة التعرض بصورة متكررة لأحداث أليمة على المدى الطويل، وذلك نحو التنمر، العنف المنزلي، ومعاملة الأطفال بشكل سيئ.
- الصدمة الحادة: هي الصدمة الناشئة من تعرض الشخص لحدث واحد مروع.
- الصدمة الثانوية: تنشأ نتيجة رؤية الشخص لحدث مؤلم يحدث مع غيره؛ لذا يُطلق عليها أحيانًا الصدمة غير المباشرة.
- الصدمة المعقدة: هي التي تنشأ من تعرض الشخص إلى الكثير من الأحداث المؤلمة والصادمة بالنسبة له؛ إلى أن يشعر بالحصار من كل جانب.
مضاعفات الصدمة النفسية
تؤثر الصدمة النفسية فينا بشكل ما؛ فتؤدي إلى حدوث مضاعفات عديدة منها ما يترك أثرًا جسديًّا، ومنها ما يترك أثرًا نفسيًا؛ ومن المضاعفات ما يلي:
اضطراب ما بعد الصدمة
يأتي هذا الاضطراب بعد ما يتعرض الإنسان لأمر جلل كان يهدد حياته، وهو عبارة عن أحد أنواع القلق الذي يظهر عندما يظل الإنسان أسير الصدمة النفسية لفترة كبيرة: وخاصةً إذا ساءت أعراضها لأسابيع أو شهور، والجدير بالذكر أن هذا الاضطراب يزيد الأمر سوءًا فيجعل الإنسان أسيرًا للتجارب التي تعرض لها؛ بالإضافة إلى أنه يُحدث خللاً في معدل هرمونات التوتر مما يؤثر بالسلب في الصحة الجسدية والنفسية.
التأثير السلبي في الدماغ
تؤثر الصدمة النفسية بالسلب في الجهاز العصبي بشكلٍ عام والدماغ بشكل خاص، حيث تتأثر القشرة الأمامية الجبهية منطقة الحصين المسؤولة عن الذاكرة والتعلم، وكذلك منطقة اللوزة المسؤولة عن قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات؛ كما أن لها دورا في الإحساس بالمشاعر.
التأثير السلبي في القلب
لا يقل التأثير السلبي للصدمة في الدماغ خطورة عن تأثيرها في القلب، حيث يمكن أن تتسبب في حدوث الأزمات والجلطات القلبية نتيجة زيادة ضربات القلب أو الارتفاع الفجائي لضغط الدم؛ وهذا ما يفسر أمر وفاة شخص في الحال بعد ما سمع بخبر موت شخص مقرب بالنسبة له.
كيفية التعامل مع الصدمة النفسية
هناك عدة خطوات يمكنها مساعدتك على تخطي أي نوع من أنواع الصدمات النفسية؛ على اختلافها؛ فإن كنت واثقًا من أنك تعاني من صدمة نفسية جرّب اتباع الآتي:
تجنب الانعزال
كلما كنت وحيدًا تسللت إليك الذكريات الأليمة التي تحاول جاهدًا استبعادها، ولكن الجلوس وحيدًا ليس الحل الأمثل لهذا الأمر؛ فمن الأفضل أن تقضي معظم وقتك مع الأقارب والأصدقاء، أو أن تكون مقيدًا بالمهام التي يجب عليك إنجازها، ولا تستهن بالدعم الذي يقدمه الأصدقاء والأقارب؛ إذ يمكنه تخليصك من الشعور بالوحدة وما يتبعه من أفكار سلبية؛ كما أنه سيمنحك الشعور بالأمان الذي سيخفف من وطأة الصدمة.
تحدث عن مشاعرك
يعد الحديث عن مشاعرك المضطربة إثر تعرضك لأحداث مؤلمة الخطوة الأولى في التعافي من الصدمة النفسية، فلا تعتقد أن عدم البوح بهذه المشاعر سيجعلك تنسى الأمر؛ لأنه سيبقى دفينًا داخلك ولن تنساه كما تظن، وينبغي التنويه إلى أن هذا الأمر ليس إجباريًّا؛ فإذا شعرت أنك لا تود التحدث وترغب في الصمت لا بأس في ذلك، فخذ من الوقت ما تشاء.
اطلب الدعم
اطلب المساندة من الأقارب والأصدقاء بشكل مباشر لتعبر لهم عن المخاوف والمشاعر التي تجتاحك بعدما تعرضت لصدمة ما، ولكن لا بد أن تبحث عن الشخص المناسب والذي تثق به لتستمد منه الدعم.
لا تيأس
لا تفقد الأمل وتعتقد أن ما حدث لك كان الضربة القاضية التي دمرت حياتك؛ فأيًا كانت أنواع الصدمات النفسية التي مررت بها حفز نفسك وتدرب على توقع الأفضل، وتخيل عودة حياتك إلى أفضل مما كانت عليه، وذكّر نفسك بالمحن التي تعرضت لها واستطعت تخطيها، ولا تنس أن معظم من حولك مروا بهذه التجربة وأصبح كل شيء على ما يرام في نهاية الأمر.
متى يجب عليك زيارة الطبيب؟
إذا ظهرت عليك أعراض الصدمة النفسية فهو أمر طبيعي؛ أما إذا استمرت معك لعدة أشهر؛ فهذا يعني أنك تعاني من صدمة حادة وتحتاج إلى زيارة الطبيب النفسي المختص على الفور؛ لأن إهمالك لهذا الأمر سيجعل المعاناة تتفاقم إلى أن تصل لذروتها وتسبب مرضًا نفسيًا لا قدر الله.
علاج الصدمات النفسية
في حالة لم تفلح الخطوات التي عرضناها أعلاه في تخفيف أعراض الصدمة النفسية هنا يجب عليك التوجه لمراكز العلاج النفسي لتلقي العلاج المناسب؛ وينقسم هذا العلاج إلى:
العلاج النفسي
هو المرحلة الأهم في التعافي من الصدمة النفسية؛ حيث يمكنه مساعدتك على علاج القلق الزائد وتخطي أعراض الصدمة النفسية والجسدية، كما سيحدد الطبيب خلالها المخاوف التي تعاني منها حتى يكون بوسعك التعرف عليها ومواجهتها؛ ومن ثم التغلب عليها بشكل تدريجي.
العلاج الدوائي
إن كنت غير قادر على النوم جرّاء القلق والتفكير الزائد؛ سيمنحك الطبيب بعض الأدوية التي تساعدك على النوم وتمنحك الراحة، ويرجى التنويه أنه لن يكون اعتمادك الأساسي على هذه الأدوية، بل تتناولها في أول فترة بعد الصدمة النفسية؛ ومن تلك الأدوية: مضادات الاكتئاب، والقلق.
الصدمات النفسية عند الأطفال وكيفية التعامل معها
يعاني الأطفال من أنواع الصدمات النفسية كما يعاني منها البالغون تمامًا، ولكن قد تختلف الأعراض عند الطفل، حيث يرى الكوابيس في منامه؛ وهذا ما يعسر عليه النوم في الليل، ويقلل هذا الأمر من تركيزه، كما يجعله يعاني من التبول الليلي، ويكسبه عادات سلبية، مثل: مص الأصابع، ويشعر بالصداع أو آلام المعدة؛ وفي تلك الفترة يكون للأبوين دور كبير في توفير الدعم لطفلهم؛ لذا عليهما باتباع الآتي:
- يجب على الأبوين ألا يتركا طفلهما وحده؛ فذلك لا ينسيه ما حدث له بل يزيد عليه الأمر، كما يجب تقبل الخلل النفسي الحادث له، ومحاولة إخراج ما في باطن الطفل من مشاعر سلبية من خلال نشاط يحبه كالرسم مثلاً.
- مساعدة الأبوين طفلهما على التحدث عما حدث له هو بمثابة الدعم الذي نقصده؛ فامنحوا أطفالكم الحرية في الإفصاح عن مشاعرهم، واستمعوا لهم بهدوء لتخطي هذه المرحلة العصيبة.
- إذا لم يستطع الأبوان أن يجعلا الطفل يتحدث فيجب عرضه على مختص نفسي لمساعدته على تقليل المضاعفات الناجمة عن الصدمة.
- في حال لاحظ الأبوان عجز الطفل عن أداء الأنشطة اليومية الاعتيادية جرّاء القلق؛ أو إذا استمرت أعراض الصدمة لأكثر من شهر يجب عرضه على الطبيب النفسي على الفور.
لا تنس أن إصابتك بأحد أنواع الصدمات النفسية لا يعني الهلاك؛ فلا تخضع لهذه الحالة السيئة وتيأس، بل حاول تطبيق النصائح التي عرضناها لك، ولا تتغافل عن تحسين علاقتك بربك كي تتحسن جودة حياتك؛ فلا تيأس من روح الله وتقرّب منه وادعه حتى تزول تلك المحنة.