يدرك الكثيرون بعض تفاصيل اضطراب التوحد، الذي يجعل المصاب به حبيسًا لأعراضه الذهنية والنفسية المختلفة، إلا أن قليلا من البشر هم من يعلمون بحقيقة تعدد أنواع طيف التوحد، كما نوضح عبر سرد درجة صعوبة كل نوع في السطور التالية.
طيف التوحد
في البداية، يصف الخبراء طيف التوحد بأنه من أشهر الاضطرابات التي تؤثر بالسلب على حياة ضحاياه في مرحلة الطفولة، حيث يؤدي هذا الاضطراب المعروف أيضًا باسم الذاتوية إلى تراجع ملحوظ في قدرات المصاب به على ممارسة النشاطات الاجتماعية أو إتمام المهام الدراسية والعملية فيما بعد.
لم ينجح الباحثون حتى وقتنا هذا في معرفة الأسباب التي تؤدي لإصابة طفل دون غيره بأحد أنواع طيف التوحد، إلا أن المؤكد أن فرص المعاناة من هذا الاضطراب ترتفع في بعض الحالات، مثل وجود استعداد وراثي أو جيني نتج عنه إصابة أحد أفراد الأسرة من قبل بالتوحد، أو عند إنجاب الأبوين في عمر متقدم نسبيًا، أو ربما بسبب مرور عملية الولادة ببعض الأزمات أو تعرض الطفل للتسمم أو التلوث.
أنواع طيف التوحد
يعتقد الكثير من الآباء أن معاناة الطفل التوحدي تعني عدم قدرته على التمتع بحياة جيدة، على الصعيد العملي أو الاجتماعي، فيما يتبين أن الأمر يختلف بوضوح في ظل تعدد أنواع طيف التوحد، والتي تبدو متنوعة الأعراض ومتباينة الحدة، كما يلي:
متلازمة أسبرجر
لا يختلف هذا النوع من بين أنواع طيف التوحد عن البقية، من ناحية الإضرار بقدرة المصاب على تكوين العلاقات الاجتماعية السليمة، أو من ناحية فشله في فهم مشاعر البشر المحيطين به، إلا أنه يبدو الأقل حدة رغم ذلك.
يرى الخبراء أن مستويات ذكاء ضحية متلازمة أسبرجر تعد متوسطة، لذا فإن بدت أعراض الاضطراب قادرة على عرقلة خطوات حياة المصاب بالتوحد أحيانًا، فإنها لن تمنعه في نهاية المطاف من التطور يومًا بعد الآخر إن حصل على الدعم المطلوب من قبل المقربين.
اضطراب الطفولة
يعرف هذا الاضطراب كذلك باسم متلازمة هيلر، فيما يمكن وصفه باعتباره أحد أنواع طيف التوحد الأكثر غموضًا، والسر في ظهور أعراضه عقب تمكن الطفل فعليًا من اكتساب مجموعة لا بأس بها من المهارات، ليتسبب في فقدان الطفل المصاب لها بعد عامين تقريبًا من الولادة.
يتسم اضطراب الطفولة أو متلازمة هيلر بأنه من ضمن الاضطرابات مرتفعة الحدة، فيما يبقى أحد أكثر أنواع طيف التوحد ندرة بالنظر إلى انخفاض معدلات الإصابة به حول العالم، مقارنة بالأنواع الأخرى.
اضطراب النمو الشامل
إن كان اضطراب الطفولة يعد مرتفع الحدة، فإن اضطراب نمو الشامل لا يختلف عنه كثيرًا فيما يخص تلك الجزئية، باعتباره أكثر تعقيدًا من متلازمة أسبرجر ولكنه يتسم بأنه أكثر سهولة من التوحد الكلاسيكي ليبقى متوسط الصعوبة، فيما يتسبب كما هي عادة هذا الاضطراب في إفساد علاقات المصاب الاجتماعية وتقليل فرصه في التعلم والتطور يومًا بعد الآخر.
لا يعد ضعف قدرات المصاب على التواصل معه من حوله هي وحدها العلامة التي تميز ضحية اضطراب النمو الشامل، بل كذلك تظهر على ضحية هذا النوع من بين أنواع طيف التوحد الرغبة الدائمة في تكرار السلوكيات، في ظل كراهيته الشديدة لأي من ملامح الاختلاف أو التغيير في نمط الحياة الثابت.
التوحد الكلاسيكي
هو النوع الأشهر من بين أنواع طيف التوحد، والذي يعد الأكثر صعوبة كونه يؤثر بأكبر الدرجات على قدرات المصاب الذهنية ومهاراته الاجتماعية، ما تسبب في الخلط لدى الكثير من البشر الذين اعتقدوا أنه النوع الشامل للاضطراب رغم كونه جزءا لا يتجزأ منه.
يرى الخبراء أن القدرة على التحدث مع الآخرين أو التواصل معهم بأي شكل من الأشكال تبدو وكأنها غير مفعلة لدى ضحية التوحد الكلاسيكي، فيما لا يستدعي ذلك إحباط أفراد أسرته نظرًا لوجود فرص للتطور، حتى إن كانت أقل من غيرها.
أعراض أنواع طيف التوحد
تختلف أنواع طيف التوحد من حيث المسميات ودرجة الصعوبة، وكذلك من حيث الأعراض أو نسبة منها، ما نكشف عنه بوضوح في السطور التالية:
أعراض متلازمة أسبرجر
يمكن ملاحظة مستويات ذكاء ضحايا متلازمة أسبرجر المتوسطة كما ذكرنا والتي ربما تفوق ذلك المستوى في بعض الحالات، كما يتسم هذا النوع بعدم وجود تأخر في درجة النطق لدى المريض، إلا أن هناك بعض الأعراض التي تستحق الانتباه:
- وجود خلل في القدرة على التواصل مع الآخرين.
- الفشل التام في قراءة لغة جسد المتحدث أو التعبيرات التي يكشف عنها بوجهه.
- عدم إمكانية فهم تلك الدعابات الطريفة أو الساخرة، أو الكلمات التي تقال بصورة مجازية.
- غرابة لغة جسد المريض، الذي يقترب أكثر من اللازم أحيانًا من الآخرين، أو يتحدث بصوت مرتفع للغاية دون وجود سبب واضح.
- استحالة التواصل بالعين مع الآخرين.
- الاعتماد على ممارسة النشاطات والسلوكيات المكررة.
- الغضب الشديد عند إفساد الروتين الحياتي الخاص به.
يلفت الخبراء الأنظار إلى أن تلك الأعراض تبدو أحيانًا من ضمن علامات أنواع طيف التوحد الأخرى، الفرق هو انخفاض درجة الحدة لدى أعراض متلازمة أسبرجر علاوة على عدم معاناة المصاب على الصعيد اللغوي بالشكل المقلق.
أعراض اضطراب الطفولة
بينما أشرنا إلى تسبب اضطراب الطفولة أو متلازمة هيلر في فقدان الطفل المصاب للمهارات والمعلومات التي اكتسبها في السنوات السابقة، فإن ملامح هذا الفقد تظهر في صورة:
- تراجع القدرات اللغوية والتي يفترض بها أن تساعد الشخص على التحدث مع من حوله.
- تدهور في درجات التواصل مع الآخرين، سواء كانوا من كبار السن أو كانوا في مرحلة الطفولة.
- انخفاض فرص نجاح الطفل في الاعتناء بنفسه، ليؤثر بذلك على نظافته أو مظهره العام.
- العجز عن إتمام بعض الحركات وربما صعوبة التحكم في المثانة.
أعراض اضطراب النمو الشامل
يشخص الطبيب هذا النوع تحديدًا لدى المريض، حينما يفشل في التوصل لعلامات طيف التوحد الأخرى، حيث يعاني ضحية هذه الأزمة الذهنية مما يلي:
- العجز عن التطور على مستوى المهارات.
- صعوبة التقدم على صعيد اللغة والتحدث.
- عدم القدرة على تقبل التغييرات.
- الفشل في تكوين العلاقات الاجتماعية.
- ردود الفعل غير المتوقعة تجاه الأصوات والأضواء أو اللمس والمذاق.
- تكرار الأفعال بصورة مفرطة.
أعراض التوحد الكلاسيكي
يعرف هذا الاضطراب بأنه الأكثر صعوبة بين أنواع طيف التوحد، حيث يجمع النسبة الأغلب من علامات الذاتوية في ثوب شديد الحدة، فيما تتمثل تلك الأعراض في:
- الفشل في التواصل مع الأشخاص المحيطين.
- العجز عن تكوين العلاقات الطبيعية مع الأشخاص المقربين.
- الالتزام ببعض السلوكيات المكررة.
- احتمالية إظهار علامات الغضب لأتفه الأسباب.
- المعاناة من خلل في النوم.
- الاضطراب الواضح على صعيد الأكل.
- الرغبة الدائمة في الانعزال.
علاج طيف التوحد
يتطلب علاج طيف التوحد أو السيطرة على أعراضه بمعنى أدق، معرفة نوع الأزمة التي يعاني منها الطفل، من بين أنواع طيف التوحد المختلفة، ما يتحقق بزيارة الأطباء المتخصصين والسير على الخطوات العلمية التالية:
التشخيص
هي الخطوة الأولى والتي يحدد من خلالها الطبيب كيفية سير عملية العلاج، فيما يعتمد خلالها على إجراء فحوصات تنموية، تنصح أكاديمية طب الأطفال بالولايات المتحدة الأمريكية أن تجرى قبل إتمام الطفل عامه الثاني، وكذلك يعتمد على اختبار الحمض النووي، قبل التأكد من الأمر عبر إجماع الأطباء المتخصصين، سواء طبيب الأطفال والطبيب النفسي أو أخصائي التخاطب.
العلاج المعرفي السلوكي
بينما تعرف جلسات العلاج المعرفي السلوكي بأنها الأفضل لعلاج الأزمات النفسية والاضطرابات مثل الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب، فإنها تبدو مثالية أيضًا من أجل تحسين حالات طيف التوحد، كونها تمنح الطبيب النفسي فرصة تعويد المريض الصغير على السلوكيات الإيجابية قبل اعتياد التعامل مع البشر الآخرين بالإقناع.
العلاج بالتخاطب
هي الخطوة العلاجية شديدة الأهمية، والتي تبقى مطلوبة لضحايا أغلب أنواع طيف التوحد، حيث يعتمد خلالها أخصائي التخاطب على بعض التقنيات والطرق الحديثة القادرة على تحسين النطق والتحدث لدى الطفل المصاب، مع زيادة قدراته على الانتباه كي يصبح مؤهلًا للتعامل بذكاء مع العبارات التي تقال له من جانب الأشخاص المحيطين به.
الاهتمام والدعم الأسري
لا يقع حمل علاج طفل التوحد على عاتق الأطباء والمتخصصين فقط، بل يجب على أفراد الأسرة التدخل أيضًا لتسهيل مهمة الخبراء، ذلك من خلال تحفيز الطفل على تناول الأطعمة الصحية التي تحسن من حالته الذهنية والنفسية، مع تعويده على الخروج من المنزل رفقتهم في مناخ آمن كي يكسر حاجز التعامل مع الغرباء، ذلك إلى جانب ضرورة منح الطفل ما يحتاج إليه من حرية، والتفرقة بين الحرص على سلامته والخوف عليه وبين المبالغة في حمايته والقلق بشأنه.
في الختام، تبقى أنواع طيف التوحد ورغم اختلاف تفاصيلها متفقة فيما يخص ما يعانيه ضحاياها من أزمات اجتماعية ونفسية أحيانًا، فيما يؤدي العلاج السريع وتقديم الدعم النفسي إلى قلب الأمور رأسًا على عقب، لتصبح فرص نجاح المريض واردة بشدة.