عانى من حجيم العبودية في الصغر، فألف كتابا يحكي تفاصيل معاناته الطويلة عند التحرر في الكبر، حتى أيقن العالم أخيرا مأساة تجارة الرقيق التي عصفت بحرية الملايين في بريطانيا وخارجها، إنه الأديب والمستكشف صاحب الأصول الإفريقية والمناهض لأفكار الاستبعاد في القرن الـ18، أولوداه اكيوانو.
طفولة قاسية
ولد أولوداه اكيوانو في الـ15 من أكتوبر لعام 1745، في ما يعرف الآن باسم دولة نيجيريا، حيث لم يكد يبلغ سنواته الأولى في الحياة، حتى وقع تحت أسر العبودية، لينتقل إلى دولة باربادوس الكاريبية، ومنها إلى ولاية فيرجينيا الأمريكية، ويصبح عمله الدائم وهو طفل صغير، متمثلا في جمع الأعشاب الضارة والأحجار من المناطق الزراعية.
في عام 1757، وبينما كان اكيوانو في الـ12 فقط من عمره، تم بيعه بمبلغ 40 جنيها استرلينيا إلى القائد البحري، كابتن باسكال، حيث عرف منذ ذلك الحين باسم غوستافاس فاسا، قبل أن يسافر للمرة الأولى إلى إنجلترا للبقاء مع أقارب باسكال لبعض الوقت، ويحظي أخيرا بفرصة تعلم القراءة والكتابة، مع العلم بأن أغلب الوقت كان اكيوانو يمضيه وسط البحار في أعمال تتعلق بالصيد والتجارة.
تنقل اكيوانو على مدار الـ5 أو الـ6 سنوات التالية بين أكثر من مالك، حتى تمكن بالعمل الطويل وتوفير المال القليل، من جمع مبلغ الـ40 جنيها استرلينيا، الذي استغله الشاب الصغير على الفور في التخلص من جحيم العبودية، ليصبح اكيوانو حرا أخيرا بعد سنوات من الاستعباد.
حرية منقوصة
حظي اكيوانو بحريته كاملة، لكن الحياة لم تصبح سهلة على الشاب صاحب الأصول الافريقية، والذي وجد نفسه يعمل دائما في وظائف أقل شأنا، إلا أن اليأس لم يتملك عقله رغما عن كل ذلك، واستمر في العمل وسط البحار، ما أكسبه خبرات واسعة من واقع تنقلاته بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والقطب الشمالي.
سافر اكيوانو إلى منطقة الكاريبي في عام 1775، وسعي ابن الـ30 عاما إلى استكشاف الحياة الصعبة التي يعيشها المستعبدون هناك، والتي عاشها اكيوانو نفسه منذ سنوات ليست بعيدة، حيث لاحظ تكرار نفس الظروف الصعبة معهم، ما دفعه إلى شق طريقه فيما يخص الدفاع عن حريات الرقيق في بريطانيا وفي الكثير من المستعمرات التابعة لها.
انضم اكيوانو في بادئ الأمر إلى مشروع سيراليون لإعادة التوطين، وهو المشروع الذي عمل اكيوانو وغيره من المدافعين عن الحريات من خلاله على تحرير العبيد، وإيجاد المكان المناسب لهم من أجل البقاء والعمل أيضا.
لم يكتف اكيوانو بالعمل في مشروع إعادة التوطين، بل أسس مجموعة “أبناء إفريقيا”، التي عملت على حشد المؤيدين من خلال إقامة المؤتمرات وكتابة الرسائل للمسؤولين وكذلك محاولة الانضمام للبرلمان، إلا أن العمل الأبرز الذي عزز من قوة مساعي اكيوانو، تمثل في كتابة قصته الحقيقية، التي شهدت الكثير من الأحداث المناهضة لفكرة تجارة الرقيق.
السيرة الذاتية
أدرك اكيوانو أن نشر قصته للعامة هي السبيل الأفضل من أجل الدعوة إلى إلغاء العبودية، لذا نشر سيرته الذاتية في سنة 1789، تحت عنوان القصة المثيرة لحياة أولوداه اكيوانو، حيث حظيت بأعلى المراتب الأدبية وحصلت على أعلى المبيعات في ذلك الوقت، قبل أن تتم ترجمتها إلى لغات أخرى، وتصبح سلاح اكيوانو الفتاك من أجل القضاء على العبودية في بريطانيا وفي غيرها من الدول، وفقا للعديد من الباحثين الذين أشاروا إلى أن سيرة اكيوانو الذاتية دفعت الآلاف من البشر إلى إعادة النظر في منطق العبودية، ولكن من خلال عين عبد إفريقي سابق هذه المرة.
بينما تجاوز الـ47 من عمره، أدرك اكيوانو أخيرا ضرورة الزواج قبل فوات الأوان، حيث تزوج من سوزان كالين، وانتقل معها إلى اسكتلندا في البداية ومنها إلى دول أخرى عدة، ليستغل اكيوانو تنقلاته المتعددة تلك في إقامة مؤتمرات عامة تحدث خلالها عن جحيم العبودية الذي عانى منه نفسه كما يعاني منه الكثيرون، الأمر الذي لم يتوقف إلا بوفاته في سنة 1797.
توفي اكيوانو عن عمر يناهز الـ52 سنة، أمضى بعضها تحت أسر العبودية، قبل أن يمضي المتبقي منها في الدعوة إلى القضاء عليها للأبد، ما تحقق بالفعل ولكن بعد سنوات بسيطة من وفاته، ليتحقق أخيرا الحلم الذي طالما تمنى أولوداه اكيوانو حدوثه، بمنع تجارة الرقيق في بريطانيا، قبل إلغاء الاستعباد من الأساس في جميع المستعمرات البريطانية.