لماذا لا ينفك البعض عن متابعة الشائعات، ومشاهدة الأخبار السلبية عبر الشاشات، وبين مواقع التواصل الاجتماعي؟ ما السبب الذي يجعل أحدهم يطيل النظر إلى الحافلة المقلوبة، أثناء مروره صدفة بالقرب من موقع الحادث، دون أن يشيح بوجهه بعيدا؟
ولماذا يشعر البعض بشيء من الارتياح عند سماعه أخبار الحروب حول العالم، ولا يصيبه القلق والتوتر عند تزايد أعداد إصابات كورونا؟
الشائعات والأخبار السلبية
من المتعارف عليه أن متابعة الشائعات الكاذبة والأخبار السلبية المحبطة، تعد من أهم عوامل الإصابة بالقلق والاكتئاب والتوتر، بل وأثبتت بعض الدراسات أيضا أن هذه الأخبار قد تتسرب إلى العقل الباطن، مما يؤثر عليه وعلى نفسية الشخص المتلقي، وهو الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية أو بعض المشاكل الصحية الأخرى.
ورغم ذلك نجد بعض الأشخاص يصرون على متابعة ما يدور حولهم من سلبيات وجرائم قتل وخطف، بالإضافة إلى الأمراض، خاصة بعد اجتياح فيروس كورونا صفحات التواصل الاجتماعي، وأعداد الوفيات المتزايدة يوما بعد يوم.
وهو الأمر الذي أدى إلى قيام “دين مكاي” أستاذ علم النفس بجامعة فوردهام الأمريكية والباحث المتخصص في دراسة السلوك القهري واضطرابات القلق، بعدة أبحاث ودراسات في محاولة للتوصل إلى السبب وراء هذا السلوك البشري، المؤدي إلى الاكتئاب والضغوط والاضطرابات، إذ إن البشر بطبيعتهم يميلون إلى التركيز على الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية وهو ما يعرف بـ”التحيز السلبي“، وقد توصل مكاي من خلال دراسته إلى عدة أسباب من شأنها أن تكون عاملا رئيسيا لهذا السلوك.
أنت في معزل
رجح الباحث مكاي أن هذه الرغبة الجامحة لدى البعض تندرج تحت بند الشعور بالأمان والطمأنينة، الأمر الذي ذكره بمشاهدة نشرة الـ11 مساء، التي كانت بمثابة نافذة تبث إلينا عبر شاشاتنا الصغيرة العديد من الكوارث وأخبار الحروب حول العالم، حيث يشعر الشخص في هذه اللحظة أنه في معزل عن جميع الأحداث المرعبة التي تدور من حوله، إذ إن جلوسه على أريكته مستريحا ومشاهدته هذه الأخبار السلبية أشبه بمهدئ ليلي يبعث السكينة في نفسه، بل ويرسل بعض الإشارات إلى عقله، ليخبره أنه يستطيع أن ينعم بنوم هادئ هذه الليلة رغم جميع الأمور المروعة التي يشهدها العالم.
اضطراب نفسي
بينما رجحت “باميلا روتليدج” مديرة مركز أبحاث علم النفس الإعلامي في ولاية كاليفورنيا، أن الشخص الذي ينغمس في البحث عن الأخبار السلبية، ومتابعتها عبر التلفاز وجميع وسائل التواصل الاجتماعي، ما هو إلا شخص مضطرب نفسيا، خائف، يبحث بين ثنايا صفحات مواقع التواصل في محاولة للحصول على إجابات، لتلك الأسئلة المُلِحة التي تطرح نفسها عليه وتشغل عقله، وتكون هذه الأسئلة إما عن طرق الوقاية من كورونا وبعض الأمراض الأخرى المنتشرة، أو كيفية الحفاظ على السلامة أثناء التواجد خارج المنزل، والإرشادات التي يجب اتباعها.
كما ذكرت روتليدج أن هذا الأمر فطري، وأننا كبشر مدفوعون لاإراديا، للتركيز على الأخبار السلبية أكثر من الإيجابية، ويعود هذا الأمر إلى تركيبتنا البيولوجية، حيث يعتقد الكثير منا أن معرفة تطورات السلبيات بشكل دوري، قد تساعدنا وتجعلنا قادرين على حماية أنفسنا وأسرنا بشكل افضل.
بادر بعلاج إدمانك
وبالرغم من أنه اعتقاد منطقي، إلا أن غالبية الأشخاص يتصاعد الشعور لديهم، فلا ينحصر في كونه بحثا عن الأمان والقدرة على الحماية، أو معرفة معلومات قيمة وهامة بالنسبة لهم، بل يتحول إلى حالة من الإدمان مماثلة لحالة إدمان الأجهزة الإلكترونية، وغيرها من العادات التي تؤثر على صحة الجسد والعقل والتي تحتاج إلى علاج فعال للتخلص منها، وأولى خطوات العلاج هي أن يتكون لدى الشخص وعي تام بطبيعة هذه العادة، الأمر الذي يمثل بداية الطريق للإقلاع عنها.
ثم اتباع بعض الخطوات الهامة، التي تساعد على التقليل من هذه العادة حتى تختفي تماما، مثل تقليص عدد ساعات الجلوس أمام البرامج التلفزيونية التي تبث الجرائم والكوارث، كذلك الاستعانة بأحد أفراد الأسرة في المساعدة على الحد من الإمساك بالهاتف والبحث بين وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة استبدال هذا الأمر بممارسة أحد الأنشطة أو الرياضات كالمشي ساعة يوميا، مما يساعد على تنشيط عضلة القلب والجسم بشكل عام والحد من التوتر والاكتئاب المسيطر عليه.
وأخيرا يجب أن يسعى الفرد إلى أن يحاط بالأصدقاء المقبلين على الحياة، الذين يدعون دوما إلى التفاؤل ويدفعون الشخص إلى مشاهدة الأخبار وجميع الجوانب الإيجابية من حوله، الأمر الذي سيبعده تدريجيا عن الأخبار السلبية وما يتعلق بها.