يختلط الأمر على الكثير من البشر عند مساواة الشخصية الاكتئابية بمرض الاكتئاب، في حين أن الاختلاف بينهما ضخم جدًا، حيث إن الاكتئاب هو مجموعة من الأعراض تظهر على الشخص لمدة قصيرة، والأهم أن هذه الأعراض تعيقه عن القيام بممارساته اليومية بشكل عادي.
ما هي الشخصية الاكتئابية؟
الشخصية الاكتئابية عبارة عن اضطراب نفسي يضرب الشخصية بمرحلة البلوغ عادةً، ويتميز صاحبه بالتشاؤم والسوداوية واللامبالاة، فيظل منغلقًا على ذاته، يعاني من الحساسية الشديدة والعُزلة، وتتكون لديه نظرية دونية عن نفسه وقدراته، ويعتقد أن هولاء طبقًا لهذه المواصفات هم الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بجميع أنواعه.
ما هو الفارق بين الاكتئاب والشخصية الاكتئابية؟
على عكس الشائع لا يعتبر اضطراب الشخصية الاكتئابية متطابقًا بشكل كامل مع مرض الاكتئاب من حيث التشخيص، لأنه حتى يتم تشخيص المصاب بأنه مريض بالاكتئاب، لا بُد وأن يظهر بعضًا من الأعراض التالية:
- اضطرابات في تناول الطعام، زيادةً أو نقصانًا.
- اضطرابات في النوم.
- تغيرات ملحوظة في الوزن.
- بعض المشاكل الجسدية مثل آلام البطن والظهر.
- التقلب المزاجي الحاد.
- فقدان الرغبة في الحياة العملية.
- عدم القدرة على الاستمتاع بلحظات السعادة.
ومن هذا المنطلق يمكننا التفرقة بين الاكتئاب واضطراب الشخصية الاكتئابية، فسلوكيات صاحب الاضطراب لا تعيقه عن ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي، حتى وإن تطابقت الأعراض التي يعاني منها مع أعراض مريض الاكتئاب.
صفات الشخصية الاكتئابية
ومن أجل توضيح الصورة كاملةً وضع علماء النفس قائمة من الصفات التي إذا ما توافرت عند شخص ما، يمكن وقتئذٍ تشخيص حالته بأنه مصاب بذلك الاضطراب، وتدور أغلب الصفات حول مفهوم رؤية الإنسان لحجم قدراته وما يمكن له أن يحقق بالمستقبل.
وكانت أبرز الصفات عبارة عن:
النقد الذاتي الشديد
تشعر هذه الشخصية بشكل متواصل أنها أقل من الجميع، وتداوم على جلد ذاتها، والتقليل من إنجازاتها وقدراتها، بسبب أن أكثر ما يشغلها هو التركيز الشديد على مواطن ضعفها، والمواقف التي أنهتها بالفشل، وغض الطرف عن أية نجاحات قد حققتها بالفعل، لذلك يعيش صاحب هذه الشخصية في حلقة مفرغة من اللوم الذاتي اللامنطقي أحيانًا.
التردد
يعاني أصحاب هذه الشخصية من صعوبات حقيقية في اتخاذ القرارات بسبب انعدام الثقة بالنفس، كما أن توقّع الفشل مسبقًا يثقل كاهلهم بالكثير من الأفكار السلبية بشأن المستقبل، وكنتيجة لذلك؛ من الممكن جدًا أن تشوّش قراراتهم وتؤول بنهاية المطاف إلى فشل فعلي.
النسيان ومشاكل التركيز
يعاني أصحاب هذه الشخصية من انعدام التركيز ونسيان التفاصيل الهامة، وذلك يرجع لأنهم اعتادوا القيام بالأمور بدافع الواجب وحسب، دون إتقان أي عمل يدخلون فيه، نظرًا لتركيزهم الشديد على الجوانب السلبية بأي موقف، والتفكير المطوَّل في توابعها من فشل وإحباط.
الحزن الدائم
تتبنى هذه الشخصية نظرة سوداوية للحياة، حيث لا تقدر على الاستمتاع بأي إنجاز، ويكون تعبيرها عن السعادة مشوشًا، منقوصًا من مشاعر الفرح الحقيقية، لأنها ترى الحياة من منظور ضيق للغاية، وهو منظور السلبية والتذمر وعدم الرضا عن النفس.
المزاج السيئ
تمتلك الشخصية الاكتئابية مزاجًا سيئًا على الدوام، وذلك بسبب انشغالها بمشاعر عدم الاستحقاق ومقارنة المجهود الذي بذلته بالناتج الذي توصلت إليه، ومن هنا تبدأ في تبني الشعور بالضيق، ما ينعكس على المزاج العام لها، بظهور علامات مستمرة من الضيق وعدم الرضا عن الواقع الذي تعيشه.
العوامل المتسببة في تكوّن الشخصية الاكتئابية
لم يتوصل علماء النفس حتى اللحظة إلى الأسباب الحقيقية خلف الإصابة باضطراب الشخصية الاكتئابية، لكن تباينت التوقعات حول العوامل التي يمكن لها أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الإصابة، واختصرت قائمة الاحتمالات في 3 أسباب رئيسية، وهي:
العامل الوراثي: يعتقد أن العائلات التي تمتلك تاريخًا من الإصابة باضطرابات الاكتئاب يكون أبنائها أكثر عرضة للإصابة أيضًا.
العامل البيولوجي: رجح بعض علماء الأعصاب أن هنالك مؤشرات توضح أن الخلل بالموصلات العصبية التي تعمل بالمخ من الممكن أن تؤدي إلى حدوث هذا الاضطراب النفسي.
العامل الاجتماعي: تشير بعض الدلائل إلى أن أحد أسباب الإصابة أيضًا هي تعرض الشخص بسن مبكر لبعض الصدمات النفسية التي لم يتمكن من تخطيها، مثل اختباره لفقدان شخص عزيز، أو قسوة الأبوين في التربية.
اضطراب التفكير: تزداد احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب الشخصي للأناس الذين يميلون لتبني نمط التفكير السلبي كأسلوب للحياة.
كيفية التعامل مع الشخصية الاكتئابية
الخطوة الأولى لفهم طريقة التعامل مع الشخصية الاكتئابية هي تمام التأكُّد من أنه لا يتبنى هذه السلوكيات من أجل تكدير عيش المحيطين به، لكن لأنه يعاني من خلل سلوكي نتج عن أحد الأسباب أعلاه، بالتالي فهو لا يعرف سوى نهج التشاؤم لينتهجه، والحل يبدأ بمحاولة تعزيز الأفكار الإيجابية بداخله عن طريق الخطوات التالية.
توسيع الرؤية
يتمتع صاحب الشخصية الاكتئابية بأفق ضيق، يجعله يرى الأمور من بعد واحد، بالتالي يجب أن يتفهم أن لكل مشكلة أكثر من حل، وتذكيره بالمواقف المشابهة التي اتسعت بها رؤيته وحقق نجاحًا، عندئذ قد تتعزز ثقته بنفسه، ويستطيع اتخاذ قرارات صائبة بأوقات مثالية.
استنباط الدروس المستفادة
لربما إحدى مشكلات هذه الشخصية تكمن في عدم قدرتها على استنتاج الدرس المستفاد من أي موقف تتعرض له، ولهذا يجب على من يتعامل معها بشكل دوري توضيح الجوانب الإيجابية لكل موقف عند الانتهاء منه، حتى يستطيع بالمرات المقبلة تحليل المواقف بشكل أكثر عمقًا.
تقبل النفس
يجب أحيانًا إقناع المصاب بهذا الاضطراب بأنه ليس سببًا في الفشل، فمن الممكن أن تقوم بكل ما تستطيع وتفشل، لأن هذه هي سنة الحياة، آنذاك قد يقتنع بالتركيز على قدراته وتطويرها عوضًا عن تبني مشاعر اليأس والضيق.
علاج الشخصية الاكتئابية
يرجح أن الشخصية الاكتئابية يمكن أن تصنف كمرض مزمن، يعيش مع المريض طيلة حياته، لكن أحيانًا تنجح بعض الطرق العلاجية في الحد من مشاعر الاكتئاب واليأس التي يعاني منها المصاب، لكن حتى يتحقق ذلك، لا بُد وأن يقتنع الشخص أولًا بأنه يعاني من خلل ما، حيث ينكر عادة ذلك، من ثم يبدأ دور الطبيب النفسي الذي ينتهج إحدى الطريقتين التاليتين.
العلاج النفسي
يتمثّل العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الاكتئابية فيما يعرف بالعلاج السلوكي المعرفي الذي يحاول من خلاله الطبيب النفسي المصاب تفهُّم إصابته بشكل أكثر عمقًا ودراسة الأسباب الحقيقية التي تجعله يتبنى سلوكيات سلبية، كما يشرح له تأثير هذا السلوكيات على من حوله من البشر.
في كثير الأحيان أثبت العلاج السلوكي المعرفي قدرته على تقليل وطأة الأعراض التي تظهر على المصاب، حيث إن صاحب هذه الشخصية يمتلك وعيًا حقيقيًا بالعالم من حوله على عكس مصابي الاضطرابات الأخرى.
العلاج بالدواء
بجانب العلاج السلوكي المعرفي، عادة يصف الطبيب النفسي بعض العقاقير الدوائية للمريض من أجل الحد من أعراض الاكتئاب والقلق التي يعاني منها بصفة مستمرة.
نهاية؛ وبالنظر إلى كل ما تم سرده أعلاه، ربما يكون الحل لعلاج اضطراب الشخصية الاكتئابية هو التخلُّص من أعباء قيود السلبية التي تكبل يديه، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق اعترافه بالخلل أولًا، ثم مساعدة المحيطين به له على تخطي هذه المشاعر واستبدالها بأخرى إيجابية.