قد تفاجأ بأن جارك يراقبك طوال الوقت، يتتبع تحركاتك بريبة وتوتر، تجده قلقا باستمرار، ودائمًا ما يساوره الشك بأنك تريد إيذاءه، ربما تعتقد أنه فضولي، ولكن الحقيقة أنه مصاب بما يسمى اضطراب الشخصية الشكاكة، تعرف معنا على المزيد عن تلك الشخصية.
اضطراب الشخصية الشكاكة
يعد هذا الاضطراب من أكثر الاضطرابات خطورة، إذ يتحول الشخص المصاب به من شخص طبيعي، إلى شخص آخر سلوكه فظ، دائم الشك والريبة في جميع من حوله، يتوقع الأذى باستمرار، مما يؤدي بالتبعية إلى عدم ثقته في الآخرين، إذ توسوس له نفسه وتجعله يراهم بصورة سيئة، وهو ما يجعله أيضًا سريع الغضب، يمتلك ردود أفعال عنيفة تجاه الآخرين، حتى وإن لم يتعرض له أحد.
يمكن تعريف اضطراب الشخصية الشكاكة أيضًا، بأنه الاضطراب الذي يجعل الشخص يسيء تفسير وفهم أفعال من حوله، كذلك يجعل لديه اعتقادا دائما بأنه محط أنظار للجميع، وأنهم يتعمدون توجيه الإهانة له والتقليل من شأنه، وقد أجريت العديد من الدراسات حول هذا الاضطراب.
أوضحت الدراسات أنه أكثر شيوعًا لدى الرجال مقارنة بالنساء، بالإضافة إلى ترجيح ظهوره غالبًا في مرحلة المراهقة والبلوغ، مما يجعل الشخص المصاب يعاني في هذه الفترة، إذ يستطيع الاعتراف بمشاعره السلبية تجاه الآخرين، ولكنه يفقد ثقته فيهم تمامًا حتى إذا أثبتوا أنهم جديرون بالثقة، وينتابه هذا الشعور غالبًا كنتيجة لخوفه وقلقه المستمر، من فكرة الاستغلال أو التعرض للخيانة، مما يجعله يسيء فهم تعليقات أو بعض سلوكيات المحيطين به، بل ويعيش في سلسلة من المخاوف والتهيؤات التي ليس لها أساس من الصحة.
أسباب حدوث اضطراب الشخصية الشكاكة
رجح الأطباء أن الوراثة تلعب دورًا كبيرا في الإصابة بهذا الاضطراب، إذ وجدوا أن الإصابات أكثر شيوعًا بين العائلات التي لها تاريخ مرضي، من الاضطرابات النفسية مثل الفصام أو الاضطراب الوهمي، مما يزيد احتمالية أن الجينات الوراثية هي السبب الرئيسي.
كما يرجح الأطباء أيضًا أن هناك بعض الأسباب المتعلقة بالتجارب السلبية، والتي تعود إلى فترة الطفولة، إذ يمكن أن يكون الشخص قد تعرض للتفكك الأسري، أو عانى من بعض ردود الأفعال القاسية من الوالدين، والتي كانت في أوقات لا تستدعي الغضب، مما يؤدي إلى خلق حالة من القلق وعدم الشعور بالأمان لدى الطفل، تستمر وتنمو معه حتى فترة بلوغه، لتبدأ بعد ذلك بالظهور تدريجيا في تصرفاته وأفعاله.
صفات الشخص الشكاك
يعرف الشخص الشكاك بعدة صفات، تجعل تمييزه بين الكثير من الأشخاص أمرًا سهلًا، ومن أبرز هذه الصفات:
دائم الشك والارتياب
من أولى الصفات التي يعرف بها من يعانون من اضطراب الشخصية الشكاكة؛ كثرة الشك في جميع من حوله، فغالبًا ما يقضي معظم وقته في تحليل تصرفات وتعليقات الآخرين؛ نظرًا لاشتباهه بها وشعوره بالارتياب حيالها، وهو ما يجعل الكثيرون ينفرون منه، إذ لا يحتملون نظرات الشك الموجهة إليهم طوال الوقت.
الارتباك والتوتر
إذا كنت تمتلك صديقًا شكاكًا، فستلاحظ عليه دائمًا ملامح القلق والتوتر التي يحبس نفسه بداخلها، حتى وإن لم يكن هناك ما يستدعي هذا القلق، إذ يخلق لنفسه دائرة من الأسباب والمواقف وردود أفعال من حوله، والتي ليس لها أساس من الصحة، والتي تكون كفيلة أيضًا بإبقائه في حالة من عدم الشعور بالأمان، والقلق والارتباك طوال الوقت.
الخوف من الاستغلال
من أبرز صفات الشخص الشكاك، والتي تعد من عيوبه أيضًا، اعتقاده التام بأنه دائمًا محط استغلال من قبل الجميع، وهو ما يتسبب في الضيق والحرج للكثيرين، ويجعلهم غير راغبين في التعامل معه.
غير متعاون
يعاني الشخص الشكاك من عدم قدرته على التعاون، وهو الشيء الخارج عن إرادته، فنجده دومًا يتجنب أي مجال قد يضطر فيه للإدلاء بمساعدته، أو تقديم خدمة لشخص، خاصة إذا كان لا يعرفه معرفة جيدة.
معزول اجتماعيًا
يواجه الشخص الشكاك مشكلة في الاندماج مع المجتمع، حيث يميل إلى العزلة وتجنب القرب من الآخرين، سواء كان ذلك في محيط عمله أو جيرانه أو حتى مع أقاربه.
شخص عدواني
يعرف الفرد الشكاك أيضًا من طريقته في التعامل، أو ردود أفعاله تجاه بعض المواقف، فنجده يتعامل بعدوانية وتصدر عنه ردة فعل عنيفة، حتى وإن لم يستدع الأمر ذلك.
السعي للاكتفاء
يسعى دائمًا من يعاني اضطراب الشخصية الشكاكة إلى الاكتفاء الذاتي، ولا يحب طلب المساعدة من أحد، بل يفضل الاعتماد على نفسه في جميع أمور حياته، وجميع احتياجاته، حتى وإن شعر بالحاجة للمساعدة فإنه لن ينفك عن المحاولة مرات عديدة، قبل اللجوء إلى الغير.
مراقبة الآخرين
إن كنت تملك جارًا شكاكًا فكن حذرًا في تصرفاتك، لأنك ببساطة ستصبح مرصودا في جميع تحركاتك وأفعالك، فهو لن يتوقف عن مراقبتك وتتبع خطواتك، وترَقب مواعيد ذهابك وإيابك إلى المنزل، حتى وإن اضطره الأمر للإمساك بعدسة مكبرة أو منظار، ويعد هذا التصرف نتيجة طبيعية، لاعتقاده بأن الآخرين من حوله لديهم دوافع خفية لإيذائه أو الإيقاع به.
التشكيك في ولاء الآخرين
من صفاته أيضًا أنه يشكك في ولاء الآخرين له، ولديه شعور عارم تجاه الجميع بأنهم خائنون، ليس لديهم وفاء أو ولاء.
لا يتقبل النقد
لا يتقبل الشخص الشكاك النقد إطلاقًا، بل دائمًا يلجأ إلى الدفاع عن عيوبه، ولا يعترف بها، حتى وإن تم انتقاد هذا العيب من قبل عدة أشخاص مختلفين.
سريع الغضب
يغضب الشخص الشكاك ويثور سريعًا، عند تعرضه لأي موقف قد يثير حنقه، فهو شخصية سريعة الاستفزاز، يمكن لأي تصرف أو موقف بسيط أن يثير غضبه، ويخرجه عن شعوره، مما يؤثر على تصرفاته وردود أفعاله.
كثير الجدل
يتبع الشخص الشكاك منهج الجدال الدائم، والدفاع عن النفس بقوة، فهو لا يتقبل فكرة أن يحاوره أحد في الصواب والخطأ، ويرفض أن يفرض عليه أي شخص آخر رأيه، أو يشعره بأنه مخطئ في أفكاره ومعتقداته، هنا تجده يقف بكل قوته، ليجادل جميع من يعترضه مدافعًا عن نفسه بحدة.
صعوبة الاسترخاء
نظرًا للصفات التي ذكرناها فيما يخص اضطراب الشخصية الشكاكة، فإن الشخص الشكاك يعاني دائمًا من صعوبة الاسترخاء والشعور بالراحة، حتى إذا كان يومه طويلا ومليئا بالمجهود الشاق، فإنه لا يستطيع أن يخلد إلى النوم بسهولة، بل يظل عقله متيقظًا يفكر، ليحلل جميع أحداث اليوم التي مر بها، في محيط عمله أو سكنه، وهو ما يجعله يعاني من التعب والإرهاق باستمرار.
طرق تشخيص اضطراب الشخصية الشكاكة
يقوم الطبيب النفسي بتشخيص هذا النوع من الاضطرابات، بعد القيام بعدة تقييمات للأعراض التي يعاني منها الشخص، وتاريخ الإصابة بهذه الأعراض، بالإضافة إلى بعض الاستفسارات الشخصية حول فترة الطفولة للشخص المصاب، كذلك دراسته وعمله.
كما يُجري فحصًا كاملًا للجسد، وإجراء بعض المواقف والأحداث التمثيلية، ليجبر المريض على تقمص الحالة، مما يتيح له تقييم رد فعله تجاه مواقف معينة، ثم وضع خطة العلاج المناسبة بعد ذلك.
علاج اضطراب الشخصية الشكاكة
في كثيرٍ من الأحيان لا يؤمن الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الشكاكة بأنهم مرضى، أو يمتلكون سلوكًا غير طبيعي، وتصرفات غير منطقية، بل يظنون دائمًا أنهم على حق وصواب، مما يجعلهم يرفضون الذهاب للطبيب النفسي، واستخدام الدواء العلاجي المناسب، وهو ما يزيد حالتهم سوءًا، لذا من الضروري جدًا محاولة إقناعهم بالذهاب لتلقي العلاج الدوائي أولًا.
العلاج الدوائي
لا يفضل الأطباء عادة وصف الأدوية للشخصيات الشكاكة، إذ يمكن أن تضاعف أعراض الشك لدى المريض، وتُعيده إلى نقطة الصفر حيث يرفض العلاج مرة أخرى، ورغم ذلك قد يضطر الطبيب إلى وصف بعض الأدوية المهدئة، ومضادات للقلق والأفكار الوهمية التي قد تؤذي المريض أو تجعله يؤذي غيره.
العلاج النفسي
من الضروري أيضًا أن يبادر المحيطون بهم لمحاولة علاجهم نفسيًا، حتى وإن كان ذلك بطريق غير مباشر، وهو ما يتم عن طريق التركيز على صفاتهم والأعراض التي يعانون منها، ومحاولة التأقلم معها، حتى يتم تحسين علاقاتهم الاجتماعية تدريجيًا، كذلك محاولة بناء روابط واتباع طرق عديدة تمنحهم الثقة في الآخرين.
بالإضافة إلى توفير مناخ هادئ خالٍ من التوتر والقلق، إذ أكدت دراسات علمية أن الاكتئاب والقلق يؤثران بشكل كبير على مزاج الشخص، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى الإصابة بالعديد من الاضطرابات، أو زيادة أعراضها إذا كانت متواجدة بالفعل.
كيفية التعامل مع الشخصيات الشكاكة
إذا كان أحد أفراد أسرتك شخصية شكاكة، فعليك معرفة أهم القواعد والأساليب، التي تساعدك لتسهيل التعامل والتواصل معه:
كن صريحًا
حاول أن تكون صريحًا في أقوالك وأفعالك، بالقدر الذي يجعله يكون صورة ذهنية جيدة عنك، حاول أيضًا ألّا تكذب عليه أو تخونه، الأمر الذي سيجبره على الوثوق بك، إذ لا يثق الشخص الشكاك في أي شخص بسهولة، ولكنه إذا منحك الأمان والثقة سيُخرجك من دائرة شكوكه، وهو ما يساعد في الحد من الكثير من الشك والأعراض الأخرى.
عامله باحترام
يعد الاحترام من أهم الطرق الفعالة، لضمان علاقة مريحة خالية من التوتر والقلق والشك، إذ من الممكن أن يكون الشخص المريض بـ اضطراب الشخصية الشكاكة قد عانى في طفولته، من التعامل بإهانة وقسوة، لذا من الضروري جدًا أن تبتعد عن إهانته، وأن تظهر احترامك له قدر الإمكان، مما يساعده نفسيًا في التخلص من بعض عقد الطفولة، والتي تساعده بالتبعية في التخلص من أعراض الشك.
تجنب مجادلته
لا ينصح أبدًا بمجادلة الشخص الشكاك، إذ يحاول دائمًا الدفاع عن نفسه وعن أخطائه بشتى الطرق، مما يؤدي إلى غلق باب النقاش بينكما، لذا حاول اتباع أسلوب الحوار الهادئ، وتجنب الجدال الذي لن يجدي نفعًا، بل سيزيد من الفجوة بينكما وربما يخلق لديه شعور عارم بأنك تريد إيذاءه.