الأحنف بن قيس أحد الحكماء ودهاة العرب العقلاء وهو تابعيي، والأحنف لقب له لوجود حنف (اعوجاج في القدمين)، أدرك النبي صلي الله عليه وسلم ودعا له، قيل إن قبيلة تميم التي ينتمي إليها الأحنف بن قيس قد اعتنقت الإسلام متأثرة بإسلامه، عُرف عنه حسن العقل والرأي والدين، وعلى الرغم من معاناته من مشاكل صحية بقدمه، فقد كان قائدًا ومجاهدًا عظيما.
اسمه ونسبه
هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة التميمي، وأمه حبة بنت عمرو بن قرط الباهلية كان أخوها الأخطل بن قرط من فرسان العرب وشجعانهم، وقد كان الأحنف يقول مفاخرًا بخاله: (ومن له خال مثل خالي) يكنى الأحنف بأبي بحر، والضاحك، وقيل اسمه صخر ولد سنة 3 ق ه – 619 م، توفي 72 هـ / – 691 م)، ينتسب إلى مرة بن عبيد من بطون تميم، وكانت مرة تفتخر بأن الأحنف منها.
من الأرجح أن الأحنف فقد أباه في سن باكرة، إذ قتله بنو مازن في زمن الجاهلية، وقيل :إنه ولد مشوهًا وإنه أجريت له جراحة لكنه ظل يعاني بإعاقة في قدميه، وكان طفلا ضعيف البنية.
ولقد أسلم قومه بإشارته فقد بعث النبي صلى الله على وسلم رجلًا من بني ليث إلى بنى سعد رهط الأحنف، يعرض عليهم الإسلام، فقال الأحنف لقومه: إنه يدعو إلى خير ويأمر بخير، ثم قال لهم: لأنه ليدعوكم إلى الإسلام وإلى مكارم الخلاق وينهاكم عن ملائمها، فأسلم الأحنف ومعه قومه فبلغ ذلك النبي صلى الله على وسلم، فقال اللهم اغفر للأحنف، فبلغ ذلك للأحنف فكان أسعد الناس.
وفد الأحنف بن قيس هو وقبيلته لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه قرب وصوله للمدينة انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى، وفي فترة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفد عليه، فقال رجل من المهاجرين يا أمير المؤمنين إن هذا الرجل (يقصد الأحنف) هو الذي كف عنا بني مرة حين بعثنا رسول الله في صدقاتهم، وقد هموا بنا.
صفات الأحنف بن قيس
- عُرف عن الأحنف أنه راجح العقل، ومما يدل على رجاحة عقله أنه دخل يومًا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فأشار إلى الوسادة وطلب منه الجلوس فجلس الأحنف على الأرض فتعجب معاوية وسأله: وما منعك من الجلوس على الوسادة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن فيما أوصى به قيس بن عاصم المنقرى ولده أن قال: لا تغش السلطان حتى يملك، ولا تقطعه حتى ينساك ولا تجلس له على فراش ولا وسادة، واجعل بينك وبينه مجلس رجل أو رجلين، فإنه عسى أن يأتي من هو أولى بذلك المجلس منك، فتقوم له فيكون قيامك زيادة له ونقصًا عليك، فقال معاوية: لقد أوتيت تميم الحكمة مع رقة حواشي الكلام. (سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي)
- كان الأحنف عالمًا ثقة مأمونًا قليل الحديث، وقد روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهم وروى عن الحسن البصري وعروة بن الزبير وغيرهما، وكان من الفقهاء البارزين في أيام معاوية.
- كان الأحنف ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد سئل عن المروءة فقال: أدب بارع ولسان قاطع والعفة في الدين، والصبر على النوائب وبر الوالدين والحلم عند الغضب والعفو عند المقدرة.
- وكان فصحيًا مفوهًا خطب مرة فقال: لا تزال العرب عربًا ما لبست العمائم، وتقلدت السيوف ولم تعد الحكمة ذلًا ولا التواهب فيما بينها ضيعة.
- كان من دهاة العرب وقد قال لعلي بن أبي طالب في التحكيم بينه وبين معاوية: يا أمير المؤمنين إن أبا موسى الأشعري رجل يماني وقومه مع معاوية فابعثني معه، فو الله لا يحل لك عقدة إلا عقدت لك أشد منها، فإن قلت إني لست من أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم، فابعث ابن عباس وابعثني معه.
- قال عنه الحسن البصري: الأحنف أمين نزيه شديد التأني لا يقدم على عمل إلا بعد دراسته من جميع الجوانب، كما كان ورعا قوي الإيمان صادق القول لا يخاف في الله لومة لائم.(مشاهير الفاتحين، هلا حسن،ص9)
- وصفه الفاروق عمر بن الخطاب فقال: هذا والله السيد، هذا والله السيد.
موقف الأحنف من الردة
ثبت الأحنف بن قيس على إسلامه حين ارتد بعض الناس بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله على وسلم، وقد أتى إلى عمه المتشمس بن معاوية مسيلمة الكذاب وسمع منه، فلما خرج قال الأحنف أراه كذابًا، وكان لصموده على الإسلام تأثير كبير على صمود بني تميم.
الأحنف قائد عسكري
رغم إعاقة الأحنف بن قيس إلا أنه كان له شأن كبير في الجهاد، فكان يبذل قصارى جهده في إعداد خططه العسكرية وإعطاء القرارات الصحيحة وكان يستشير رجاله، ويأخذ بالرأي السديد كان يتجول بين رجاله والجنود يسمع منهم فإذا وجد رأيًا سديدًا يسارع إلى العمل به، كان يقاتل ويجاهد بعقله وسيفه.
اشترك تحت قيادة أبو موسى الأشعري في فتح بلاد فارس في عامي 23 هـ – 644 م وفتح قاشان وأصفهان.
عهد إليه عبدالله بن عامر بقيادة الجيش في فتح خرسان عام 30 هـ، ثم مرو، وسمي حصن بالقرب مرو (قصر الأحنف) تمجيدًا له، ثم فتح الروذ وبلخ وغيرها، وتوغل بجنوده حتي سهول طخارستان.
الأحنف بن قيس واليًا
شغل الأحنف مدة من الزمن منصب الوالي لناحية من خراسان لفترة قصيرة، ثم عاد إلى البصرة حيث قرر اعتزال العمل السياسي بعد موقفه الحيادي في موقعة الجمل التي دارت سنة 36 هـ – 656 م بين أنصار السيدة عائشة وأنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ومن يومها ترك السياسة وقرر المكوث بين أهله.
أشهر مقولات الأحنف
كان الناس يتعجبون من حلمه فكان يرد عليهم ويقول: والله إني لأجد ما تجدون، ولكني صبور.
وقال: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال، وكان يوصي قومه فيقول: أحيِ معروفك بإماتة ذكره.
وقال: عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟
وسؤل كيف أصبحت سيد بني تميم فقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أُدعى، ولا دخلت بين اثنين إلا أن يدخلاني بينهما، ثم قال: وبتركي ما لا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك.
وأغلظ له رجل في الكلام وقال: والله يا أحنف لئن قلت لي واحدة لتسمعن بدلها عشرا، فقال له: إنك إن قلت لي عشرا لا تسمع مني واحدة.
وكان يقول في دعائه: اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك. (البداية والنهاية، ابن كثير ج8)
الأحنف والدولة الأموية
عرف الأمويون قيمة وخطر هذا الرجل ومدى تأثيره على قبيلته، فدعاه معاوية إلى دمشق هو ومجموعة من الرجال البارزين في العراق، ليحملهم على البيعة لابنه يزيد من بعده، فقال الأحنف قوله المأثور: “أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت” فعبر عن نفوره من البيعة بكلمات صريحة ووقورة.
كيف حل فتنة البصرة
نشبت فتنة كبيرة في البصرة، ووكل والي العراق أمر البصرة لرجل من بني أزد اسمه مسعود بن عمرو، وسرعان ما قتل مسعود وهنا حدثت الفتنة فقد تحالف بني أزد مع قبيلة بكر ضد بني تميم، ونصح الأحنف قومه بالتريث والاعتدال، ولكن الأمر ازداد توترًا، فقرر الأحنف عرض مصالحة بين القبائل وتبرع من ماله بدفع الفدية.
وفاة الأحنف
توفي الأحنف بالكوفة عن عمر تجاوز السبعين عاما، وصلى عليه مصعب بن الزبير، وخرجت تميم عن بكرة أبيها تودع حكيمها.
انقطع نسل الأحنف، ولكن تميم ظلت تحيي ذكراه، باعتباره أباهم وزعيمهم الذي ظل حلمه مضرب أمثال العرب.