يربط الكثير منا بين عدم القدرة على كبح الشهية وضعف الإرادة، إلا أن الرغبة المفرطة في تناول الطعام هي أحد أعراض الإدمان الغذائي، نعم “إدمان” يشبه في طريقة عمله على الجسم وأعراضه، تلك الموجودة عند إدمان المواد المخدرة أو الكحوليات، وبالرغم من أن مصطلح “الإدمان الغذائي” ما زال يثير الجدل، إلا أنه حظي باعتراف طبي من قبل اختصاصيي التغذية والإرشاد السلوكي، وذلك بعد التأكد من تأثيره على مراكز المتعة بالدماغ.
ما المقصود بالإدمان الغذائي؟
هو نوع من الإدمان السلوكي، يعرف بـ “الشره المرضي العصبي” يتسم بنوبات من اضطرابات تناول الطعام بشراهة، يتبعها بنسبة 75% عملية تفريغ أو تطهير “التقيؤ الذاتي”، حيث إن الأشخاص الذين يعانون هذا المرض، يرتبط لديهم نظام المكافأة بالدماغ بتناول كميات كبيرة من الطعام اللذيذ، لا سيما الوجبات السريعة أو التي تحتوي الدهون أو السكريات بقدر عالٍ.
حيث تحفز تلك الأطعمة إنتاج مادة كيميائية بالدماغ تعرف بـ “الدوبامين”، وهي المسؤولة عن الشعور بالراحة والسعادة، جدير بالذكر أنها نفس المادة المفرزة عند الإدمان على العقاقير المخدرة كالهيروين والكوكايين، ما يعني أن التوقف عن تناول الطعام هنا ليس بالأمر اليسير، بل إنه يكبد المريض مشقة مضاعفة، قد يؤدي الإخفاق فيها إلى عدم احترام الذات والدخول في نوبة اكتئاب.
إن زيادة مادة الدوبامين المفرزة عند تناول الطعام بنهم، والتي تأخذ مسار المكافأة بالدماغ تلغي الإشارات العصبية الخاصة بالشبع أو الرضا، وهذا ما يفسر الاستمرار في تناول الطعام مع عدم الشعور بالجوع، حيث إن الأشخاص الذين يعانون أعراض الإدمان الغذائي، يقضون معظم الوقت إما في تناول الطعام أو التفكير في الآثار العاطفية لتناول الطعام.
أعراض الإدمان الغذائي
إذا كنت تعتقد أن السمنة هي العرض الأساسي للإدمان الغذائي، وأنه لا داعي للقلق إذا لم يكن هناك زيادة في الوزن ناتجة عن تناول الطعام القهري، فأنت مخطئ، ذلك أن نسبة لا بأس بها قد تعاني أعراض الإدمان الغذائي دون وجود زيادة في الوزن، حيث إن البعض قد يتبع نظاما رياضيا محترفا يقضي على السعرات المكتسبة، كما أن بعض الأجساد تكون مبرمجة وراثيا للتعامل مع السعرات الحرارية، أما عن أعراض الإدمان الغذائي التي لا يمكن إغفالها فهي كالتالي:
الرغبة الملحة في تناول الطعام دون الشعور بالجوع
إن الرغبة في تناول الطعام عند الشعور بالجوع أو الاحتياج للطاقة ونقص المغذيات في الجسم، هو أمر طبيعي لدى الجميع، إلا إنه عندما لا تقترن هذه الرغبة بالجوع بحيث ينتهي الشخص من تناول وجبة شهية ودسمة، ثم يبحث عن غيرها ولا يستطيع السيطرة على هذه الرغبة أو التخلص منها، هنا يحتاج الأمر إلى وقفة متفحصة حول مدى التكرار وكيفية التعامل معها.
تناول كميات كبيرة دون وعي
الاعتدال في تناول الطعام لدى من يعانون “الإدمان الغذائي” غير موجود بالقاموس، حيث إن نهج الكل أو لا شيء هو السائد لديهم، فإذا كانت الأمور تبدأ لديك بتناول شريحة خبز أو قطعة كعك، وتنتهي بانتهاء كامل الكمية وتناول الكعكة بنهم دون حافز جوع حقيقي، فأعلم أن هناك مشكلة تخص شره الطعام.
التخمة
الأكل حتى الذروة والشعور بالامتلاء دون أن يعي الفرد ذلك، بحيث يسيطر عليه الشعور بالمتعة جراء انتقال مادة الدوبامين بالنواقل العصبية، فيتناول كميات كبيرة من الطعام بنهم، ليفيق على انتهاء الطعام والشعور بالامتلاء الكامل للأمعاء، ليصل الأمر في بعض الحالات إلى صعوبة الحراك بعد تناول الطعام.
الشعور بالذنب
هو أحد أعراض الإدمان الغذائي الشائعة، حيث إن الإفراط في تناول الطعام عادة ما يعقبه شعور بأنه ثمة خطأ ما قد اُرتكب، وأنه لا بد من التوقف عن هذا الفعل، ثم موجة جديدة من نهم الطعام وفقدان السيطرة على الذات، وهكذا تعاد الكارة مع شعور بالذنب والفشل يمتد إلى الاكتئاب وفقدان احترام النفس في أحيان كثيرة.
اختلاق الأعذار وكسر القواعد
الإدمان الغذائي هو مرض سلوكي وليس عضويا، وبالتالي فإن أغلب الأعراض تعتمد ملاحظة وجودها من عدمه على مدى صدق الشخص مع نفسه، حيث إن من يعاني شراهة الطعام سوف يضع الكثير من الخطط والقواعد للتوقف عن تناول الطعام بنهم، إلا أنه بمجرد نقص مستويات الدوبامين لديه، سوف يكسر هذه القواعد ويختلق الحجج والأعذار، كي يستطيع تلبية هذه الرغبة الملحة في تناول الطعام.
تخبئة الطعام
يعاني أصحاب شراهة الطعام من عدم القدرة على التوقف عن تناول الطعام، ما يفسد علاقتهم الاجتماعية ويجعلهم يلجؤون إلى تخبئة الطعام والوجبات السريعة وتناولها على انفراد، بعيدا عن انتقادات العائلة والأصدقاء الذين يعززون الشعور بالإخفاق لديهم.
ذلك بالإضافة إلى مجموعة من أعراض الإدمان الغذائي الثانوية، والمتمثلة فيما يلي:
- التخلص من الكبت العاطفي عن طريق تناول الطعام.
- عدم تمييز مكان وميعاد الأكل.
- الشراهة تجاه أنواع خاصة من الطعام، تحفز الشعور بالمتعة مثل: البيتزا، رقائق البطاطس، الحلويات والشكولاتة بأنواعها، المكرونة والخبز الأبيض والمشروبات الغازية.
- ضياع معظم الوقت إما في الأكل أو توقع المتعة الناتجة عن الأكل.
- ممارسة الرياضة بشكل قهري كنوع من عقاب الذات، أو التوقف التام عن تناول الطعام ثم العودة بشدة.
علاج الإدمان الغذائي
للتغلب على مشكلة إدمان الطعام يجب التخطيط الجيد، حيث قد تساعد بعض السلوكيات في تحفيز الرغبة للتخلي عن كل ما له علاقة بهذا الإدمان وتسهيل علاجه ومن هذه الخطوات ما يلي:
- يفضل عمل قائمة بالأطعمة التي تحفز الرغبة الشديدة وتثير الشراهة، حتى يتم تجنبها تمامًا.
- كذلك عمل قائمة بأماكن الوجبات السريعة، التي تفضل التردد عليها وقم بعمل حصر لجميع الأطعمة الصحية التي تقدمها فقط، وتفيد هذه الخطوة في منع الانتكاس عند الشعور بالجوع.
- قبل تناول أي طعام عليك التفكير في نوع الطعام الذي ستتناوله، ويفضل أن تكون الأطعمة الصحية التي تحبها والتي يتم تناولها بالفعل بانتظام.
- إذا كنت تتبع نظامًا غذائيًا فعليك التوقف فورًا عن فقدان الوزن لمدة لا تقل عن 1-3 أشهر، لأن التغلب على إدمان الطعام أمر غاية في الصعوبة، والرجيم قد يجعل الأمور أكثر صعوبة.
- بعد تجهيز هذه الخطوات التحضيرية، لا بد من تحديد موعد تبدأ التنفيذ فيه بشكل صارم، بحيث لا تطرق إلى تناول الأطعمة المسببة للإدمان مرة أخرى.
اختبار إدمان الطعام
لقد صمم أخصائيو العلاج النفسي والتغذية أحد الاختبارات البسيطة، للكشف عن مدى توافر أعراض الإدمان الغذائي لدى المريض، حيث إن كل ما يتطلبه الأمر هو الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي يطرحها عليك أخصائي تعديل السلوك، ولكن عليك أن تتحلى بالصدق مع النفس كي تحصل على نتائج صحيح لهذا الاختبار، أما عن فحوى هذه الأسئلة فهي كالتالي:
- هل تستمر في تناول الطعام غير الصحي والوجبات السريعة، مع عدم الشعور بالجوع؟
- هل تتعرض للشعور بالامتلاء وثقل البطن، نتيجة نهم الطعام مرات متقاربة؟
- هل تشعر بالقلق والتوتر عندما تفكر بعدم القدرة على تناول طعامك المفضل، لأي سبب ما؟
- هل تشعر بالندم بعد الإفراط في تناول الطعام، ولكنك لا تستطيع التوقف عن ذلك؟
- ما هي عدد المرات التي تشتري فيها وجبات جاهزة من الخارج؟
- ما عدد الوجبات الخفيفة التي تتناولها باليوم الواحد؟
- هل تختلق الأعذار والمبررات، كي تكسر قواعد نظامك الغذائي المتبع؟
- هل تعاني مشاكل صحية نتيجة عن الإفراط في تناول الطعام؟
- هل تفضل تناول الطعام في الخفاء، وعدم مشاركته مع أحدهم؟
- هل يرتبط تناول الطعام لديك وزيادة كميته بالحالة النفسية، سواء سعادة أو حزن؟
- هل الشعور بالشبع يوقفك عن تناول طعامك المفضل؟
وغيرها من الأسئلة التي يطرحها المختص، وتختلف من حالة إلى أخرى بحسب رؤيته المعتمدة على العلم والدراسة، ولكن بشكل عام إذا كانت إجابتك بنعم على نصف هذه الأسئلة أو أكثر، فعليك طلب المساعدة، حيث إن أعراض الإدمان الغذائي قد تبدو متداخلة بعض الشيء، إلا أن التعافي منه واتباع نمط غذائي متوازن وصحي، سوف ينعكس بالإيجاب على الجانب النفسي والصحي والاجتماعي للفرد.