بشكل عام، يوجد فرق واضح بين الاضطرابات العصابية والاضطرابات الذهانية، ويكمُن الفارق بين المصطلحين في وجود أو انعدام الأسباب النفسية، وراء الإصابة بأي من الاضطرابين، لهذا عُرفت هذه الأسباب في فترة الثمانينيات باسم «العصابات النفسية»؛ وهو مصطلح يستخدم في مجال التحليل النفسي، للتمييز ما بين الحالة النفسية والشذوذ النفسي.
تعريف الاضطرابات العصابية
تُعرف الاضطرابات العصابية «Neurotic Disorders» أيضًا باسم الاضطرابات الجماعية، وهي أحد أشكال الاضطرابات التي تسبب خللًا في الاستقرار العاطفي، وعجزًا في الأداء.
وقد تؤدي هذه الاضطرابات إلى إعاقة المصاب عن تأدية بعض مهام عمل أو مجال معين، أو حتى توتُّر علاقاته الاجتماعية والعاطفية، لكنها لا تُعتبر إعاقة كاملة، بحيث يمكن للمصاب إدراك محيطه بشكل جيد، على عكس الإضطرابات الذهانية «Psychotic disorders».
والجدير بالذكر؛ أن هذه الاضطرابات كان يُعتقد قديمًا أنها مرتبطة بالجهاز العصبي، إلا أن الدراسات المستحدثة أثبتت أن لها أسبابًا نفسية واضحة، مما جعلها تُعرف لاحقًا بأنها أحد أنماط الذهان السطحية أو الخفيفة.
أنواع الاضطرابات العصابية
تنقسم الاضطرابات العصابية لعدّة أقسام، بناءً على الأعراض التي يظهرها المريض، ويستخدم هذه التصنيف بشكل مبدئي للتأكُّد من أن المصاب يظهر أعراضًا لاضطراب عصابي وليس ذهانيًا، وفيما يلي أبرز أنواع هذه الاضطرابات.
اضطراب الوسواس القهري
يعد اضطراب الوسواس القهري أحد أنواع الاضطرابات العصابية الذي يتسم بعدم قدرة المصاب به على مقاومة الرغبة في القيام ببعض التصرفات بصفة متكررة، على الرغم من عدم وجوب القيام بها، ومن أنماط الوسواس القهري المتكررة؛ وسواس غسل اليدين بشكل متكرر، التأكُّد من إغلاق النوافذ والأبواب إضافة للعديد من مثل تلك السلوكيات القهرية.
الاضطرابات الجسدية
تعرف بعض حالات الخلل في وظائف الأعضاء الجسدية؛ مثل الشلل، العمى أو الصمم المؤقت، دون وجود سبب عضوي بأنها من مظاهر الاضطرابات العصابية الجسدية، وتصنّف مثل تلك الحالات ضمن الاضطرابات الهستيرية للأمراض العصابية، أي أنّها في الغالب اضطراب بالجهاز العصبي.
القلق العصابي
تتجلى حالات القلق العصابي في شكل نوبات حادة قصيرة نسبيًا من القلق، أو الرهاب بشكل عام، وينتج عن ذلك القلق عدد من الأعراض مثل فقدان الشهية واضطرابات النوم وأحيانًا انعدام التركيز.
اضطراب ما بعد الصدمة
يُعرف أيضًا بالعصاب القتالي، وهو عبارة عن حالة من الإجهاد المفرط وعدم القدرة على أداء المهام بعد تعرّض الشخص لحدث مؤلم أو صدمة نفسية حادة، ومن أعراض هذا الاضطراب الكوابيس والقلق والشعور بالذنب.
الاكتئاب العصابي
الاكتئاب العصابي هو أحد أنواع الاضطرابات العصابية، وهو عبارة عن نوبات اكتئاب خفيفة قصيرة المدى، وتشمل النوبات أعراضا مثل فقدان الشهية العصابي واضطراب النوم والشعور العام بالإرهاق.
أعراض الاضطرابات العصابية
يمكن تفسير الأعراض المرتبطة بالاضطرابات العصابية على أنها مشاكل مرتبطة بالحالة المزاجية والعاطفية للمصاب، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نستعرض بعض من أعراض هذه الاضطرابات.
- الاكتئاب: ويعرف في هذه الحالة بالاكتئاب العصابي، وهو حالة من الاكتئاب الخفيف المتبوعة بمشاعر الحزن واليأس.
- القلق: يمتلك المصاب بأي من أنواع الاضطراب العصابي حالة من القلق المستمر، التي يمكن أن تتطور للرهاب، وبعض الأعراض الجسدية مثل اضطراب النوم وفقدان الشهية.
- انعدام الثقة: حيث تسود المشاعر السلبية على المصاب، كما يتسم بضعف واضح في الشخصية.
- اضطرابات مزاجية: يتسم المصاب بأحد أنواع الاضطرابات العصابية باستجابات عاطفية واجتماعية غير مستقرة، حيث تظهر عليه مشاعر الانزعاج والغضب.
- أعراض جسدية غير مفهومة: ومنها الخرس الهستيري والعمى الهستيري الذي لا يوجد له أي مسببات طبية مفهومة.
أسباب الاضطرابات العصابية
تجدُر الإشارة إلى أنه لا يوجد أسباب محددة لأي من الأمراض النفسية، لكن هنالك العديد من العوامل المشتركة التي تلعب دورًا في تطور الأمراض النفسية العصبية، ومنها ما يلي.
- القلق والتوتر: أحد العوامل المؤثرة في الإصابة بالاضطرابات العصابية، هي استجابة الشخص بشكل مبالغ فيه لفترات التوتر والقلق، الناتجة عن المواقف المختلفة سواءً كانت عاطفية أو اجتماعية.
- الضغوط: قد يعاني أي إنسان من ضغوط نفسية، أسرية أو حتى اقتصادية، التي يمكن أن تؤدي بدورها لشعور بالضيق، وعدم القدرة على مواجهة هذه الظروف الصعبة.
- التجارب: يمكن أن يصاب أي شخص باضطراب عصابي نتيجة للخوف الشديد أو الرهاب الناتج عن مروره بتجربة قاسية أو حدث مؤلم.
علاج الاضطرابات العصابية
بشكل عام، لا يوجد علاج نهائي لمثل تلك الاضطرابات، لكن تقوم عملية رحلة العلاج على إكساب المصاب مهارات جديدة للتعامل مع مرضه، أو الحد من المضاعفات الناتجة عنه، ومن سبل العلاج ما يلي.
العلاج النفسي
يقوم على مساعدة المريض على إدراك حقيقة مشاعره ودوافعه بهذه الحياة، إضافة إلى فهم وتحليل تجاربه السابقة، وبالتالي يتمكّن المصاب من تنمية شخصيته، ومعرفة ذاته بشكل أعمق، وتعرف هذه العملية باسم العلاج المعرفي السلوكي.
العلاج بالأدوية
يعتمد الأطباء النفسيون أحيانًا على بعض العقاقير مثل مضادات القلق أو الاكتئاب، للحد من الأعراض المصاحبة للاضطرابات العصابية، جنبًا إلى جنب مع العلاج النفسي.
العلاج الاجتماعي
ويهدف هذا النوع من العلاج لإشراك محيط المصاب مثل عائلته وأصدقائه في رحلة علاجه، عن طريق تدريب المحيطين به على طرق التعامل مع مرضه، أملًا في دمجه بشكل أكبر داخل المجتمع في مراحل العلاج النهائية.
الفرق بين الاضطرابات العصابية والاضطرابات الذهانية
للتفرقة ما بين الاضطرابات العصابية (الأمراض النفسية) والاضطرابات الذهانية (الأمراض العقلية)، لا بد من ملاحظة بعض السمات التي تتضح على المصاب بأي منهما، وفيما يلي سنتطرق لشرح هذه الفوارق.
الشخصية
في حالة الاضطراب العصابي تختلف شخصية المريض بشكل بسيط، وتظل متماسكة في أغلب الأحيان، بينما في حالة الاضطراب الذهاني، تختلف شخصية المصاب جذريًا، ويكتسب عادات جديدة عليه، في الغالب تكون في الطريق الأسوأ.
إدراك الواقع
المصاب بأي نوع من أنواع الاضطرابات العصابية يستطيع إدراك الواقع بشكل جيد، أما في حالة الذهان، فينفصل المصاب عن الواقع، ولا يستطيع التكيف معه، بل ويبدأ في حياكة واقع وهمي حتى يستطيع التعامل معه، وتعرف هذه الظاهرة باسم «التفكير الوهمي».
السلوك العام
عند الإصابة باضطراب عصابي، تظل سلوكيات المريض مقبولة اجتماعيًا في معظم الحالات، بينما في حالة الإصابة باضطراب ذهاني، يكون هنالك اضطراب واضح في السلوك العام للشخص، بدايةً من الانطواء والعزلة، وصولًا للتصرُّف بشكل غير مقبول مجتمعيًا.
تقبُّل المرض
المصاب بأحد أنواع الاضطرابات العصابية يكون مدركًا تمامًا لحقيقة مرضه، ويطلب المساعدة، لتخطي أزمته، بينما يكون المصاب بالاضطرابات الذهانية منكرًا لكونه مصابًا، وهذا ما بجعل مسألة علاجه أكثر تعقيدًا.
في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن الاضطرابات العصابية تعد أمراضًا مزمنة، تستلزم الاستمرار في العلاج مدى الحياة، تجنبًا لتعرض المصاب للانتكاس في منتصف رحلته العلاجية.