هل تضطرك الظروف للتعامل مع شخص عدواني بصفة شبه دائمة؟ تبدو تلك من الاختبارات الصعبة سواء كانت تحدث في المنزل أو العمل أو أي مكان آخر، لذا يتطلب الأمر معرفة كيفية التعامل مع الشخصية العدوانية، كونها قد تسبب الأذى لأقرب المقربين.
الشخصية العدوانية
تعتبر الشخصية العدوانية من الشخصيات المضطربة، التي لا تتردد كثيرًا قبل أن تحمل الأحقاد وتفتعل الأزمات مع الآخرين، سواء كانت ضحية سلوكيات غيرها من الأساس أو لا.
يعاني أصحاب هذه الشخصية أحيانًا من صعوبة التحكم في المشاعر والانفعالات، لتتسبب في الأذى لغيرها بصورة فورية، فيما يمكن للشخص العدواني أن يمارس أفعاله في أحيان أخرى لتحقيق هدف خفي، كمن يقوم بالاعتداء على الأبرياء بغرض السرقة مثلًا أو لفرض السيطرة عليهم.
تتسم الشخصية العدوانية بشكلٍ عام بدرجة واضحة من النرجسية، حيث يبدو حب الذات هو المسيطر على زمام التفكير، ما يدفع تلك الشخصية لمحاولة التحكم في مصائر الآخرين بغرض تحقيق أهدافها الخاصة، علاوة على أنها تعاني من القلق والتوتر بدرجة تعجز معها على السيطرة على انفعالاتها.
أشكال السلوك العدواني
تتطلب معرفة طرق التعامل مع الشخصية العدوانية، تحديد أشكال السلوك العدائي التي يمارسها البعض في البداية، حيث تظهر في الصور التالية:
العنف الجسدي
ربما تعد ممارسة العنف الجسدي بحق الآخرين هي أشهر أشكال السلوك العدواني، والتي تأتي لذهن أغلبنا عند التحدث عن الشخصية العدوانية، حيث تبدأ بالاعتداء بالضرب فيما تنتهي أحيانًا بالتسبب في قتل الضحية.
العداء اللفظي
هو شكلٌ آخر من أشكال السلوك العدواني، والذي لا يلجأ فيه الشخص العدائي للضرب أو الركل، بل يكتفي بقول بعض الكلمات أو العبارات الحادة، التي أحيانًا ما يكون وقعها أشد قسوة من الاعتداء الجسدي، لتتلخص على سبيل المثال في عبارات التنمر والسخرية، أو الصراخ بصورة تحمل التوبيخ أو التهديد.
التهديد الصامت
يبدو هذا السلوك أكثر غموضًا من غيره، إذ تلجأ خلاله الشخصية العدوانية إلى ممارسات بغرض التخويف وبصورة غير مباشرة، مثل أن تقوم بتتبع خطوات شخص آخر دون نطق أي كلمة بهدف تهديده، أو بأن ترسل له هدايا غير مرغوبة أو غيرها من السلوكيات التي تصدر القلق للطرف الآخر.
السلبية العدوانية
تظهر تلك النوعية من السلوكيات العدوانية حينما يبقى الشخص العدواني مضطرًا إلى عدم إظهار غضبه بشكل مباشر أو عندما يكون ذلك قراره وبمحض إرادته، ليظهر هذا السلوك في صورة تنفيذ طلبات الآخرين ولكن بأداء سيئ، وسواء كان يدرك ذلك أم يقوم به بشكل تلقائي، إضافة إلى الحرص على تأجيل المهام والتسويف.
كيفية التعامل مع الشخصية العدوانية
يحمل الشخص العدواني الخطر للنفس والآخرين دون ملامح تهديد أحيانًا، لذا ينصح بمعرفة خطوات التعامل مع الشخصية العدوانية بمختلف الظروف.
البقاء في أمان
هي الخطوة الأولى والأكثر أهمية عند التعامل مع الشخصية العدوانية، حيث تكشف عن ضرورة الابتعاد بمجرد الشعور بالخطر أو عدم الراحة، مع ضرورة طلب المساعدة إن بدت الأمور معقدة.
تجنب الأزمة من البداية
لا يتطلب الأمر دائمًا إضاعة الوقت أو المجهود مع شخص عدواني السلوك، بغرض إصلاح المفاهيم أو تبرئة النفس، بل ينصح بتجنب الدخول في نقاشات بلا هدف مع هذا الشخص، وخاصة حينما يحدث ذلك مع الغرباء في الشوارع، إذ يبدو تجاهل عبارة سائق غاضب أو بائع منفعل أفضل كثيرًا من مجاراته في سلوكه العدواني.
الهدوء ثم الهدوء
إن كان تجاهل السلوك العدواني ممكنًا حينما يحدث بالصدفة بالطريق أثناء الذهاب للعمل أو العودة للمنزل، فإن الأمر يبدو مختلفًا حينما يصدر من شخص نتعامل معه بصفة دائمة، حينها يصبح قرار التجاهل مطلوبًا ولكن مدعومًا بالهدوء الشديد وبعبارات تهدف إلى السيطرة على الموقف، حتى لا تشعر الشخص بالاستفزاز ولا تقع بنا في معضلة ارتكاب الأخطاء.
عدم أخذ الأمور بشكل شخصي
يعتبر الاعتياد على عدم أخذ الأمور بصورة شخصية، قرارًا لا مفر منه عند التعامل مع الشخصية العدوانية، إذ تحرص تلك الشخصية المعقدة على قول كلمات حادة والقيام بممارسات عدائية تستهدف من خلالها إيذاء الطرف الآخر وربما دفعه لتبادل العبارات الانفعالية أو الشجار معها، لذا فالتأكد من الهدف وراء سلوك هذه الشخصية يسهل من مهمة التجاهل، لتفشل مهمة الأشخاص العدوانيين مهما كانوا أذكياء.
معرفة الحقوق
تجاهل أفعال الشخص العدواني يبقى من القرارات السليمة، ولكن إن لم يأت ذلك على حساب الحقوق الشخصية للفرد، والتي تتمثل في الحق في التعامل باحترام والحق في تحديد الأولويات وفي التعبير عن المشاعر، علاوة على حق قول كلمة لا دون الإحساس بالذنب وقول وجهات النظر المناسبة حتى إن كانت مختلفة عن الجميع.
استخدام الأسلوب المحدد
أحيانًا ما يؤدي ترك الأمور بلا ضبط أو ربط إلى تحفيز الشخص العدواني على ممارسة سلوكه المزعج، فيما يصبح الأسلوب الواضح والمحدد الذي نستخدم خلاله كلمات واضحة المعنى بحزم وبقوة، من وسائل ردع تلك الشخصية إلى الأبد.
الثقة في النفس
لا تمكن الثقة في النفس صاحبها فقط من الكشف عن وجهة نظره بحزم وقوة أمام الشخص العدواني، بل كذلك تساعده على تقبل العبارات السلبية التي قيلت بحقه، في ظل ثقته بإمكاناته وعدم سهولة اهتزاز نظرته لنفسه، ما يحميه من إمكانية مقابلة انفعال الشخصية العدوانية بانفعال مماثل لن يؤدي إلا لزيادة الأمور سوءا.
كيفية مواجهة الأطفال للسلوكيات العدوانية
تعتبر فرص تعرض الطفل الصغير للسلوك العدواني أو التنمر كبيرة في المدارس، وغيرها من الأماكن التي تشهد تجمعات الأطفال مختلفي الأعمار، لذا ينصح الآباء بالتعامل مع الموقف بتلك الطرق:
الاستماع دون أحكام
يعاني الطفل كثيرًا من أجل البوح بما يتعرض له من سلوك عدواني في نطاق المدرسة أو النادي، حيث تنتابه مشاعر الخجل أو الخوف من رد الفعل، أو حتى الخوف من إثارة مخاوف الأهل، لذا ينصح بالتعامل مع كشف الطفل عن مشاعره بدرجة من الوعي والاتزان، دون إطلاق أي أحكام عليه.
الإشادة
يُنصح كذلك بالإشادة بشجاعة الطفل بعدما كشف عن تعرضه لسلوك عدواني، حتى يدرك أن البوح بأسراره للأشخاص المقربين منه هو الخيار الأفضل، والذي يمكنه تخفيف حدة الأزمة.
الدعم والتوضيح
يحتاج الطفل ضحية السلوك العدواني، إلى سماع كلمات الدعم والمساندة، ليس فقط من أجل طمأنته، بل كذلك كي لا يشعر بأن ما يحدث له هو خطؤه، ما يشير إلى أهمية التأكيد على الطفل أن التنمر يحدث للأطفال جميعًا، وأنه لا يفصح عن خطأ ضحيته بقدر ما يكشف عن سوء سلوك المتنمر.
التحكم في الغضب
مثلما يُنصح البالغون بالتحكم في مشاعرهم عند التعامل مع الشخصيات العدوانية، فإن الطفل يبقى في حاجة أيضًا إلى عدم الانجراف للأزمات مع الأطفال الأكثر عدوانية، حيث تبقى نصيحة الأب أو الأم للابن بضرورة أخذ حقه فورًا والاعتداء بالمثل على من يهاجمه؛ من أسوأ النصائح التي تعزز العدوانية لدى الطفل الصغير، فيما يمكنها التسبب في إصابته بما لا يحمد عقباه، ليصبح تحفيز الطفل على السيطرة على مشاعره وإخباره بأن تجنب المتنمر يعد من القرارات الصعبة والشجاعة وهو الخيار الأنسب.
الشكوى
يحتاج الطفل إلى التحدث مع أشخاص قادرين على حمايته إن شعر بالخطر، لذا ينصح بتعويد الطفل على التحدث مع المعلم بالمدرسة أو المدرب في النادي، حينما يشعر بعدم الأمان بسبب سلوكيات الأطفال العدوانية تجاهه، حينها تبدو الشكوى وسيلة مطلوبة لضمان تجنب المخاطر.
التحدث مع المسؤولين
بالرغم من أهمية اتباع الخطوات السابقة مع الطفل الصغير إن كشف عن تعرضه للإيذاء الجسدي أو اللفظي، فإنها لن تكون كافية في أغلب الأحيان لحمايته، حيث نحتاج كذلك لتنبيه المسؤولين في مدرسته أو بالنادي لسلوكيات الأطفال العدوانية، حتى يقوموا بدورهم بزيادة الرقابة وفرض العقوبات على المخطئ.
التحدث مع الأهل
يُنصح في العادة بترك مهمة التحدث مع أسرة الطفل المتنمر إلى المسؤولين، إلا أن اتخاذ الخطوة يبقى ضروريًا إن لم يأت ذلك بالحل، مع أهمية الحذر من وقوع في خطأ الانفعال عند اتخاذ تلك الخطوة.
طرق تقويم الطفل العدواني
تنجح الخطوات السابقة في ضمان التعامل مع الشخصية العدوانية دون خسائر، إلا أن تقويم تلك الشخصية يبقى مطلوبًا إن كانت لا تزال في مرحلة الطفولة أو سنوات المراهقة الأولى، عبر الخطوات التالية:
لا للانفعال
يعتقد الكثير من الآباء أن الرد الأمثل على انفعال الطفل يتمثل في الانفعال بصورة أكثر حدة، رغم أن ذلك السلوك يؤدي إلى زيادة السلوك العدواني لديه، ما يكشف هنا عن ضرورة التعامل مع غضب الطفل بدرجة من الحكمة، حتى يجد الطفل المثل الأعلى المناسب في كيفية التحكم في المشاعر.
عدم التنازل
إن كان ضبط النفس مطلوبًا عند مواجهة نوبات غضب الطفل، فإن ذلك لا يعني التنازل عن المبدأ لأجل السيطرة على انفعاله، حيث يُنصح على سبيل المثال عند تعبير الطفل عن غضبه لرغبته في شراء الكثير من الأشياء بالمتجر، بعدم الصراخ في وجهه أو بالتنازل وشراء ما يطلبه، بل بالتمسك بالموقف في ثبات حتى لا يعتقد الطفل أن غضبه جاء له بالمكاسب المرجوة.
الإشادة
سواءً قام الطفل بسلوك جيد للمرة الأولى، أو قام به للمرة العاشرة، فإن الأمر يتطلب دومًا حرص الآباء على الإشادة بهذا السلوك الإيجابي، حتى إن تمثل في تنظيف أطباقه أو تنظيم المائدة.
تسمية المشاعر
مساعدة الطفل على إدراك مشاعره السلبية وتسميتها بالمسميات الصحيحة، لها دور كبير في سيطرة الطفل عليها عاجلًا أم آجلًا، مثلًا ينصح عند الشعور بغضب الطفل الصامت، بالتحدث معه بهدوء والإشارة إلى أننا نشعر بغضبه، حينها يتحفز الطفل لاستخدام العبارات الهادئة للكشف عن مشاعره بدلًا من اللجوء إلى العنف الجسدي أو حتى اللفظي.
تحديد الأسباب
يفضل مراقبة نوبات غضب الأطفال دومًا لمعرفة عوامل تحفيزها، إذ يمكن للطفل أن يبدو في أسوأ حالاته عند الاستيقاظ مبكرًا للذهاب إلى المدرسة، حينها يصبح تقسيم مهامه الصباحية من الخيارات الجيدة، علاوة على إمكانية وضع مكافآت بسيطة عند الانتهاء من تحضير الحقيبة في وقت قصير، لجعل تلك الفترة أكثر رفاهية.
انتقاء المكافآت
بينما تبدو مكافأة الطفل مطلوبة عند قيامه بسلوك ما إيجابي، من أجل تحفيزه على تكراره، فإن المكافأة يجب ألا تنحصر في الأشياء المادية، بل يفضل أن تتمثل في أمور أخرى تتعلق بالمشاعر الإنسانية، مثل إعطاء الطفل فرصة تحديد مكان التنزه أو وجبة الغداء لهذا اليوم أو حتى الفيلم الذي يمكن متابعته في المساء.
زيارة الطبيب
من الوارد ألا تأتي الخطوات السابقة في التعامل مع الشخصية العدوانية في مرحلة الطفولة، بالأثر الإيجابي المطلوب، لتكشف لنا عن معاناة الطفل من أزمة ما نفسية تتطلب العلاج على أيدي المتخصصين، حينها ينصح بزيارة الطبيب النفسي القادر على العبور بالطفل إلى بر الأمان، وقبل أن تتطور الأمور بدرجة أسوأ مع مرور السنوات.
علاج الشخصية العدوانية
يبقى تعلم كيفية التعامل مع الشخصية العدوانية من الخيارات المناسبة للأشخاص المحيطين، ولكن ماذا عن مهمة تلك الشخصية من أجل ضمان تقويم نفسها؟ إذ يحتاج الشخص العدواني إلى التأكد من أنه بحاجة لعلاج سريع، حتى لا يفقد المزيد من العلاقات ويزيد من سوء الأداء بالعمل أو بالدراسة.
العلاج النفسي
تأتي زيارة الطبيب النفسي لتكون بمثابة نقطة الانطلاق لتلك الشخصية، فبينما يبدو تحديد سبب المشكلة هو أول طريق علاجها، فإن الطبيب النفسي ينجح مع تحديد أسباب السلوك العدواني في اكتشاف أنسب الطرق لتقويمه.
العلاج المعرفي السلوكي
من الوارد أن يلجأ الطبيب لجلسات العلاج المعرفي السلوكي من أجل زيادة وعي الشخص العدواني بحالته، علاوة على تحفيزه على السيطرة قدر الإمكان على مشاعره، فيما يبدو الاعتماد على الأدوية العلاجية ممكنًا أيضًا إن كانت حالة الشخص مرتبطة بأزمة ما نفسية، وخاصةً وأن والحالة العدوانية تتحفز لدى ضحايا أمراض مثل الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب والفصام.
في كل الأحوال، يبقى التعامل مع الشخصية العدوانية من التحديات غير السهلة، لذا فالحرص على تجنب استفزاز تلك الشخصيات وربما تجنبها من الأساس إن أمكن، مع التحلي بالثبات والثقة في النفس، يبقى ضروريًا للوقاية من مخاطر تلك الشخصية شديدة الاضطراب.