هنيئًا لمن لم يتعكر صفو حياته، ومن لم تنحرف عن مسارها الطبيعي المليء بالسكينة نتيجة إصابته أو إصابة أحد المقربين بداء ألزهايمر اللعين، الذي لا شفاء منه؛ إذ يجرف صاحبه إلى طريق لا ينتهي من الشرود والتشتت؛ فما هي طريقة التعامل مع مريض ألزهايمر؟ التي تساعده على تحسين مجرى حياته، كما تساعده في التعرف على الطريقة الآمنة للعودة في حال ضلوا الطريق؛ لذا اغتنم الفرصة الآن وتابع قراءة السطور التالية؛ لأن التعامل مع مريض ألزهايمر ليس بأمرٍ هين؛ بل يعد من الأمور الشائكة التي تتطلب عنايتك.
داء ألزهايمر
هو مرض عصبي عضال يصيب خلايا المخ ويقوم بتدميرها؛ إذ يقلص حجمها أولًا ومن ثم يودي بحياتها؛ أما عن المحصلة فتكون تدهور في ذاكرة الفرد وتفكيره وسلوكه، حيث يتعامل بطريقة لا تشبه سابق عهده نهائيًا، وتكون الخاتمة موت المريض، ومن الجدير أن هذا المرض ينقسم لأكثر من مرحلة كل مرحلة أخطر من سابقتها؛ حيث يزداد بها التشويش ويقل التركيز والقدرة على التفكير والتذكر.
كيفية التعامل مع مريض ألزهايمر؟
لا يعد التعامل مع مريض ألزهايمر أمرًا سهلًا على الإطلاق؛ بل يشكل عبئًا ثقيل على مقدمي الرعاية؛ حيث يتطلب بذل جهد كبير، والتحلي بصبر مضاعف؛ إذ يتحتم عليه تلبية كافة متطلبات المريض بشكل سريع وبدون تأفف؛ مما يجعل بعض مقدمي الرعاية بصابون بحالات اكتئاب شديدة، ولأن مشاكل ألزهايمر لا تنتهي ولا يمكن حلها بشكل جذري، الأمر الذي يجعل مقدمي الرعاية يتبعون طرقا معينة في التعامل.
قبل الاستفاضة في التحدث عن هذه الطرق؛ يجب على مقدم الرعاية أخذ سلوكيات المريض في الاعتبار والتي تظهر في التساؤلات بكثرة نتيجة الشعور بالقلق، اللامبالاة نحو القيام بمهامه الروتينية، الدخول في حالة عصبية نتيجة عدم القدرة على استيعاب البيئة المحيطة؛ أما بالنسبة لطريقة التعامل مع مريض ألزهايمر؛ فتتلخص في التالي:
توقع التفسيرات الخاطئة من المريض
من الطبيعي ألا يكون المريض دقيقًا في تفسيراته مقارنةً بالشخص الطبيعي؛ مما يسبب له الشعور بالإحباط والقلق، الأمر الذي يمكن أن يصيب مقدم الرعاية أيضًا؛ لذا يجب عليك كمقدم رعاية أن تتحلى بالصبر، وأن تكون واضحًا خلال التواصل مع المريض من خلال تكرار القول باستخدام نفس الألفاظ، ويا حبذا أن يتم التواصل مع المريض في مكان خالٍ من الضوضاء والعوامل المشتتة؛ بالإضافة إلى عدم استعمال كلمات مثل هو أو هي، بل يستخدم أسماء الأشخاص.
تشكيل روتين يومي للمريض
خلال تطور المرض يصبح من الصعب على المريض أن يخطط لأنشطته اليومية بشكل جيد؛ مما يجعله يميل دومًا إلى القيام بالأشياء المعروفة والمألوفة بالنسبة له؛ لذا يأتي دور مقدم الرعاية في صنع روتين يومي مناسب للمريض؛ كي يتمكن من التركيز على ما يقوم به من أنشطة، ومنها على سبيل المثال:
- التركيز على الأنشطة التي يفضلها المريض قبل إصابته بهذا الداء.
- الهوايات والأنشطة التي يبرع فيها المريض ويحبها دون غيرها.
- تحديد أوقات معينة للاستيقاظ والنوم؛ كي لا يواجه المريض مشاكل عند النوم.
مشاركة المريض في بعض المهام
يفضل أن يسمح مقدم الرعاية للمريض بأن يشارك ببعض المهام والأنشطة وإن كانت بسيطة؛ لأن ذلك يمنحه شعورا جيدا بأهميته، ومن الجدير بالذكر أنه يتوجب على مقدم الرعاية في هذه الأثناء تشجيع المريض والثناء عليه، وعدم إخباره بقيامه بأي خطأ، مع الأخذ في الاعتبار أن تنفيذ المهام من المريض قد تتطلب وقتا أطول من المعتاد مهما كانت بساطتها؛ لذا يجب الاهتمام بنيل المريض قسطا من الراحة خلال تنفيذ المهام.
وراء كل سلوكٍ ما هدف
تأكد من أن كل سلوك يظهره المريض فهو ذو هدف ومعنى؛ ومنها على سبيل المثال: الصراخ المتكرر؛ فالمريض في هذه الأثناء لا يتعمد جرح الآخرين أو إزعاجهم، بينما الهدف من وراء ذلك أنه يريد أن يلفت انتباه الآخرين؛ كي يقوموا بتلبية حاجة يريدها، وهذا ما أثبته الخبراء خلال أبحاثهم العلمية أن أي فعل صادر من المريض يكون ذا مغزى؛ ولكنه لا يستطيع توصيل رسالته إلا من خلال هذا السلوك؛ لذلك يجب على مقدم الرعاية الاستجابة لهدف ومشاعر المريض بدلًا من محاولة الاستجابة للسلوك ذاته.
سلس البول
من الأعراض المزعجة والمقترنة بداء ألزهايمر هي سلس البول؛ حيث يفقد المريض في المراحل المتقدمة من المرض القدرة على التحكم في الأمعاء والمثانة، وللتخفيف من هذا العرض؛ يجب على مقدم الرعاية أن يقوم باتباع بعض الخطوات مثل:
- يفضل التقليل من شرب السوائل عندما يقترب موعد النوم.
- كن متفهمًا قدر المستطاع في حالة حدوث هذا الأمر ولا تنفعل، وطمئن المريض فهو أمر خارج عن إرادته.
- لا تنتظر أن يخبرك المريض بأنه بحاجة للذهاب للحمام؛ بل قم أنت بأخذه في مواقيت محددة.
- تعرف على الأعراض التي تصاحب المريض عند رغبته للذهاب إلى الحمام من خلال مراقبته.
التحدث عن الذكريات
من المهم أن يتشارك مقدم الرعاية الحديث مع مريض ألزهايمر عن ذكرياته الجميلة في الماضي، والتحدث عن الأماكن المألوفة له، والأشخاص المقربين؛ لأن تذكر هذه المشاعر الممتعة يكون لها وقعها الطيب في نفسه؛ كما يمكن مشاركته في مشاهدة فيديوهات خاصة بالعائلة، وصور قام بالتقاطها في الماضي، ومن الممتع أن يذكر مقدم الرعاية تاريخا ما مرتبطا بالعائلة أو الأصدقاء؛ مما يُمَكن المريض من التواصل مع من يحب.
المرونة
ألزهايمر مرض متطور أي أنه لا يقف عند حدٍ معين؛ بل ينقسم إلى مراحل عدة لكلٍ منها أعراض ومتطلبات خاصة بالمريض متغيرة عن المرحلة السابقة؛ لذلك فإن طرق التعامل والاستراتيجيات المستخدمة في مرحلة ما لا ينصح باستخدامها تاليًا؛ لأنها لم تعد فعالة، وإن كانت ناجحة ومميزة في مرحلةٍ ما، قد تكون كارثية في مرحلة أخرى.
لذا يجب على مقدم الرعاية أن يعي أن أعراض هذا الداء مليئة بالتحديات؛ وقد يصبح الأمر أكثر تعقيدًا عند رفض المريض الرعاية ويقوم بمقاومتها؛ مما يستدعي تدخل الطبيب في هذه الحالة؛ ويجدر القول إنه يتوجب على مقدم الرعاية أن يستمر في السعي وراء التجارب المشابهة السابقة؛ كي يتعلم منها.
الأمان
مع تقدم داء ألزهايمر وتطوره، تصبح ذاكرة المريض أكثر ضعفًا، وكذلك قدرته في التفكير والتحكم؛ مما يؤدي إلى دخوله إلى نوبات من الهلع والخوف؛ بجانب عدم قدرته على تجنب أي مشاكل أو مواقف خطيرة؛ لذا يتطلب من مقدم الرعاية أن يشعره دائمًا بالأمان الذي يفتقده نتيجة مرضه.
التعامل مع مريض ألزهايمر منزليًا
في أحيانٍ كثير يصبح مريض ألزهايمر غير قادر نهائيًا على إدارة أمور منزله؛ حتى وإن كانت بسيطة ولا تستدعي التركيز؛ مما يتطلب توفر رعاية خاصة للمريض من قبل مقدمي الرعاية، الذين يحرصون على جعل المنزل مكان أكثر أمانًا بالنسبة للمريض من خلال إزالة المخاطر التي من الممكن أن تعترض طريق المريض، وبكون ذلك باتباع بعض الأمور التي تقلل احتمالية الخطر ومنها:
- يتوجب عليك كتابة كافة أرقام الطوارئ الهاتفية، عنوان أشخاص بالقرب منها.
- تركيب كاشفات الحرائق بالغرف كلها، وبشكل خاص في المطبخ.
- التأكيد على وجود مفتاح غلق تلقائي بالأجهزة الكهربائية.
- التخلص من بعض الأشياء التي يمكن أن تشكل خطرا على المريض؛ مثل: مواد التنظيف، الأدوية، السكاكين، الأسلحة، والكحول إن وجد.
نصائح التعامل مع مريض ألزهايمر
إن كنت مقدم رعاية لمريض ألزهايمر، فأنت بحاجة إلى النصائح التالية؛ كي تسهل عليك مشاق مهمتك في التعامل مع شخص بالكاد يتذكر بين الحين والآخر؛ ومن أهم هذه النصائح التالي:
- التحدث مع المريض حول موضوع واحد دون التطرق إلى مواضيع أخرى؛ مع محاولة تبسيط الكلام قدر الإمكان.
- تقديم كافة احتياجات المريض من المأكل والمشرب بشكل كافٍ وصحي؛ بهدف الحفاظ على صحته.
- التعامل مع مريض ألزهايمر بصبر دون استياء وتأفف، وإن كنت تشعر بذلك يجب إخفاء مشاعرك تجاهه.
- لا تتجادل مع المريض وابتعد عن ذلك؛ كي لا تهدر طاقتك وطاقته.
- عند التحدث مع المريض، احرص على استعمال نبرة صوت لطيفة وهادئة.
- تواصل مع المريض بلغة العيون؛ مع مراعاة مناداته باسمه قدر المستطاع.
- امنح المريض الجو الهادئ والخالي من الضوضاء؛ لأن ذلك يساعده على التركيز.
طريقة التعامل مع هلوسة مريض ألزهايمر
من أعراض داء ألزهايمر المتقدمة، هي التعرض للأوهام والهلوسة، حيث يرى أو يشم أو يسمع المريض أشياء لا وجود لها؛ مما يحتم على مقدم الرعاية اتباع بروتوكول معين للتعامل في مثل هذه الحالات؛ بهدف الحد منها والتقليل من أثرها؛ ويكون ذلك عن طريق:
- في حالة شعور المريض بالقلق أو الخوف؛ يجب مساعدته، وتهدئته للتخلص من هذا الشعور.
- عدم مجادلة المريض حول ما يتوهم؛ فهو مؤمن تمامًا بما رأي أو سمع.
- مراجعة أدوية المريض بأكملها؛ للتحقق من عدم وجود أدوية مسببة للهلوسة.
- محاولة عدم عرض الأفلام العنيفة والمزعجة للمريض؛ بسبب عدم قدرته للتمييز بينها وبين الواقع.
- إلهاء المريض عن مخاوفه بما يحب من نشاطات.
في النهاية نقدم كل الشكر والدعم لمقدمي الرعاية لمرضى ألزهايمر؛ لأن ما يقومون به مسؤولية ليست هينة على الإطلاق؛ بل تتطلب مجهودا كبيرا؛ بالإضافة إلى التحلي بصفات خلاقة؛ منها: الصبر، وقوة التحمل، والتحدث بهدوء، وأدب مهما كان الموقف المعرض له.