ثقافة ومعرفةشائع

التعليم المنزلي.. ميزات مذهلة ومخاوف مشروعة

هل هناك اهتمام أشد من الاهتمام بالنفس؟ بالطبع لا، إلا إذا دخل علينا طفلنا بينما نتكلم! ووقتها سيصمت الجميع وينقطع الحديث ونكتفي بالطفل كإجابة، نعم، لا اهتمام يفوق اهتمامنا بأبنائنا أو يعادله حتى، بل إن الكثير من الآباء الذين يوصفون بالاستهتار وعدم المسئولية، تنقلب حياتهم رأسا على عقب ويتبدل سلوكهم كليا بمجرد أن يرزقه الله بطفل! فمن يربي من؟!.

ومن أهم أركان التربية هذه تعليم الطفل، وإن كثيرا من الآباء باتوا يتخوفون من إرسال الطفل للمدرسة لأسباب شتى، فقد لا يجاري رفاقه في المستوى سواء كان أقل منهم أو يفوقهم بذكائه الحاد فتكون المدرسة تعطيلا له وإبطاء، أو لا يتماشى مع الطريقة التقليدية للتعلم، أو قد يتعرض للتنمر، أو قد يصاحب فتى سيئ الخلق يهدم في ساعات ما بناه الأبوان في سنين.

من هنا كانت الفكرة العبقرية: التعليم المنزلي، فما أروع من أن يتعلم طفلك تحت عينيك سابقا أقرانه مستمتعا بالتعليم!

تعال نلق نظرة تخرج لنا طفلا بارعا سويا متفوقا يسبق عمره بسنين.

نظرة عامة

التعليم المنزلي
التعليم المنزلي

التعليم المنزلي هو خيار تعليمي تتخذه الأسرة يقضي بتعليم الطفل في مجموعة متنوعة من الأماكن بخلاف المدرسة، (والمنزل بالطبع هو أهم هذه الأماكن)، ويتلقى الطفل أغلب تعليمه من الوالدين أو أحدهما، وفي حالات أخرى يتلقى تعليمه من خلال مدرسين منزليين أو مدرسين عبر الإنترنت، ولكن تظل اليد العليا في تعليم الطفل لأبويه فهما يشرفان على الأمر بشكل عام، ويتم استخدام طرق وأساليب متعددة ومختلفة في تعليم الأطفال منزليا، وغالبا ما تكون هذه الطرق أكثر مرونة، حيث تكون أقل رسمية وبها من المرح ما يجذب الأطفال.

النظام العام

التعليم المنزلي
التعليم المنزلي

تختلف المدارس المتبعة في التعليم المنزلي، ولكنها في النهاية تصب في محاولة إظهار الاختلاف والتميز في كل طفل بذاته، ويختار الآباء النظام الأكثر تناسبا مع شخصية أطفالهم، فبعض العائلات تقوم بتعليم أبنائها في المنزل نفس المناهج التي تقدمها المدرسة، وأحيانا تنظم بعض العائلات مدارسهم المنزلية مثل المدرسة التقليدية مع الأطفال الذين يدرسون نفس المواد بنفس طريقة طلاب المدارس العامة، وبعض العائلات تختار مناهج حرة تماما، حيث تقوم بتحديدها حسب هويتها الاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية، وهناك من يقومون بإشراك الطفل نفسه في اختيار المناهج، وهو نهج أقل تنظيما بكثير حيث يتم تحديد جدول الأطفال حسب اهتماماتهم واستعدادهم، ويمكن أن يكون التعليم المنزلي من خلال منهج عبر الإنترنت بالكامل، أو تعليم بالكتب فقط، أو مزيج من كليهما. في النهاية، يعمل التعليم المنزلي من خلال تلبية أفضل أسلوب تعليمي لطفلك، وبالتالي مساعدته على التفوق.

التكلفة والتطلبات المادية

بشكل عام، الآباء هم من يقررون تكلفة التعليم المنزلي بينما يختارون النظم والمناهج التي سيتبعونها مع أطفالهم، ولكن بشكل عام، يمكننا القول إن التعليم المنزلي يكلف أكثر من التعليم المدرسي العام وأقل من المدارس الخاصة، ولكن حتى في الحالات القصوى، يمكن للآباء أن يقللوا من تكلفة التعليم المنزلي إلى حد كبير باعتمادهم على المكتبات العامة والمتاحف والإنترنت والعروض التلفزيونية، ولأن الأطفال الذين يتلقون تعليما منزليا يتوفر لديهم المزيد من الوقت لممارسة نشاطات أخرى غير الدراسة، فيحتاج الآباء لتوفير ميزانية إضافية للأنشطة اللامنهجية التي يختار الطفل أن يشارك فيها مثل الجمباز وفنون الدفاع عن النفس وكرة القدم.

ترتفع تكلفة التعليم المنزلي بنمو الطفل، فتميل تكاليف التعليم المنزلي إلى أن تكون أعلى لدى المراهقين منها لطلاب المدارس الابتدائية، نظرا لأن العديد من المراهقين في المنزل يدرسون أيضا دروسا في الكلية.

بشكل عام، يمكنك التحكم في التكلفة العامة لتعليم طفلك منزليا دون أن يؤثر ذلك كثيرا على جودة تعليمه، خاصة مع انتشار مواقع التعليم المنزلي المجانية على الإنترنت.

الميزات العامة

التعليم المنزلي
التعليم المنزلي

1- المتعلمون منزليا يبلون بلاء أفضل في الاختبارات.

على عكس ظن الكثيرين أن التعليم المنزلي بما به من الحرية والاختيار قد يؤثر على تحصيل الطفل، فإن الدراسات أظهرت أن المتعلمين منزليا يحققون في الاختبارات نجاحا بتقديرات أفضل من المتعلمين تعليما تقليديا.

2- واجب منزلي؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟

في التعليم المنزلي، ليس هناك تواجد ملحوظ للواجبات المنزلية، وبعض الأسر تفضل الاستغناء عنها تماما والاكتفاء بتعرض الطفل المباشر للعملية التعليمية، وهو ما يخفف عن الآباء أيضا عبء متابعة مملة للواجبات المنزلية الخاصة بأبنائهم.

3-  أطفال مختلفون، سرعة استجابة مختلفة.

معظم منتقدي المدارس العامة يرون أن الأسلوب التقليدي في التعليم يسبب الارتباك في التعلم، حيث يحصل أطفال ذوو سرعات استجابة مختلفة على نفس القدر من المعلومات بأسلوب واحد، بينما في التعليم المنزلي، ومن خلال الاعتماد على الدروس الفردية، يتعلم الأطفال الاستقلالية في التعلم ويتجنبون ذلك الارتباك، كما يتجنبون أيضا الاعتماد العاطفي والفكري كما هو الحال لدى أطفال المدارس العامة.

4- تلبية احتياجات الطفل الخاصة.

في أغلب الأحيان، حين تكون للطفل احتياجات خاصة من أي نوع وبأي درجة، فإنه يتم تصنيفه ومعاملته بشكل غير كاف في المدرسة وأحيانا يتم تجاهله حتى، مما قد يؤخر الطفل دراسيا ويؤثر على مستواه وقدراته وصحته النفسية أيضا، ولكن التعليم المنزلي يوفر له البيئة المناسبة للتعلم، والتي يكون هو المحور الأوحد فيها.

5- أكثر سعادة، وأكثر استقلالية

كأشخاص بالغين، يظهر المتعلمين منزليا سلوكا استقلاليا أكبر من نظرائهم في المدارس العامة، كما أظهروا استعدادا أكبر للالتحاق بالجامعات، ولأنهم تمت تربيتهم على الاستقلالية، فإن المتعلمين منزليا يكونون أكثر سعادة وأكثر تقبلا للمجتمع ولا يشعرون بالحاجة إلى اتباع الحشد أو التقاتل على سوق العمل.

مخاوف التعليم المنزلي

  • التنشئة الاجتماعية للطفل:

إن من أهم المخاوف التي تواجه الآباء المتجهين للتعليم المنزلي هو الخوف من تأثيره على التنشئة الاجتماعية للطفل، حيث يرون أن الطفل يحتاج إلى الذهاب إلى المدرسة لتتسنى لهم فرصة للتعايش مع الآخرين وتطوير مهارات اجتماعية تمكنهم من الانخراط في المجتمع فيما بعد، ولكن العديد من الدراسات أظهرت أن الأطفال المتعلمين منزليا لديهم ثقة أعلى بأنفسهم من أقرانهم متلقي التعليم التقليدي، حيث إنه بينما يقابل الأطفال بالمدارس أطفالا من أعمارهم فقط، يتسنى لأطفال التعليم المنزلي التفاعل مع أشخاص بمختلف الأعمار والأجناس والاهتمامات، وبينما يقضي الأطفال الآخرون ما يقرب من نصف يومهم يتلقون تعليما نمطيا، فإن المتعلمين منزليا يمكنهم تعلم أضعاف ما يتعلمه الآخرون بالمدارس في وقت أقل، وبمجهود ذهني أقل، واستيعاب أكبر للمحتوى.

  • فقر الدخل.

من أشد المنغصات التي يعاني منها الآباء عند اختيار التعليم المنزلي لأطفالهم هو فقر الدخل، وذلك لأنهم يضطرون إلى قضاء وقت أكبر بكثير من الآباء الآخرين مع أبنائهم، فيجب أن يكون شخص ما في المنزل، على الأقل بدوام جزئي وبالتبادل بين الأبوين، مما يجعل الأسرة ذات دخل أقل بكثير من الأسر الأخرى.

  • الانتقاد من المجتمع.

لأن المجتمع دائما يحارب كل جديد ومختلف، تعاني معظم الأسر المتبنية تعليم أبنائها منزليا من الانتقاد المستمر من المجتمع عموما ومن العائلة خصوصا، حيث يوجه المجتمع نقدا صريحا لهم دون معرفة أسلوب التعليم المتبع مع الطفل أو أية تفاصيل عن النظام الذي تنتهجه الأسرة، إلا إذا كانت الأسرة عندها قدر عالٍ من تقدير الذات، ومبدأ “أنا أعلم ماذا أفعل”، ففي هذه الحالة تكون تلك الثقة دعوة لما تتخذ من منهج.

  • التدبير المنزلي.

عادة، تستخدم الأسرة المنزل أكثر ما تستخدم في التعليم المنزلي، وكما لذلك مميزات، فإن له آثارا جانبية أيضا، حيث يتحول المنزل إلى كومة من الكتب والألعاب العلمية والمشروعات العلمية والفنية الخاصة بالطفل، ولكن ما هي بيوتنا إن لم تكن مفيدة لأطفالنا ودالة على وجودنا ووجودهم؟!

في النهاية

قد يرى البعض التعليم المنزلي خطأً ويخشى على طفله من الغريب، وقد يراه آخرون أمرا شاقا رغم كونه صحيا، فيكسلون عنه ويؤثرون التقليدي على الجديد، وآخرون قد يرون أن التعليم المنزلي يوفر فرصة مختلفة لطفلك وتجربة فريدة لك لتنشئة طفلك تنشئة صحية والقيام بدورك كمربٍّ بشكل حقيقي وواضح، ولكن في نهاية المطاف، يمكننا القول إن التعليم المنزلي غير متعارف عليه بشكل كاف إلى الآن، خاصة في العالم العربي، ربما ينبغي أن يعرف عنه الجميع، ثم يتخذ كل قراره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى