تعد المعاناة من التوحد أو اضطرابات الطيف الذاتوي من الأمور المعقدة بالنسبة للكثير من الآباء، في ظل عدم وجود علاج لها، إلا أن السيطرة على مرض التوحد عند الأطفال تظل ممكنة، مع ملاحظة الأعراض في وقت مبكر، واتخاذ بعض الخطوات التي نكشف عنها في تلك السطور.
مرض التوحد عند الأطفال
يعرف التوحد بشكل عام بأنه ذلك الاضطراب الذهني الذي يصيب الطفل في مرحلة الرضاعة، ليعيق نمو عقله بالصورة المطلوبة في السنوات التالية، ويؤثر على حياته بدرجة تختلف من طفل لآخر وفقًا للحالة ولدرجة انتباه الأبوين إليها من أجل التعامل معها بالشكل الأمثل.
تظهر ملامح مرض التوحد عند الأطفال في طريقة تعاملهم مع المواقف المختلفة، وفي درجة تواصلهم مع الأشخاص الآخرين، حيث يبدو ضحية هذا الاضطراب أقل قدرة على مواجهة التحديات، على الأقل مقارنة بالأطفال في نفس المرحلة العمرية، ما قد يعيق تقدمه الدراسي ومن ثم العملي عند النضوج، وخاصة عند عدم الانتباه لأعراض أزمته في وقت مبكر.
أعراض التوحد عند الأطفال
يرى الباحثون أن أعراض مرض التوحد عند الأطفال تظهر في العادة عقب الولادة بنحو 8 أشهر أو عام أو اثنين، لتتمثل في تلك العلامات التالية التي تستحق الانتباه في أسرع وقت ممكن من قبل الأبوين:
“اقرأ أيضًا: مشاهير أصيبوا بطيف التوحد.. وكيف يصبح المرض سلمًا للنجاح؟
أعراض التوحد الأولية
هي تلك الأعراض التي تظهر في العادة في الفترة ما بين 8 أو 10 أشهر من الولادة، لتكشف عن مجموعة من المشكلات الاجتماعية لدى الطفل مثل:
عدم الاستجابة للمناداة
قد تبدو استجابة الطفل الرضيع للنداء باسمه من المهام المعقدة في الأشهر الأولى، إلا أن استمرار هذا الأمر لدى الطفل مع إتمام عامه الأول، قد تشكل أحد أعراض مرض التوحد عند الأطفال.
عدم الاهتمام بالآخرين
إن كان الطفل في العادة يبدو شغوفًا بالتواصل مع المحيطين به، فإن مرض التوحد عند الأطفال يقلل كثيرًا من رغبة ضحاياه في اللعب أو التحدث أو التواصل بأي شكل من الأشكال مع جميع من حوله، وحتى إن كانوا أطفالا رضعا من نفس المرحلة العمرية.
الانعزال
لا يجد الطفل المصاب بالذاتوية أي مشكلة في البقاء وحده لفترات طويلة، ليقوم حينها بقضاء وقته على طريقته الخاصة، لذا ينصح بالانتباه دومًا إلى درجة الانعزال التي تسيطر على الصغار، كونها تكشف أحيانًا عن مرض التوحد عند الأطفال.
رفض التواصل الجسدي
بينما يفضل الطفل ضحية اضطرابات الطيف الذاتوي عدم التواصل بالتحدث مع من حوله، فإنه يمقت التواصل الجسدي أيضًا، ما يظهر جليًا مع رفضه احتضان غيره من الأقارب على سبيل المثال.
صعوبة التواصل البصري
كذلك تبدو قدرات الطفل على التواصل بصريًا مع الآخرين في تلك الحالة ضعيفة للغاية، لذا تجده ينظر لأماكن متفرقة حتى إن كانت الكلمات توجه إليه من أقرب المقربين له.
رفض التهدئة
من الوارد أن يهدأ الأطفال حينما يقوم الأبوان بالتحدث معهم ومداعبتهم حتى إن كانوا في حالة من الغضب، بل ويحرص بعض الأطفال على ادعاء الغضب للفت الانتباه وكسب التعاطف، ما يختلف كليًا عند المعاناة من مرض التوحد عند الأطفال، والذي يؤدي إلى رفض الطفل أي محاولات من أجل السيطرة على غضبه.
عدم فهم المشاعر
سواء كانت مشاعر الآخرين من حوله، كبارًا كانوا أو صغارًا، أو حتى كانت مشاعره نفسه، فإن الطفل الذي يعاني من اضطرابات التوحد يصبح عاجزًا عن فهم كل ما سبق، ليزيد ذلك من صعوبة تواصله مع البشر الآخرين.
عدم تلقي المساعدة
من الوارد أن يلاحظ على الأطفال ضحية التوحد، عدم اتخاذ أي خطوة لتلقي المساعدة كما يحدث في العادة، وعند اختبار المواقف الصعبة، لذا يمكن لطفل الذاتوية ألا يقوم بفرد ذراعيه من أجل قيام الأب أو الأم بحمله كما يقوم الأطفال الآخرون، كما يبدو من الصعب أن يقوم أحدهما بتوجيهه عند التحرك من مكان لآخر.
أعراض التوحد المتعلقة بالتواصل
يعاني نحو 40% من ضحايا اضطرابات الطيف الذاتوي من عدم القدرة على الكلام بأي حال من الأحوال، بل ويفقد ما يتراوح بين 25% إلى 30% من الأطفال القدرات اللغوية التي سبق وأن اكتسبوها من قبل، لتتمثل أعراض مرض التوحد لدى الأطفال حينها في:
مشكلات لغوية
يجد الطفل المصاب بالتوحد صعوبة شديدة في التطور على الصعيد اللغوي، حيث يعجز عن اكتساب المهارات اللغوية العادية لدى الأطفال الآخرين، وتبدو قدراته على التحدث متأخرة دومًا عنهم.
الصوت المحايد
يشبه صوت الطفل الذي يعاني من التوحد الأصوات المسجلة أحيانًا، حيث يبدو محايدًا طوال الوقت وبلا انفعالات واضحة كالآلات على سبيل المثال، فيما يمكنه في أحيان أخرى أن يتحدث وكأنه يغني أغنية بشكل مخالف للطبيعي.
التكرار
يبدو ضحايا التوحد من جميع الأعمار، وكأنهم يرغبون طوال الوقت في تكرار بعض العبارات بلا توقف، لتعد تلك من ضمن أشهر أعراض مرض التوحد عند الأطفال.
أزمات نحوية
لا يكشف هذا العرض من بين أعراض التوحد عند الأطفال عن صعوبات الكتابة، بل عن مدى تعقيد مهمة الطفل المصاب عند اختيار الضمائر المناسبة أثناء التحدث، لتجده على سبيل المثال يتحدث عن نفسه وهو يقول كلمة أنت بدلًا من أنا.
صعوبة التركيز
تتمثل تلك الأزمة في عدم قدرة الطفل على التركيز على موضوع محدد أثناء التحدث مع الآخرين، فسواء كان هو من يرغب في الكشف عن فكرة ما أو كان مجرد مجيب على أسئلة البشر المحيطين به، فإنه يبدو تائهًا ليتنقل من موضوع لآخر دون أي تنظيم.
التخلي عن الإشارات العادية
يبدو الطفل ضحية التوحد وكأنه ليس بحاجة إلى استخدام الإشارات التقليدية، مثل التلويح باليدين أو الإشارة لأمر ما يريده، لذا فهو لا يبادل الآخرين تلك الإشارات حينما يقومون باستخدامها أمامه، بغرض التواصل معه.
عدم فهم بواطن الأمور
من الصعب عند المعاناة من مرض التوحد عند الأطفال، أن تجد الضحية قادرًا على فهم الإشارات المعتادة، التي يفترض بها أن تثير ضحكاته، لذا يعجز الطفل الذي يعاني من الذاتوية عن فهم الدعابات والسخرية.
عدم فهم الإشارات الاجتماعية
إن كانت المعاناة من التوحد عند الأطفال تعني صعوبة فهم كلمات الساخرة أو الدعابات، فإنها تعني دون شك العجز عن فهم الإشارات الاجتماعية التقليدية، ومن بينها لغة الجسد والانفعالات التي يظهرها الوجه أو المعاني التي يمكن فهم القصد منها عبر نبرة الصوت.
صعوبة التعبير
لا يوجد شك في أن كل الأعراض السابقة تؤدي إلى عجز الطفل الذاتوي عن الكشف عما يشعر به من أحاسيس، بل ويبدو من الصعب عليه حتى أن يوضح لأقرب المقربين رغباته مهما كانت بسيطة في الكثير من الأحيان.
أعراض التوحد السلوكية
يصبح اكتشاف معاناة الطفل من اضطرابات الطيف الذاتوي أكثر سهولة من قبل الأهل، مع ملاحظة بعض السلوكيات التي تبدو غريبة، وكذلك بعض الرغبات غير المعتادة، مثل:
التكرار
إن كان مرض التوحد عند الأطفال يلزمهم بتكرار بعض الكلمات أو العبارات لفترات طويلة، فإن ملامح التكرار تظهر أيضًا على الصعيد السلوكي، حينما يلاحظ قيام الطفل بالرقص أو التصفيق لبعض الوقت دون الانتباه لمدى تكرار هذا الفعل، أو حينما يبدأ في الدوران مرارًا وتكرارًا.
النشاط المفرط
يعاني الطفل المصاب بالتوحد من حالة ملحوظة من النشاط، حيث يصبح فرط الحركة ملازمًا له في الكثير من الوقت، وكأنه يملك مخزون طاقة يكفي الكثير من الأطفال الآخرين من نفس المرحلة العمرية.
التثبيت
قد يفضل الطفل العادي تغيير النشاطات لعدم الإصابة بالملل أو رغبة في اكتشاف كل ما هو جديد، بعكس الطفل المصاب بالذاتوية والذي يبدو كأنه اختار بعض النشاطات المحببة إليه ليمارسها دائمًا وأبدًا من دون كلل أو ملل.
رفض التغيير
لا يسعى الطفل في تلك الحالة إلى تثبيت النشاطات التي يمارسها فحسب، بل يصاب بالغضب الشديد عند ملاحظة أي تغيير حتى وإن بدا بسيطًا أو غير مؤثر، وكأنه فقد ما يحبه دون رغبته.
الحساسية
ليس المقصود هنا الحساسية تجاه العبارات أو السلوكيات التي يقوم بها الأشخاص المحيطون به، بل الحساسية تجاه الضوء والصوت أو حتى اللمس من الآخرين، حيث يمكن لتلك الأمور أن تصيبه بالغضب العارم.
عدم التحلي بآداب الطعام
بينما يعجز الطفل الذي يعاني من اضطرابات الطيف الذاتوي عن فهم الإشارات الاجتماعية ومحاكاة السلوكيات الطبيعية، فإنه يجد صعوبة شديدة في التحلي بآداب الطعام المعتادة، ليتناول الأكل بصورة محاطة بالفوضى.
الاندفاع
تشكل تلك واحدة من أبرز سلوكيات ضحايا التوحد من الأطفال الصغار، حيث تتمثل في الاندفاع طوال الوقت، وعدم القدرة على ضبط النفس أو التفكير قبل اتخاذ أي خطوة.
نقص الانتباه
من البديهي أن يؤدي مرض التوحد عند الأطفال، إلى المعاناة من درجة ضعيفة تمامًا من التركيز، لتبدو القدرة على الانتباه لدى ضحايا هذا الاضطراب في أسوأ معدلاتها.
السلوك العدائي
ليس المقصود هنا فقط السلوك العدائي من جانب الطفل المصاب بالتوحد تجاه الأطفال الآخرين أو حتى البالغين المحيطين به، بل كذلك السلوك العدائي الذي يوجهه لنفسه في بعض الأحيان دون قصد.
بشكل عام ينصح الخبراء أفراد الأسرة بالانتباه لبعض الإشارات التي تتطلب زيارة الطفل للطبيب سريعًا، ومن بينها عجزه عن رسم الابتسامة في عمر الـ6 أشهر ومحاكاة الأصوات بعد 9 أشهر من الولادة، علاوة على عدم قدرته على استخدام إشارات التلويح في عمر الـ14 أشهر أو نطق الكلمات خلال 16 شهرًا وعبارات مكونة من كلمتين على الأقل مع إتمام العامين.
أسباب التوحد عند الأطفال
لم يفسر العلماء إلى الآن أسباب ظهور مرض التوحد عند الأطفال الصغار، حيث تتعدد النظريات التي كشفوا عنها والتي لا تزيد عن كونها توقعات تبدو صائبة في أغلب الأحيان وتتمثل في:
العوامل الوراثية
لا تعد إصابة الطفل الذي ولد لأم أو أب يعاني من اضطرابات الطيف الذاتوي كفيلة بأن تجعله مصابًا بنفس الاضطراب، إلا أن هناك بعض الحالات التي شهدت معاناة الطفل من التوحد في ظل إصابة أحد أفراد الأسرة بالأزمة نفسها، ليكشف ذلك عن دور العوامل الوراثية أحيانًا في انتقال التوحد من جيل لآخر.
الأزمات الجينية
يشير بعض الخبراء إلى أن الطفرات الجينية أو المشكلات مثل متلازمة الكروموسوم إكس الهش وغيرها، لها دور في زيادة فرص طفل في المعاناة من التوحد مقارنة بغيره، ليكشف ذلك عن وجود بعض الجينات التي يؤدي اجتماعها في جسم واحد إلى ارتفاع مخاطر الإصابة بهذا الاضطراب المزمن.
عمر الأبوين
إن كان الطفل الذي يولد لأبوين في عمر متقدم ينعم ببعض المميزات الخاصة على الصعيد النفسي والعقلي، فإن الجانب السلبي من هذا الأمر قد يتمثل في زيادة فرص معاناته من التوحد، ليبدو تقدم عمر الوالدين وتحديدًا الأب من أسباب ظهور هذا الاضطراب لدى الطفل.
الفيروسات
يرى الخبراء أن بعض الفيروسات وأشكال العدوى قد تتسبب في تحفيز اضطرابات التوحد عند الأطفال، مع الوضع في الاعتبار أن التعرض للسموم أو لبعض المعادن الخطيرة يشكل أحد أبرز المخاطر في تلك الحالة.
أنواع مرض التوحد عند الأطفال
يفرق الخبراء بين اضطراب التوحد الكلاسيكي وبين مجموعة من الأنواع الأخرى التي تندرج تحت قائمة اضطرابات الطيف الذاتوي، والممثلة في:
- مرض التوحد المعتاد والذي كشفنا عن أعراضه الممثلة في صعوبة التواصل والكلام وضعف القدرات وغيرها من العلامات.
- متلازمة أسبرجر قريبة الشبه من مرض التوحد الكلاسيكي ولكنها تختلف من حيث قلة حدتها ومن حيث نسب ذكاء المريض الجيدة.
- الاضطراب الشامل والذي يبدو أكثر تعقيدًا من متلازمة أسبرجر لكنه ليس مؤثرًا بشدة على المريض إلا في أمور التواصل وكره التغيير.
- متلازمة هيلر والتي تظهر أعراضها متأخرة نوعًا ما، ليفقد الطفل المصاب بها المهارات التي اكتسبها في خلال أول عامين من الولادة.
تشخيص مرض التوحد عند الأطفال
يشخص الأطباء التوحد عند الأطفال مع بلوغ العام الأول أحيانًا، وربما بعد إتمام العام الثاني في أحيان أخرى، إلا أن المؤكد أن وضعية الطفل تتطلب اشتراك أكثر من خبير مختلف، ما بين طبيب أطفال وطبيب متخصص في علم النفس وأخصائي تخاطب، للوقوف على حقيقة إصابة الطفل بالتوحد من عدمها.
يرى الباحثون أن الأفضل هو أن يقوم هؤلاء الأطباء باختبار قدرات الطفل في مكان واحد لمشاركة النتائج والنقاش بشأنها، ليشهد الاختبار إذن ملاحظة كيفية قيام الطفل باللعب والتواصل مع الأطفال الآخرين، ومعرفة تاريخ تطوره على مدار الأشهر الماضية، علاوة على إجراء النقاشات مع الأبوين لفهم طبيعة الأعراض التي يعاني منها.
يحتاج الأطباء كذلك إلى تقييم مستوى الطفل على الصعيد اللغوي والذهني، فيما تؤدي ملاحظة معاناته فقط من صعوبة التواصل مع الآخرين، إلى عدم تشخيصه بالتوحد في ظل احتمالية إصابته باضطراب آخر أقل حدة يعرف باسم اضطراب التواصل الاجتماعي.
علاج مرض التوحد عند الأطفال
تساهم بعض الخطوات العلاجية المتبعة بعد التأكد من معاناة الطفل من التوحد، في تحسين جودة حياته في السنوات التالية، حيث لا تتعارض نسب الشفاء المعدومة مع احتمالية نجاح الطفل في مجالات الحياة المختلفة مع السيطرة قدر الإمكان على أزمته، ذلك عند اتباع العلاجات التالية:
العلاج النفسي
هي وسيلة علاج مثالية لمرض التوحد عند الأطفال، إذ ينجح الطبيب مع اكتساب ثقة المريض الصغير، في تعويده على اكتساب بعض المهارات الملائمة لعمره وحالته، من أجل التعايش مع الاضطراب بشكل مناسب، وخاصة مع تعلم طرق التعامل مع المواقف الحياتية مختلفة التفاصيل.
تندرج جلسات العلاج السلوكي المعرفي أسفل قائمة العلاجات النفسية المتنوعة، التي تساهم في علاج التوحد عند الأطفال، مثلما يمكنها تقليل مشاعر القلق والتوتر لدى البشر جميعًا، أو علاج أمراض واضطرابات أخرى مثل اكتئاب ثنائي القطب واضطراب الوسواس القهري.
العلاج بالتخاطب
إن كان تواجد الطبيب النفسي ضروريًا، سواء عند محاولة تشخيص مرض التوحد عند الأطفال، أو في مرحلة العلاج التالية، فإن الأمر نفسه ينطبق على أخصائي التخاطب، الذي يبقى قادرًا في المرحلة الأولى على ملاحظة المشكلات اللغوية لدى الطفل ومدى علاقتها باضطراب التوحد، قبل أن يسعى لعلاجها بعد التأكد من إصابته فعليًا بهذا الاضطراب في الخطوة التالية.
يعمل أخصائي التخاطب إذن على دعم الطفل بالدرجة التي تساعده على نطق الكلمات والعبارات بالطريقة الصحيحة، بعد فهم معانيها المختلفة، قبل أن يساهم كذلك في زيادة فهم الطفل لطرق التواصل المختلفة مع الآخرين، ما يتطلب دون شك الالتزام من جانب الأبوين فيما يخص المتابعة الدورية مع هذا الخبير المتخصص.
العلاج باللعب
لا يمكن تجاهل تلك الوسيلة المستحدثة لعلاج مرض التوحد عند الأطفال، والتي وإن كانت تساهم في تشخيص المرض في البداية، مع ملاحظة طريقة لعب الطفل ومدى اشتراكه مع الأطفال الآخرين من نفس مرحلته العمرية، فإنها تسهل من مهمة العلاج أيضًا فيما بعد.
يعتمد الطبيب المختص على تلك الجلسات من أجل دعم مهارات التواصل لدى الطفل ضحية الذاتوية، قبل أن يساعده من خلال نشاطات مسلية على فهم قيمة التعامل مع الآخرين، وبالتالي يحفزه على محاولة حل المشكلات بصورة تدريجية وجلسة بعد الأخرى بدلًا من تجنبها.
كيفية تعامل الأبوين مع التوحد عند الأطفال
ربما يعاني الأب والأم في حالة إنجاب طفل يعاني من التوحد من التفكير المفرط، سواء في كيفية تطوير الطفل في السنوات التالية، أو في مدى قدرته على الاستقلال بحياته مع نضوجه، ما يتطلب اتباع بعض الخطوات التي تحسن من وضعية ضحية الذاتوية عاجلًا أم آجلًا مثل:
التركيز على الإيجابيات
يبدو الطفل هو المستفيد الأول من تركيز الأبوين على إيجابياته الموجودة بالفعل، مثلما يصبح الأب والأم أكثر قدرة على الاستمتاع بطفلهما في تلك الحالة، حيث يشمل ذلك ضرورة تشجيع الطفل المصاب بالتوحد عند القيام بأي سلوك جيد، لتحسين حالته النفسية بصورة ملحوظة.
كذلك ينصح بمكافأة الطفل عند النجاح في مهمة ما ببعض الهدايا، مع ضرورة البقاء محددًا قدر الإمكان، حتى يفهم الطفل سبب مكافأته والسلوك الجيد الذي قام به، من أجل اعتياده فيما بعد.
الاستمرار والاستمرار
يتطور الطفل ضحية التوحد دون شك مع اتباع الخطوات العلاجية ومع حضوره جلسات التخاطب والعلاج النفسي، ما يتطلب حرص الأبوين على استمراريته في هذا الاتجاه الإيجابي، حتى لا يتعارض ذلك مع فرص تطوره يومًا بعد الآخر.
كذلك يبدو حفاظ الطفل على روتينه فيما يخص اتباع الخطوات العلاجية مفيدًا له من زاوية مختلفة، تتمثل في رغبته الدائمة في تكرار السلوكيات التي اعتاد عليها، لذا يبدو الطفل مستفيدًا كذلك في هذا الجانب.
اللعب
إن كان علاج الطفل بواسطة جلسات اللعب فعالًا، فإن حرص الأبوين على اللعب مع طفلهما المصاب بالتوحد يبقى مطلوبًا بشدة، من أجل زيادة قدراته على التواصل مع الآخرين، وكذلك لتحسين حالته المزاجية التي تسهل من مهمة تعليمه.
يشير العلماء إلى أن اللعب مع الطفل في تلك الحالة، يزيد من عمق العلاقة بينه وبين الأبوين، وهو مكسب آخر يصب في النهاية في مصلحة خطوات العلاج.
إعطاء الوقت
من الوارد أن يصاب الأهل بالإحباط عند تجربة أكثر من طريقة علاجية، وعدم ملاحظة التطور في مرحلة ما، الأمر الذي يجب أن يقابله الأبوان بمزيد من المشاعر الإيجابية، نظرًا لأنها قد تكون مرحلة مؤقتة ولا تتطلب إلا الصبر فحسب.
كذلك يبدو الصبر على الطفل المصاب بالتوحد ضروريًا، حتى لا تتحول المحاولات التي تهدف إلى علاجه بين يوم وليلة، إلى حمل ثقيل يكرهه المريض وربما يقلل من رغبته في تلقيه.
إشراك الطفل
قد يعاني الأب أحيانًا عند محاولة دفع الطفل إلى مشاركته في النشاطات اليومية، والتي تتمثل على سبيل المثال في الذهاب للسوق لشراء الاحتياجات المنزلية، في ظل عدم القدرة على توقع ردود فعل الطفل خارج المنزل، إلا أن هذا لا يتطلب الاستسلام بأي حال من الأحوال.
ينصح بالحرص على اصطحاب الطفل في تلك الجولات السريعة للشراء أو زيارة الأصدقاء، كونها تزيد من فرص الطفل مريض التوحد في التعود على العالم الخارجي، الذي يبدو مخيفًا له في البداية قبل أن يعتاد عليه مع التكرار.
نصائح للأبوين عند تربية طفل التوحد
إن كانت النصائح السابقة تضمن بدرجة أو بأخرى تحسين حالة الطفل الذي يعاني من التوحد، فإن النصائح التالية تنعكس على الطفل أيضًا، ولكن بعدما تفيد الوالدين وتحميهما من مشاعر سلبية عدة تقترن بهذا المرض.
تحديد أسباب التوتر
تبدو معاناة الأب أو الأم من التوتر واردة للغاية في حال معاناة الابن من اضطرابات الطيف الذاتوي، لكن المطلوب هنا هو تحديد السبب المحدد وراء هذا القلق، فسواء كان يتعلق بالخوف من المستقبل أو التوتر من احتمالية عدم تطور الحالة الخاصة بالطفل، فإن المطلوب هو القراءة عن الأمر مع استشارة المتخصصين والتحدث للأشخاص المقربين، لتجاوز الحالة النفسية السيئة سريعًا.
التأمل والاسترخاء
يبقى الأب والأم لطفل يعاني من التوحد، هما الأكثر حاجة لـ جلسات التأمل التي تحسن الحالة النفسية، وتقلل كثيرًا من المشاعر السلبية كالقلق والتوتر على سبيل المثال، ما يكشف هنا عن ضرورة تحديد بعض الأوقات للاسترخاء التام، كي تساعد أفراد الأسرة على إعادة تكرار المهام العلاجية مع الطفل يومًا بعد الآخر.
الرياضة
إن كان الذهاب لصالات الألعاب الرياضية أو حتى المشي في الشوارع من المهام المعقدة في ظل طول ساعات العمل وضرورة الاهتمام بالطفل الذي يعاني من التوحد عند البقاء بالمنزل، فإن الحل يبقى في ممارسة الرياضة داخل المسكن أو حتى بغرفة النوم، مع الحرص على عدم استخدام السيارة قدر الإمكان في الرحلات القصيرة، للاستفادة من دور المشي بشكل خاص والرياضة بشكل عام في تحسين الحالة النفسية والعضوية أيضًا.
النوم
ليس هناك ما هو أفضل من النوم في ساعات منتظمة، من أجل إعادة شحذ الهمم ليوم تالٍ مليء بالنشاط، فيما ينصح عند المعاناة من الأرق بالاعتماد على جلسات التأمل والاسترخاء مع تجنب مشروبات الكافيين وأي من الأكلات التي تزيد من صعوبات النوم.
الاتزان
ربما يعتقد البعض أن تخصيص الوقت بالكامل للاعتناء بالطفل هو الخيار الأنسب، إلا أن ذلك قد يقلل من عزيمة الأبوين ويزيد من قلقهما وليس العكس، ما يتطلب الاتزان دومًا، بحيث تبقى الأولوية للطفل، ولكن مع تحديد بعض الأوقات للخروج مع الأصدقاء وممارسة الهوايات، لينعكس ذلك في النهاية على حالة الطفل.
طلب المساعدة
إن بدت المهام ثقيلة تمامًا على الأبوين، فإنه لا توجد أي أزمة في استشارة المتخصصين وطلب المساعدة من جانبهم، حيث يمكن للطبيب النفسي أن يفسر ببساطة سر متاعب الأب أو الأم عند محاولة الاعتناء بطفل الذاتوية، ليبقى قادرًا فيما بعد على تحديد العلاج المناسب لهما، قبل أن يزداد الوضع سوءا.
في كل الأحوال، تبدو مهمة الأبوين غير سهلة عند التعامل مع مرض التوحد عند الأطفال، إلا أن اكتشاف أعراض الأزمة مبكرًا، والحرص على توفير طرق العلاج المتنوعة، قد يؤدي يومًا ما إلى تطور الطفل بصورة لم يتوقعها أشد المتفائلين.