ربما نجد الكثير لا يعرف من هو الحاجب المنصور؟ لذلك فقد حان الوقت للتعرف على قائد عظيم من قادة الأندلس، الذي خاض أكثر من 50 معركة ولم يهزم أبدًا لذلك أطلق عليه لقب المنتصر، إنه فاتح برشلونة وقائد غزوة “ليون” التي تجمعت فيها جيوش أوروبا مع جيوش ليون وكتب للمسلمين بقيادته النصر، إنه الحاجب المنصور محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري.
نشأة الحاجب المنصور
كان جدُّه عبد الملك المعافري من المجاهدين الذين فتحوا بلاد الأندلس، ثم استقر في جنوب الأندلس، وكان والد المنصور من رجال الدين يزهد في المناصب ويفضل البعد عن بلاط السلطان، وتذكر المصادر التاريخية أن أبا المنصور توفي في مدينة طَرَابُلُس، بعد أن أدى فريضة الحج، وأمه هي بُرَيْهَة بنت يحيى من قبيلة بني تميم العربية.
تربى الحاجب المنصور على الدين والورع، وتعلَّم الحديث والأدب، ثم انتقل إلى قرطبة لتلقي العلم، وكان طالبا نابغة فنال الإجازة قبل أن يتم عامه العشرين.
كيف وصل الحاجب المنصور إلى قصر الخلافة؟
كان لذكاء وطموح الحاجب المنصور دور كبير في توليه منصب كاتب القاضي محمد بن إسحاق بن السليم، الذي أعجب بذكائه، وأوصى به الحاجب (منصب يوازي منصب رئيس الوزراء الآن) جعفر بن عثمان المصحفي، وفي ذلك الوقت وضعت الجارية صبح البشكنجية –جارية الخليفة الحكم المستنصر- ابنها الأول عبد الرحمن فطلب الحكم المستنصر مربيا ومديرا لأملاك ولده من صبح، فرشَّح الحاجب المصحفي محمدَ بن أبي عامر لذلك المنصب ومن هنا كانت البداية.
حاز المنصور على إعجاب كل من الحكم المستنصر، والحاجب جعفر المصحفي، وأم الولد صبح البشكنجية، ثم توفي عبد الرحمن طفلاً صغيرًا، ثم ولدت صبح ولدها الثاني ”هشام” فتولى المنصور رعايته مثل ما تولى رعاية أخيه المتوفى سنة (359هـ)، وبسبب ذكائه وطموحه تدرَّج في المناصب العليا، إلى أن وصل إلى منصب قاضي القضاة في شمال إفريقيا، ثم عينه الحكم المستنصر ناظرًا على الحشم وهو في مرض موته.
رغم أن المنصور كان صغير السن والخبرة، إلاَّ أنه كان يثبت كفاءة عالية في كل المناصب والتكاليف التي تقلدها، فأثبت أنه رجل دولة من الطراز الأول.
ويذكر بعض المؤرخين أن سبب وصول المنصور إلى تلك المناصب بجانب براعته وذكائه، قربه من أمَّ هشام المؤيد “صبح البشكنجية”، وجارية الحكم المستنصر لتولية رعاية ابنها.
توفي الحكم المستنصر، وحدث انقلاب من الصقالبة الذين كانوا يرون أن هشام المؤيد لا يصلح للحكم لصغر سنه، وبسبب دهاء وشجاعة المنصور قُضي على انقلاب الصقالبة، واستقر الحال لهشام بن الحكم المؤيد بالله.
الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر وصبح البشكنجية
تذكر بعض المصادر التاريخية أن الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر وصبح البشكنجية كان بينهما علاقة عاطفية، وأن هذه العلاقة هي السبب الرئيسي لتولي المنصور مناصب رفيعة في الدولة، والحقيقة أنه من الصعب الجزم بصحة هذه الروايات، ويرى بعض المؤرخين أن سبب تقرب الجارية صبح من المنصور، أن لا بُدَّ لهما من وجود ابن الحكم المؤيد بالله في منصب الخليفة ليبقي على مكانته في الدولة، أما صبح جارية فغريزة الأمومة جعلتها تجاهد حتى يصبح ولدها هو الخليفة.
الحملات العسكرية للمنصور بن أبي عامر
كان ضعف الخليفة الصغير وانسحاب رجال الدولة جميعًا، سببا في هجوم الصليبيين وهنا برزت شخصية المجاهد والقائد المنصور، حيث قام بتجهيز الجيش للجهاد في سبيل الله، وقام باختيار مَنْ يخرج معه من الرجال، وسار في رجب سنة (366هـ) إلى الشمال، واستطاع الاستيلاء على حصن الحامة وربضة، وعاد إلى قُرْطُبَة بعد حوالي شهرين من خروجه منتصرًا ومعه الغنائم، فأدخل على أهل قرطبة الفرح، وزاد حبُّهم وتقديرهم له، وأحبه أيضا الجنود الذين كانوا معه.
وهكذا انتهت الغزوة الأولى لصالح المسلمين، ولم تفتر همة المنصور بعد هذه الغزوة، بل واصل الجهاد وتذكر المراجع التاريخية أن الحملات العسكرية للمنصور بن أبي عامر حوالي 52 حملة انتهت جميعا بانتصاره، ولا توجد تفاصيل عن هذه الغزوات بسبب ضياع المصادر التاريخية، كما تذكر المصادر التاريخية أن المنصور هو الحاكم الوحيد من حكام الأندلس الذي كان يسعى دائماً للهجوم، فكل الحكام كان هدفهم الأول هو الدفاع عن حدود الدولة، أما المنصور فكان يدخل المعارك بهدف توسيع حدود دولته والقضاء على أي عدو يمكن أن يهدد طموحه.
قاد المنصور في نهاية سنة 374 هجرياً جيشه من قرطبة تجاه غرناطة متجها إلى برشلونة وحدثت معركة عظيمة خارج أسوار المملكة مع جيش برشلونة بقيادة الكونت بوريل، انتهت بانتصار جيش الأندلس، وبعد أقل من أسبوعين دخل جيش المنصور المدينة بالفعل.
وفاة الحاجب المنصور
قضى المنصور عمره كله في صراعات سياسية ومعارك حربية، فكان محبًا للجهاد، وكانت أعز أمانيه أن يموت وهو يجاهد في سبيل الله وكان يجهز نفسه لتلك اللحظة، وقيل إنه كان يحمل كفنه معه في كل غزواته، كما كان يطلب من خدمه أن يجمعوا له غبار المعارك من على وجهه بعد كل غزوة، فكانوا يجمعونه بالمناديل إلى أن جمعوا له صرة غبار، فكان دائما يأخذها معه في الغزوات وأوصى بدفنها معه بعد وفاته، وفي عام 392 هجريا خرج المنصور من مدينة سالم سنة لغزو مملكة قشتالة، وتحرك ناحية مدينة ناجرة ومنها توجه لمدينة بُرغش، وهناك اشتد عليه المرض فرجع إلى مدينة سالم من شدة المرض وتوفي عن عمر يناهز 60 عاما.