يعد الذهان الوجيز إحدى المشكلات العقلية النادرة، التي وإن صنفت باعتبارها من أشكال الأزمات الذهانية المعروفة بدورها في إصابة المرضى بالهلاوس والأوهام، فإنها في الواقع تعد أقلها خطورة وتأثيرًا عليهم، إن تم التعامل معها بحذر وانتباه.
الذهان الوجيز
يعرف الخبراء والباحثون الذهان الوجيز الذي يطلق عليه كذلك الفصام الذهاني الوجيز، بأنه ذلك الظهور المفاجئ لمجموعة من الأعراض الذهانية، المؤثرة على سلوكيات وطرق تفكير المريض، ولكن لفترة وجيزة لا تصل إلى شهر واحد.
تبدأ أعراض الذهان الوجيز في الظهور للمرة الأولى وربما الأخيرة للمريض في مرحلة الشباب، وتحديدًا في العشرينات من العمر أو الثلاثينات في بعض الأحيان قبل أن تختفي سريعًا، فيما تتحدد عودتها من جديد أو اختفاؤها للأبد وفقًا لكل حالة.
من المعتاد أن يكون مريض الذهان الوجيز مصابًا من قبل بأمراض عقلية أو نفسية أخرى مثل الاكتئاب والقلق الشديد، أو اضطرابات في الشخصية مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو اضطراب الشخصية الزوراني أو الارتيابي، إلا أن بعض الحالات تظهر لديها أعراض هذا الاضطراب الذهاني الوجيز دون سابق معاناة من أي أزمة نفسية.
أنواع الذهان الوجيز
يمكن تقسيم الذهان الوجيز إلى 3 أنواع مختلفة، حيث يكشف كل نوع عن سبب أو عرض قد يرتبط بظهور هذا الاضطراب، كما يلي:
الاضطراب الذهاني الوجيز الناتج عن ضغوطات
تظهر أعراض هذا النوع من الذهان الوجيز بعد التعرض لصدمات قاسية أو ضغوط صعبة كما يكشف اسمه، فسواء كانت وفاة لشخص مقرب أو حادثا مؤلما للشخص نفسه أو حتى كارثة طبيعية أثرت بالسلب على تفكيره، فإن أعراض الاضطراب الذهاني الوجيز تعتبر هي الانعكاس لتلك الضغوط النفسية.
الاضطراب الناتج عن الضغوطات
يكشف اسم هذا النوع من بين أنواع الذهان الوجيز، عن عدم ظهور أعراضه جراء ضغوطات كما هو الحال في النوع السابق، بل يعاني منه المريض دون أن يكون ضحية لصدمة قوية أو حادث أليم، ليبدو أكثر غموضًا من غيره.
الاضطراب الذهاني الوجيز للأم بعد الولادة
هو النوع الثالث والأخير من بين الاضطرابات الذهانية الوجيزة، والذي لا يصيب إلا النساء، وتحديدًا اللاتي أنجبن منذ فترة قصيرة، إذ تبدو فرص ظهور أعراضه أكثر ارتفاعًا خلال الـ4 أسابيع الأولى من الولادة.
أعراض الذهان الوجيز
تبدو أعراض الذهان الوجيز متشابهة مع تلك الأعراض الخاصة بالنوبات الذهانية المعتادة، الاختلاف الوحيد هو الفترة القصيرة من الوقت التي تظهر بها تلك العلامات المرضية المزعجة مثل:
الهلوسة
هي كل الهلاوس المؤثرة على حواس الإنسان، لتؤدي إلى تخيله رؤية أشياء أو سماع أصوات غير حقيقية بالمرة، أو تدفعه إلى الاعتقاد بأنه يشم رائحة أو يتذوق شيئا غير معتاد، أو ربما يعاني خلالها من الإحساس بأن شخصا ما قام بلمسه.
التوهم
يعاني مريض الاضطراب الذهاني الوجيز مثله مثل مرضى الفصام أو الشيزوفرينيا، وضحايا النوبات الذهانية، من الأوهام التي تعبث بأفكاره، حيث يظن أنه ضحية مكيدة أو فخ ينصب له من جانب غرباء أو مقربين، فيما يعتقد أحيانًا بأنه شخص خارق القدرات أو ربما فوق البشر.
التفكير المفكك
تؤدي الأعراض السابقة دون شك إلى التأثير بالسلب على قدرات مريض الذهان الوجيز المتعلقة بالتفكير والتحليل، ليبدو تائهًا يعاني من الحيرة الدائمة ولا يستطيع اتخاذ القرارات بالصورة التقليدية مثل سائر البشر، علمًا بأنه يواجه مشكلات مختلفة خاصة بضعف الذاكرة.
الكلام المبعثر
لا يعد التفكير وحده ما يتأثر لدى مريض الذهان الوجيز، بل كذلك طريقة الكلام التي تصيب المستمع بالتشتت أحيانًا وبالحيرة في أحيان أخرى، فما بين عدم وضوح نطق الكلمات أو معاني العبارات وعدم منطقية الحديث والانتقال من موضوع لآخر دون وجود ارتباط بينهما، يبدو التواصل مع المريض من التحديات.
السلوكيات الغريبة
إن كانت الأفكار مشتتة والكلمات مبعثرة في ظل وقوع العقل تحت سيطرة الهلاوس والأوهام، فإن النتيجة المؤكدة هنا هي قيام مريض الذهان الوجيز بالكثير من التصرفات والسلوكيات التي تثير تعجب المحيطين كافة، حتى وإن ظهرت فقط في شكل الملابس أو درجة الاعتناء بالنفس.
الروتين المتغير
يتعرض الشخص المصاب بهذا الاضطراب الذهاني الوجيز، إلى تغيرات شبه مفاجئة في روتين حياته، حيث تختلف شهيته كما تتغير مواعيد وعادات نومه، علاوة على أن الاختلاف قد يظهر في الوزن أو في مستوى الطاقة.
أسباب الذهان الوجيز
لم يتوصل العلماء بشكل قاطع إلى أسباب المعاناة من الذهان الوجيز، إلا أن العامل الوراثي يبدو هو المتهم الأول في أعين الباحثين حتى الآن، نظرًا لانتشار المرض نسبيًا بين الأشخاص الذين يملكون تاريخًا مرضيًا مع إصابات عقلية أو نفسية مثل الذهان والاكتئاب واضطراب ثنائي القطب.
كذلك يربط بعض الخبراء بين الحالة الذهنية المذكورة وبين ضعف قدرة الإنسان على التأقلم، حيث يلجأ المريض رغمًا عنه إلى أعراض الذهان الوجيز كوسيلة دفاع خاطئة للهرب من مواقف مخيفة أو صدمات تصيبه بالتوتر الشديد.
لا يمكن تجاهل دور فترة الولادة الصعبة على الأم التي تزداد فرص معاناتها من هذا الاضطراب الذهاني في الشهر الأول من الإنجاب.
تشخيص الذهان الوجيز
يحتاج الأمر عند محاولة التأكد من إصابة شخص بالاضطراب الذهاني الوجيز، إلى استشارة الأطباء المتخصصين، من أجل الاطلاع على تاريخ المريض على صعيد الصحة العضوية والنفسية في بادئ الأمر.
يعتمد الطبيب المختص كذلك على بعض الاختبارات والتحاليل، مثل اختبار الصحة الجسدية وتحليل الدم أو البول، من أجل التأكد من أن الأزمة ليست ناجمة عن أي مرض عضوي أو سلوك خاطئ مثل تعاطي المواد الممنوعة على سبيل المثال لا الحصر.
من الوارد أن يطلب الطبيب من المريض إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي على المخ، تحسبًا لوجود أزمة في الدماغ تسببت في ظهور أعراض المرض، فيما ينصح لاحقًا ومع التأكد من عدم إصابته بأي أزمة عضوية أخرى، بزيارة الطبيب النفسي لمزيد من التأكد من معاناته من الذهان الوجيز وللكشف عن علاجاته أيضًا.
علاج الذهان الوجيز
ربما يتسم الذهان الوجيز بأنه أقل أنواع المشكلات الذهانية خطورة، نظرا لعدم استمراريته لفترة تطول عن الشهر، إلا أن بعض الحالات تشهد عودة أعراضه المؤقتة مرات أخرى، لتتضح الإصابة بالفصام، ويصبح الحصول على العلاجات التالية من البداية هو الخيار الأنسب:
الأدوية العلاجية
تعد العلاجات الدوائية هي الخيار الأول للطبيب النفسي، الذي يأمل قبل أي شيء في إيقاف مد أعراض الذهان المزعجة حتى إن لم تكن لتستمر إلا لأسابيع فحسب، حيث تبدو مضادات الذهان مثل هالدول وتريلافون وستيلازين وغيرها، قادرة على تقليل الهلاوس والأوهام.
من الوارد أن يحتاج المريض إلى أدوية أخرى، إن كان يعاني كذلك من القلق الشديد أو من صعوبات في النوم، حينها يصبح دواء مثل فاليوم أو لورازيبام هو الخيار المناسب، مع الوضع في الاعتبار أن تناول تلك الأدوية كافة أو التوقف عن الحصول عليها هو قرار مصيري يتخذ من قبل الطبيب وحده.
الجلسات النفسية
يحتاج مريض النوبات الذهانية دومًا إلى مزيج يجمع بين الأدوية العلاجية والجلسات النفسية، فبينما تسيطر الأولى على أعراضه، فإن الثانية تزيد من وعيه بها من أجل مزيد من السيطرة وقليل من العناء، بعد معرفة العوامل المحفزة لظهورها من الأساس.
كذلك تساهم الجلسات النفسية في علاج آثار النوبات الذهانية المؤقتة، والتي تبدو مخيفة للمريض أحيانًا، لذا تأتي أهمية التحدث مع الطبيب عن مخاوفه وعن كيفية تعامله مع مشاعر القلق أو الإحراج من تلك النوبات.
في النهاية، يعد الذهان الوجيز أقل تأثيرًا من النوبات الذهانية ومن الشيزوفرينيا على المرضى، إلا أن التعامل معه باهتمام شديد في ظل المتابعة مع الطبيب المختص والسير على الخطة العلاجية الموضوعة، يظل هو الضمان من أجل بقاء الأمر تحت السيطرة.