لا يدرك البعض أن مجرد الشعور بمعاناة الآخرين يعتبر من ضمن سمات فريدة يملكها قليل من البشر، غالبًا ما يقدمون الدعم بالكلام أو بالفعل، ولم لا وهم أصحاب الشخصية العطوفة، ذات المشاعر الرقيقة والمواقف القوية، والتي لا تضر إلا نفسها عند المبالغة في التعاطف والإحسان.
الشخصية العطوفة
تعتبر الشخصية العطوفة واحدة من أكثر الشخصيات رقة؛ بدرجة تجعلها قريبة الشبه من الشخصية الحساسة، من ناحية سهولة الإحساس بما ينتاب الآخرين من مشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فيما يختلف رد الفعل وفقا لنمط الشخصية.
ترى الكاتبة والدكتورة جوديث أورلوف أن الشخصية العطوفة تبدو مثل قطعة إسفنج لها قدرة على امتصاص مشاعر السعادة أو التوتر التي تملأ العالم، وهو أمر يبدو مفيدًا أحيانًا لتلك الشخصية، لكنه يضرها في أحيان أخرى، في ظل عدم امتلاكها جهاز فلترة يحميها من المشاعر السلبية الزائدة.
أنواع ودرجات التعاطف
لا يوجد شك في أن الشخصية العطوفة تنجح دون جهد في فهم مشاعر الآخرين، إلا أن مدى إيجابية رد الفعل تختلف وفقًا لدرجة التعاطف لدى كل شخص كما نوضح.
الملاحظة
يعد الإدراك والملاحظة أشبه بدرجة التعاطف الأولية، والقادرة على دفع الشخصية العطوفة لإدراك مشاعر الحزن التي انتابت شخصا مقربا بعد أن فقد عمله على سبيل المثال، لكنها لا تحفزه على القيام بأكثر من ذلك.
الشعور
في هذا المستوى الأعلى من التعاطف، يصل الشخص إلى مرحلة المرور بنفس مشاعر الحزن التي انتابت الشخص المقرب، حيث يضع نفسه في مكانه مع تخيل موقف شبيه عانى فيه من مجرد احتمالية فقدان وظيفته، ليبدو أكثر جاهزية للتدخل.
الدعم
لا تكتفي الشخصية العطوفة عند الوصول لهذا المستوى، بملاحظة معاناة الصديق الذي فقد عمله، ولا حتى بمجرد الإحساس بما يمر به من مشاعر حسرة وإحباط، بل تتدخل بالشكل المناسب لتحسين حالته النفسية بالكلام أو ربما بإيجاد وظيفة أخرى مناسبة له.
صفات الشخصية العطوفة
ترى طبيبة علم النفس الأمريكية كيم إيجل، أن الشخصية العطوفة تعتبر أكثر حساسية تجاه كل ما يحيط بها، من بشر أو جمادات أو مجرد أصوات، ليكشف لنا ذلك عن صفات تلك الشخصية الفريدة.
التعاطف الشديد
تعتبر القدرة على فهم تجربة الطرف الآخر ومن ثم مشاعره، من صفات الشخصية العطوفة، حيث يكشف ذلك عن الفارق بين شخص تقليدي قد لا يبدو مهتمًا حينما يدرك أن الكلب المرافق لصديقه منذ سنوات قد رحل بعد مرضه، وآخر عطوف فيفهم جيدًا درجة الألم الذي يعتصر قلب شخص فقد رفيقه الأليف.
اتباع الحدس
إن كان الاستماع للحدس في كل المواقف لا يعد من المنطق، فإن قيام الشخصية العطوفة بذلك ولو في بعض المواقف يبدو شديد المنطقية، نظرًا لأنها تتمتع بحدس مرتفع الجودة، يؤهلها لفهم الآخر من طريقة كلامه، وبالتالي اكتشاف صدقه من خداعه، ما تؤكده خبيرة علم النفس بيري ساسكيند، والتي تشير للحدس باعتباره سلاح الشخصية العطوفة لاكتشاف مدى صدق الطرف الآخر في العلاقات العاطفية.
الاستماع الجيد
تعد الشخصية العطوفة هي المثالية عند سماع شكاوى الأصدقاء، حيث تملك القدرة على الاستماع الجيد قبل تقديم الدعم النفسي المطلوب، لتبدو تلك من صفاتها الإيجابية دون شك، والتي تتطلب الحذر حتى لا تضر صاحبها إن تحمل فوق طاقته.
الراحة وسط الطبيعة
ربما يشعر الجميع بالراحة عند التواجد في الأماكن الطبيعية الساحرة، إلا أن مشاعر الاسترخاء والاستمتاع تبدو مضاعفة لدى الشخصية العطوفة، إذ تجد في تلك الأماكن الهادئة فرصة للراحة من المشاعر المختلطة والأصوات المرتفعة، لذا يمكن للمشي ساعة واحدة في الحدائق أن يرفع معنويات تلك الشخصية بدرجة غير متوقعة.
كره الخلافات
يسعى الشخص العطوف إلى تجنب الخلافات بكل الطرق، حيث يتسم بدرجة مرتفعة من الحساسية تجعله عرضة للأذى النفسي عند وقوع خلاف ما، لذا يفضل تجنب ذلك وخاصة وأنه لا يعاني حينها من مشاعره السلبية فحسب، بل كذلك من مشاعر الطرف الآخر التي يمتصها دون إرادته.
رؤية العالم من منظور مختلف
تحظى الشخصية العطوفة بدرجات فائقة من الحساسية تؤهلها لجمع المشاعر المتناثرة للآخرين، ورؤية العالم من خلالها بأكثر من منظور مختلف، لتبدو الاستفادة من ذلك واردة في أمور أخرى بخلاف القدرة على الدعم والمساندة، مثل إمكانية النجاح في الأعمال الإبداعية أو الوظائف التي تتطلب التعامل مع البشر ومشاعرهم.
سلبيات الشخصية العطوفة
بالرغم من تعدد صفات الشخصية العطوفة الإيجابية، إلا أن تلك المميزات هي نفسها سبب وجود بعض السلبيات إن زاد الأمر عن الحد الطبيعي، كما نوضح.
الرغبة في الابتعاد
تملك الشخصية العطوفة الطاقة اللازمة لدعم الآخرين بعد الشعور بدرجات معاناتهم بدقة، إلا أنها تحتاج للابتعاد عن الجميع أحيانًا لشحن طاقتها، وهو أمر يبدو مزعجًا عند الوقوع في علاقة حب تكلل بالزواج، حيث يجد الشخص العطوف أزمة في قضاء أغلب الوقت مع شريك الحياة، لذا فإن كشف عن ذلك أملًا في الانعزال قليلًا، فإنه يشعر بمعاناة الطرف الآخر ليجد نفسه يعاني مثله فيما بعد.
كره الأجواء الصاخبة
لا تجد الشخصية العطوفة راحتها في الأماكن المزدحمة ذات الأجواء الصاخبة، نظرًا لأنها تمتص كل ما يحيط بها من مشاعر، سواء كانت إيجابية أم سلبية، وهو أمر آخر يدفعها للرغبة في الانعزال، ليبدو ذلك مزعجًا للأطراف الأخرى.
الإحباط عند الفشل
ليس المقصود هنا هو الفشل في التجارب الحياتية أو العملية الخاصة، بل الفشل في مساعدة الآخرين عند إدراك معاناتهم، إذ يبدو الشخص العطوف في حالة من التأهب لتغيير الواقع المؤسف للطرف الآخر، فيما يؤدي عدم نجاحه في ذلك ولو لمرة واحدة، إلى شعوره بالإحباط.
عدم وضع الحدود
تجد الشخصية العطوفة بما تتحلى به من مشاعر رقيقة ورغبة شديدة في المساعدة، أزمة كبرى في إمكانية وضع الحدود المناسبة لها مع الآخرين، فحتى إن فقدت تلك الشخصية طاقتها فإنها تسعى لاستكمال هدفها المتمثل في دعم من يحتاج، ولو على حساب اتزانها النفسي.
صعوبة تفسير المشاعر الخاصة
بالرغم من قدرة الشخصية العطوفة على فهم مشاعر الآخرين بسهولة شديدة، فإنها كثيرًا ما تجد صعوبة في تفسير مشاعرها الخاصة للآخرين، والسر في أنها تتمتع بدرجات أعلى من الحساسية تؤهلها لاختبار أمور شديدة الخصوصية، لذا فهي تفضل الغوص في أعماق الآخرين بدلًا من الكشف عن مشاعرها المعقدة والتي قد تفسر بشكل خاطئ.
انتقاد الذات الدائم
في وقت تتمتع فيه الشخصية العطوفة بدرجة عالية من الحساسية، وبينما تبقى قادرة دومًا على تمييز مشاعر الحزن السلبية لدى الأشخاص المحيطين، فإنها تقع في كثير من الأحيان في أزمة انتقاد الذات الزائد عن الحد، فسواء نتج ذلك عن شعور وهمي بالتقصير، أو كان جراء توبيخ النفس بسبب التعاطف بصورة مبالغة ومضرة بها أحيانًا، فإن تلك الشخصية تصبح ضحية الانتقاد الذاتي السلبي إن لم تسيطر على الأمر.
طرق التعامل مع الشخصية العطوفة
يبدو التعامل مع الشخصية العطوفة سهلًا إن راعى الشخص رقة مشاعرها وكذلك اختلاف طبيعتها، عبر الخطوات التالية:
- إدراك الوقت المناسب للكف عن الشكوى حتى وإن لم يبدُ صاحب الشخصية العطوفة منهكًا.
- فهم طبيعة الشخصية العطوفة الراغبة في الانعزال أحيانًا، وعدم لومها على ذلك.
- مراعاة حساسيتها الشديدة، وإمكانية معاناتها من الحزن لمجرد نعتها بكلمة أو صفة تبدو عابرة.
- عدم استغلال طبيعتها المتعاطفة من أجل نيل الاهتمام أو أي مكاسب أخرى.
- التأكد من أن طبيعة الشخصية العطوفة الغريبة أحيانًا، هي نتاج طاقة كبيرة من الخير بداخلها.
كيفية علاج سلبيات الشخصية العطوفة
تبدو سلبيات الشخصية العطوفة نتاجًا لإيجابياتها، لكنها تستحق التدخل السريع لتبقى متعاطفة مع الآخرين دون أن تتسبب في الضرر لنفسها، ذلك عبر الخطوات التالية:
اعتياد كلمة لا
ربما يعتبر اعتياد كلمة لا في الوقت المناسب، هو أول طريق حماية الشخصية العطوفة من خطر استهلاك الطاقة من أجل الآخرين، فبينما يبدو رفض الاستماع لشكاوى ومشكلات الأصدقاء من الأمور المعقدة بالنسبة لتلك الشخصية الحساسة، فإن ترك الأمور دون ضبط أو ربط وعدم وضع أي حدود، يعني التعرض لأضرار نفسية لا حصر لها بمرور الوقت.
التأمل والاسترخاء
تجد الشخصية العطوفة راحتها في الأماكن الهادئة والطبيعية كما ذكرنا من قبل، لذا يبدو تجاهل تلك الحقيقة من مسببات الألم لتلك الشخصية، ما يعني ضرورة إلزام النفس بتحديد أوقات استرخاء يمكن قضاء بعض منها في الحدائق أو الشواطئ، أو من أجل ممارسة نشاطات مفيدة مثل التأمل، ليسترد المرء حينها طاقته الضائعة.
بناء حاجز مضاد للسلبية
يحتاج الشخص العطوف إلى بناء حائط صد أمام الطاقات السلبية، التي قد لا تأتي فقط عبر شكاوى وأحزان الآخرين، بل كذلك عبر أزمة الانتقاد الذاتي السلبي، ما يتطلب تعويد النفس على استبدال أي من العبارات المؤلمة بأخرى إيجابية بعد تحليلها، مثلًا إن وجدت نفسك تشعر بأنك كنت ساذجًا في موقف ما، فعليك بأن تتذكر مواقف أخرى تعاملت فيها بذكاء شديد، لتدرك أن الموقف الأخير كان عرضيًا ولا يمكن الوقوف عنده أو الحكم على الذات من خلاله.
ملاحظة الخدع النفسية
من الوارد أن تصبح الشخصية العطوفة ضحية لبعض من الخدع النفسية التي يمارسها طرف آخر يدرك طبيعتها الرقيقة والمنتقدة للنفس، ما يدفعه حينها إلى السيطرة على مشاعرها إما بادعاء المعاناة الشديدة أو عبر اتهامها بالتقصير وعدم الدعم، هنا تأتي أهمية إدراك الشخصية العطوفة لاحتمالية الوقوع في تلك العلاقات السامة، إن لم تعتد وضع الحدود والإعلان عن الرفض في الوقت المناسب.
الرأفة بالنفس
تقودنا النقطة السابقة إلى أهمية رأفة الشخصية العطوفة بنفسها قبل أي شخص آخر، حيث تحتاج للتعامل مع مشكلاتها الخاصة بنفس الطريقة التي تتناول بها مشكلات الآخرين، ما يتطلب إدراك سبب الأزمة وعدم توجيه سهام النقد الذاتية فور ملاحظتها، بل العمل على علاجها وتخفيف حدتها على النفس عبر التأكد من أنه لا يوجد شخص كامل أو يخلو من الأخطاء.
أفضل مجالات العمل للشخصية العطوفة
تحدد فرص نجاح الشخصية العطوفة في نطاق العمل، وفقًا لمدى قدرتها على اختيار الوظيفة المناسبة لطبيعتها الخاصة، حيث تبدو ملائمة تمامًا لواحدة من الوظائف التالية:
وظائف الدعم النفسي
يعد العمل في مجالات الدعم النفسي، مثل العمل في مهنة الطب النفسي أو العمل الاستشاري للطلاب في المدارس، ملائمًا لتلك الشخصية العطوفة، التي يمكنها التعامل مع الشخصيات المتكتمة، وسواء كانت تجنبية أو تعاني من الإنكار من الأساس، من أجل اكتشاف مشاعرها الداخلية، فيما تصبح قادرة على علاج أزماتهم، ليس لأنها مرت بها من قبل، بل لأنها تتمتع بدرجة الذكاء العاطفي المناسبة لذلك.
المهن الطبية
إن كانت الأعمال التي تشهد تقديم الدعم النفسي ملائمة للشخصية العطوفة، فإن شتى مجالات الطب تبدو مناسبة لتلك الشخصية، إذ يلاحظ أن شعور المريض بالألم لا ينتج فقط عن مرضه أو حتى عن حادث سقوطه وإصابة جسده، بل نتيجة التأثر النفسي بما يمر به، ما يجعل الطبيب أو حتى الممرض الذي يتسم بصفات العطف مؤهلًا للتخفيف عن مريضه عضويًا ونفسيًا أيضًا.
التعليم
هل هناك ما هو أفضل من معلم يجيد قراءة مشاعر طلابه الصغار؟ إذ لا يتلخص نجاح المعلم في العادة في قدرته على شرح المادة العلمية، بل كذلك في إدراك كيفية إيصال تفاصيلها للطلاب مختلفي القدرات، علاوة على ملاحظة الأوقات التي يعاني فيها الطالب من الملل أو التعب، لتبقى مهمته هنا إعادة النشاط للأجواء وليس مجرد إكمال الحصص الدراسية دون اكتراث.
التسويق والمبيعات
تبدو وظيفة التسويق كذلك مناسبة للشخصيات العطوفة، القادرة على وضع أنفسها مكان العملاء، من أجل تحديد طبيعة المنتج وشكله وطريقة الدعاية له بما يتناسب مع شخصيات الزبائن، الأمر الذي ينطبق على وظيفة مسؤول المبيعات القادر على فهم مشاعر العملاء واختياراتهم وبالتالي يعلم كيفية إقناعهم بالشراء بالطريقة الأنسب لهم، وإن كانت طبيعة تلك الوظيفة بما تشهد أحيانًا من توتر وصراعات، غير مناسبة للشخص العطوف إن كان شديد الحساسية.
خدمة العملاء
لا يوجد شك في أن وظيفة خدمة العملاء تبدو ملائمة للشخصيات العطوفة، التي يمكنها توفير أفضل ما يرغب فيه العميل من تعامل احترافي لا يخلو من الودية، بل ويعد الشخص المتعاطف مثاليًا للعمل في أقسام الشكاوى، كونه اعتاد سماعها وحلها على مدار حياته، ليبدو في تلك المرة قادرًا على الحصول على راتبه عند علاجها للغرباء.
في كل الأحوال، تبدو الشخصية العطوفة الداعمة والمساندة لغيرها من الشخصيات متعددة الإيجابيات، إلا أن عدم إدراك التوقيت المثالي للحصول على استراحة محارب، يجعل من النقاط الإيجابية سببًا في المعاناة من السلبيات.