هل رأيت من قبل أشخاصا يتمتعون بالدقة المفرطة في كل شيء؟ كأن يمتنعون عن مصافحة الآخرين أو يغسلون أيديهم مرارًا وتكرارًا في مدة زمنية قصيرة والكثير من السلوكيات والتصرفات التي تنتاب هؤلاء الأفراد والتي يُطلق عليها الشخصية القهرية، لا يقتصر الأمر على هذه التصرفات بل تتفاقم إلى حد التسبب في إزعاج أصحابها وتصبح عادات وطقوسًا يلزم فعلها، لذا من الأجدر بنا التطرق إلى ماهية هذه الشخصية، صفاتها، أعراضها، طرق التغلب عليها وكيف يمكن التأقلم معها.
تعريف الشخصية القهرية
هي شخصية تتسم بالدقة الشديدة والتدقيق في التفاصيل بشكل مريب، كما أن الناس المقربين من تلك الشخصية دائمًا ما ينعتونها بعدم التودد في التعامل، حيث دائمًا ما يطالب من حوله بالتعامل الرسمي والتمسك والالتزام بالقوانين والعادات والتقاليد، يتسم أسلوبه بالتعقيد وهذا ما يجعل كل من حوله يسأم من هذا التشدد، ولا يغفر العفوية في التصرف حيث يعدها المصدر الرئيسي لوقوع الأخطاء بشكل كامل.
قد يعتقد البعض أن الخاسر الأول والأخير في التعامل مع الشخصية القهرية هم المحيطون والمتعاملون معه يوميًا بسبب ما يفرضه من دقة وما إلى ذلك مما سبق سرده، ولكن على النقيض تمامًا الخاسر الأول هو صاحب الشخصية الوسواسية، حيث يفرض على نفسه قبل الآخرين الالتزام بتلك التفاصيل والتعقيد الشديد، والأبعد من ذلك قد يقوم بجلد ذاته في كل مرة لا يستطيع الالتزام أو عدم الوصول للمثالية والكمال، وفي آخر اليوم يعقد لذاته جلسة محاكمة عما بدر منه وما قصر فيه ويبدأ بتوجيه اللوم والنقد اللاذع لنفسه جراء الفشل من وجهة نظره، وعليه فصاحب تلك الشخصية يعاني من الأرق وصعوبة في النوم العميق.
أعراض الشخصية القهرية
من أكثر الأعراض شيوعًا والتي تظهر على هذه الشخصية:
- فرض نظام أخلاقي صارم.
- التعنت الزائد في التربية وسير العمل.
- الجود والكرم صفات بعيدة عن هذا الشخص.
- التقشف المبالغ فيه، والميل لسلوكيات اكتنازية ترشيدية.
- لا مجال للراحة أو الاحتفال وحياة اللهو ولو بسيطة، فالحياة تتلخص لديهم في العمل والإنجاز.
- دائمًا ما يتدخل الشخص في كل شيء وأي شيء لا يعطي ثقة في أحد في إنجاز الأمور أو المهام، ما يستدعي الأمر لقيامه بكل المهام بنفسه.
- تأثير العمل عليه وعلى علاقاته الاجتماعية والعائلية والأسرية.
أسباب وجود الشخصية القهرية
هناك عدد من الأسباب التي كان لها دور كبير في ترسيخ عدد من الصفات والسمات الخاصة بـ الشخصية الوسواسية، وجعلت تلك الصفات تترسخ في كيانه وفي وجوده، سنفصلها على النحو التالي:
عوامل تربوية
يشار إلى أن الشخصية الوسواسية قد تلقت التربية أو التأديب على يد أشخاص مارسوا مزيدا من القهر أو الانضباط الشديد وإفراد الطاعة والولاء.
عوامل مجتمعية
قد تكون البيئة المحيطة من أهم المؤثرات التي تترعرع فيها الشخصية القهرية، والمجتمعات المتشددة والمحافظة قد تخلف مثل هذه الشخصية، لذا لا بد من الالتزام الديني ولكن بدون تشدد.
العوامل الوراثية
قد يكون لها دور كبير في إصابة الشخص بهذا، وإن كانت الدراسات في هذا الصدد غير كافية.
عوامل صحية
تتمثل في فرض الطاعة والوصاية والاهتمام الشديد والذي يكون ناتجا عن إصابة الطفل في صغره بمرض خطير يستوجب المتابعة بكل دقة.
أهم مزايا الشخصية القهرية
هناك عدد من الصفات الجيدة والتي يتميز بها صاحب الشخصية القهرية:
- الدقة المتناهية ما يجعله متفوقًا في عمله ويحصد أعلى المراكز والمناصب.
- المثالية والكمال فهو يسعى للوصول إليها ولا يظهر جهدا في تحقيقها وتسخير كل الطاقات، ما يترتب عليه اعتلاؤه منصب القيادة في العلاقات الاجتماعية والأسرية وكذلك على صعيد العمل المهني.
- يمتلك وجهة نظر وآراء لا يستطيع أحد أن يزعزعها، بالطبع هذا فيه جانب من جوانب الثقة في النفس واستحقاقها.
- أشخاص معينون ومحددون هم من يحظون بالقرب منه أو صداقته، فهو لا يدخل دائرته الشخصية أي شخص، وعليه قد يزداد عدد المعارف ولكن الأصدقاء قليلون للغاية.
- الضمير الحي والخوف من الله ومحاسبة الذات، هي من أكثر مزايا هذا الشخص لذا تجده دائمًا يتخلى بالمثل العليا والأخلاق، ولا يستطيع أن يؤذي أحد أو يتعدى عليه.
- التفكير العميق وإعمال عقله سمة أساسية من سمات الشخصية الوسواسية.
- الاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة الأماكن وكل ما يحيط به، كذلك الاهتمام بالنفس والأناقة.
- لا يوزع النصائح لكل من يرد عليه أو يحتك به، بل لا يعطي المواعظ إلا إذا طلب منه ذلك وفي المقابل تجده يعطي نصائح قيمة نظرًا لطريقة تفكيره وعمقه الكبير الذي يتجمل بالمنطق والنبل والأخلاق.
- يتميز صاحب الشخصية الوسواسية بالنظام الشديد.
ما عيوب الشخصية الوسواسية؟
عدد من العيوب تتواجد لدى الشخصية الوسواسية، والتي تؤثر على صاحبها بشكل أساسي وتؤثر بالتالي على علاقته بالآخرين، نفردها في التالي بشيء من التفصيل:
- العمل الشاق المضني ولو على حساب النفس.
- دائمًا ما يكونا الغضب والسخط على كل شيء وأي شيء هما الصديقان الملازما له طوال الرحلة.
- الإصابة بالقلق الدائم والذي يتحول في كثير من الأحيان للإصابة بالاكتئاب.
- المعاناة من العزلة من أكثر الأشياء السيئة التي تصيب أصحاب الشخصية الوسواسية.
- يجد الشخص نفسه غير قادر البتة على شرح مشاعره.
- عدم القدرة على تكوين صداقات والفشل الذريع في ذلك.
طرق التعامل مع الشخصية القهرية
غالبًا ما يتعرض المخالط أو المقرب من صاحب الشخصية القهرية لعدد من الانعكاسات التي تتمثل في تحقير ذاته والتقليل من إنجازاته، كذلك التعرض للوم والنعت بالتقصير بشكل دائم، ما يجعله دائمًا متحفزا ومستعدا للشجار، ويزيد الأمر سوءا في حال كان المقرب هذا يقع تحت سلطة الشخصية القهرية، كأن يكون مرؤوسا أو ابنًا أو زوجة، وعليه يستطيع الشخص التقليل من حدة المساوئ التي تلاحقه جراء التعامل مع هذا الشخص بالتصديق والتسليم أن التعنت هذا ليس ملتزما بشخصه، أو مرتبطا بقلة خبرته أو سوء الإنجاز أو ضعف إمكانياته، بل تلك التصرفات نابعة من قناعات الشخصية القهرية التي دائمًا ما تنشد الكمال.
تلاشَ دائمًا الصدام معه وانظر لمزاياه والتي من أهمها النجاح الساحق الذي ستحققه معه نظرًا لتفوقه وحكمته الكبيرة ونظرته البعيدة، أيضًا على مستوى العمل ستحقق معه إنجازات كبيرة ستنقلك لمكان مميز في سلك الوظيفة، تمتعه بأخلاق قويمة يجعل منه شخصية مثالية لا يستطيع إلحاق الضرر بك.
الشخصية الوسواسية القهرية
علينا التأكيد أن الشخصية القهرية لا يعني أنها مصابة بمرض الوسواس القهري، ولكن من الوارد أن تصاب به، لذا سنقوم في التالي لعرض الفرق بينهما لتستطيع الوقوف على كل منهما.
- مريض الوسواس القهري يصاب بعدد من الهلاوس المرضية غير الحقيقية، أما الشخصية القهرية فطبيعية ولكن تسعى إلى الكمال والمثالية في كل شيء وترى أنها دائمًا على الحق.
- الشخصية القهرية دائمًا ما يشغل بالها القائمة اليومية التي تريد إنجازها، لكن المريض بالوسواس غارق في الأفكار الكاذبة
- الشخصية الوسواسية تفسد على صاحبها العلاقات الاجتماعية بسبب الاستغراق في السراب.
- دائمًا ما يصاب المريض بعدد من الآلام النفسية أهمها ضغط الأفكار عليه، أما صاحب الشخصية القهرية فلا يرى أنه مريض أو يؤلم نفسه إطلاقًا.
- يهرع دائمًا مريض الوسواس القهري للعلاج النفسي دائمًا أما الشخصية القهرية فلا تجد في نفسها أي خلل.
الآن وقد أصبحت ملمًا بكل تفاصيل الشخصية القهرية ومعرفة الفرق بينها وبين الوسواس القهري، عليك أن تبحث وتقيم هل أنت بالفعل تنتمي لتلك الشخصيات؟ وذلك لا يتم إلا عن طريق طبيب نفسي حتى يقوم بتطبيق كل العلامات عليك وبكل دقة، حيث لا يعني أنك مصاب بعرض أو اثنين، أنك مصاب بالشخصية القهرية.