ولدت الشخصية المتناقضة مع ميلاد الإنسان، فهي الدافع الذي يحركه صوب تعديل مواقفه السابقة، لكن أحيانًا تتعقد الأمور، عندما يستمر الإنسان في تغيير مواقفه إلى ما لا نهاية.
ما هي الشخصية المتناقضة؟
يرجح علماء النفس أن صاحب الشخصية المتناقضة هو الذي لا تتسق أقواله أو أفعاله عند التعامل مع موقفٍ ما، مع أقواله التي قالها أو أفعاله التي ارتكبها ردًا على نفس المواقف أو مواقف مشابهةً لها لكن بوقتٍ آخر.
ويعرف هذا الأسلوب الفكري في علم النفس باسم الخيال الحر، حيث يبني من ينتهج هذا الأسلوب رؤيته المستقبلية على احتمالات من وحي خياله ويتجاهل احتمالية تحقيقها فعليًا.
لذلك، فالشخصية المتناقضة إما أن تصعد للسماء رفيقة التخيّلات الإيجابية متجاهلةً الحقائق السلبية، وإما تظل فريسة للتخيلات السلبية متجاهلةً إمكانية حدوث ما هو إيجابي.
صفات الشخصية المتناقضة
تقابَل الشخصية المربكة في علم النفس عادةً بالفهم الخاطئ، حيث إنها لا تسير باتجاهٍ واحدٍ على طول الخط، لذلك حاول المختصون وضع قائمة من الصفات التي من الممكن أن تكشف عن الشخص المتناقض، وهي:
تجاهل الحقيقة
لعل سعي بعض الأشخاص إلى تجاهل الحقائق الواضحة أحد الصفات المؤكدة على إصابته بالشخصية المتناقضة، ويحدث ذلك عندما يتأكد الفرد بأن قراره حيال أي موقف خاطئ، لكنه وبدلًا من التراجع عن اتخاذه، يتمادى في الخطأ متجاهلًا الحقائق التي أمامه عينه.
تجنب الجدال
يختار المتناقض الطريق الأقصر دائمًا، لأنه لا يفضل الصراعات والمواجهات الجدلية، بالتالي يلجأ إلى الحل الذي يكلفه أقل قدر من إهدار الطاقة، وهو تجنُّب الصراع لإثبات صحة وجهة نظره، رغبةً منه في الابتعاد عن الآثار النفسية السلبية المترتبة على دخول أي صراع جدلي.
إيجاد المبررات
بما أن الصفة الأبرز للشخصية المتناقضة هي تجاهل الحقائق الواضحة، إذن، يبدو منطقيًا أن إحدى صفات الشخص المتناقض هي اختلاق المبررات، وإن كانت واهية، عبر إقناع نفسه أولًا ثم من حوله بأنه يتخذ القرارات الصحيحة، حتى وإن كانت قراراته خاطئة.
الخوف من تفويت الفرص «FOMO»
يعاني المتناقض عادةً مما يعرف بطب النفس باسم «Fear Of Missing Out» أو الخوف من تفويت الفرص، وهي حالة نفسية يشعر خلالها الإنسان بالخوف الشديد من أن تفوته تجارب الآخرين، وبالتالي، قد يذهب المصاب لتجربة أشياءٍ قد تكون متعارضةً تمامًا أفكاره، حتى يبدو في ثوب المثير الذي ينال استحسان أقرانه.
الإحساس بالذنب
النتيجة الطبيعية للقيام بأمر مخالف لأفكاره تكون شعورا قويا بالذنب، لذلك فدورة قرار الشخصية المتناقضة تكون عبارة عن قلق وتوتر شديد قبيل اتخاذ القرار الخاطئ نظرًا لمعرفتها المسبقة بأنه كذلك، ثم اتخاذ القرار، ويلي ذلك حالة من الشعور بالذنب، تتخللها إقحام بعض التبريرات من أجل تخفيف حدة هذا الشعور بالذنب
أسباب الشخصية المتناقضة
في العموم لا تعتبر الشخصية المتناقضة أفضل أنواع الشخصيات على الإطلاق، لكن وقبل إصدار حُكم نهائي على أي إنسان، يفترض أن نتعرف على دوافعه، أو الأمور التي جعلته يصبح كما هو عليه، لذلك، اختصر علماء النفس الأسباب التي قد تجعل الإنسان متناقضًا في 4 أسباب رئيسية وهي:
الإجبار
يعرف هذا السلوك أيضًا باسم «الامتثال القسري»، بحيث يُجبر الشخص على مخالفة مبادئه وأفكاره الخاصة بموقف ما، ويحدث ذلك لسبب وهو أن الموقف الذي يتعرض له الشخص يكون أكبر من أن يواجهه، مثل عدم قدرته على رفض طلب من رئيسه بالعمل، حتى وإن كان مقتنعًا بأن هذا الطلب لن يؤدي إلى نجاح.
تكلفة القرار
يتخذ البشر عشرات الآلاف من القرارات خلال حياتهم، وغالبًا ما يختار الإنسان ما بين قرارين أو أكثر، كل منهم لديه ما لديه من المميزات والعيوب، بالتالي فاختيار قرار بعينه يعني خسارة كل إيجابيات الاختيارات الأخرى، ويعني أيضًا تجاهل سلبيات القرار الذي وقع الاختيار عليه، وطالما كانت الاختيارات أكثر تشابها، كلما أصبح الإنسان أكثر تناقضًا في قراراته.
قانون الجهد
يمتلك الإنسان تصورًا عامًا أن حجم النجاح مرتبط بشكلٍ وثيق بكم الجهد المبذول، وقد يكون هذا التصور صحيحًا في كثير الأحيان، لكنه ليس كذلك في كل الحالات، فأحيانا يقوم البعض ببذل جهد مضاعف لتحقيق نتائج يمكن تحقيقها عن طريق بذل جهد أقل.
عند هذه اللحظة، يبدأ هذا النوع من البشر في مناقضة نفسه وأفكاره، من أجل تجنُّب الإحباط، فيوهم نفسه بأنه لا سبيل للنجاح سوى ببذل الكثير من الجهد.
وجها المعرفة
الإنسان مفطور على حُب المعرفة، يسعى لاستقائها بكل فرصة متاحة، وهو أمر جيد في العموم، لكن بالنسبة للبعض تتسبب المعلومات الجديدة في حالة من التشتت لهم، حيث يُمكن لها أن تتعارض مع أفكارهم التي ترسخت بداخلهم منذ سنوات، بالتالي يقودهم ذلك إلى التناقض مع مواقفهم السابقة التي لربما دافعوا عنها بكل ما أوتوا من قوة.
أعراض الشخصية المتناقضة
يصعُب التعامل مع أصحاب الشخصية المتناقضة حتى بعدما تعرّفنا على الصفات الأبرز له أعلاه، وذلك لأن ردود أفعاله المزدوجة يمكنها أن تصيب من حوله بالتشتت، كما لا يمكن توقُّع ردات فعله تجاه أي موقف، لأنه لا يمكنها توقعها من الأساس، فلا يمكن للمتناقض أن يتعرّف على حقيقة مشاعره، ولا يمكنه التصريح بتفضيلاته بين ما يحب وما يكره، ببساطة لأنه لا يعرف.
لذلك وحتى يسهُل تمييزه بشكل أسهل، وضع علماء النفس عددًا من الأعراض التي يتشارك بها أصحاب الشخصية المتناقضة والتي تعطي إشارة لمن حولهم بضرورة الحذر أثناء التعامل معهم، وهي:
- فقدان الذاكرة: يعاني المتناقض عادةً من فقدان مرضي في الذاكرة، حيث قد لا يتمكن من تذكر مواقف حياته اليومية.
- عدم التحكم: لا يستطيع التحكم في ردات فعله جرّاء الصراع النفسي الذي يعيشه، بالتالي قد يظهر عصبية بالغة لسبب تافه.
- قلة الأصدقاء: لا يستطيع بناء علاقات اجتماعية، لأنه لا يستطيع تحديد أولوياته، كما أنه مزاجي لأبعد الحدود، وذلك يجعل التعامل معه صعبًا.
كيف يمكن التعامل مع الشخص المتناقض؟
مبدئيًا يجب أن تُدرك بأن كل البشر متناقضون لكن بدرجات متفاوتة، لذلك انقسمت كيفية التعامل مع المتناقض إلى طريقتين، حسب درجة أهمية الشخص بالنسبة لك.
فإن كان شخصًا يهمك أمره، كفرد من الأسرة أو رئيس بالعمل، عليك أن تتجاهل التركيز على تناقضاته الفكرية، وإن كان شخصا آخر يمكنك تجنّب التعامل معه، فمن الأفضل أن تنهي علاقتك به.
بشكلٍ عام؛ لا يفكر البشر بشكل موحد، لذلك قد يختلف مفهوم الصواب والخطأ من شخص لآخر، ومن مستوى ثقافي واجتماعي لغيرهما، لذلك إصدار حكم نهائي على صاحب الشخصية المتناقضة بأنه سيئ، يعد أمرًا خاطئًا، ففكرة التناقض تتمحور حول رغبة الشخص في التفكير المتكرر من الأساس.
هل يمكن التخلص من التناقض؟
إن تأزمت الأمور، وأصبح صاحب الشخصية المتناقضة محل انتقاد لاذع نظرًا لتضارب مواقفه السابقة مع مواقفه الحالية بشكل متطرف، وما تبعه من توابع نفسية سيئة عليه وعلى من حوله، أوضح العلماء أنه من الممكن أن يتخلّص من هذه الشخصية أو على الأقل تقليل حدّة أعراضها عبر اتباع ما يلي.
التغيير
ينصح المتناقض تغيير الأفكار المتناقضة عن طريق تكثيف البحث عن الآراء الصحيحة ومراجعة النفس، وتعتبر هذه الطريقة هي الأمثل لكنها الأقل شيوعًا، لأن من الصعب أن يستسلم الشخص لكونه مخطئًا.
الابتعاد
إن لم يستطع الإنسان الحصول على معلومات تمكنه من تكوين وجهة نظر صحيحة حول موقفٍ ما، يمكنه ببساطة أن يتخلى عن السلوك الذي يسبب له هذا التناقض، لأن تغيير أي معتقد يتطلب الكثير من التواضع الذي لا يمتلكه كل البشر
بالنهاية؛ ينبغي الإشارة إلى أن الشخصية المتناقضة هي ركن أساسي من التجربة الإنسانية، حيث إن التناقض يُمكّن الفرد أحيانًا من رؤية الأمور الحياتية من أكثر من منظور واحد، لكن كذلك دون نسيان أن تفاقم أعراض التناقض قد تؤرق الفرد والمجتمع المحيط به بآن واحد.