يعد الحرص على استمرار العلاقات مع البشر المحيطين وتجنب إثارة الأزمات معهم من سمات الأسوياء، إلا أنه قد يكشف عن الشخصية المستسلمة، ذلك حينما يصبح الخضوع هو أسلوب الحياة، والموافقة على أي شيء هو القرار ولو على حساب النفس، فما هي تفاصيل تلك الشخصية؟
الشخصية المستسلمة
تعد من بين أقل الشخصيات تأثيرًا في محيطها، حيث تبدو في حالة دائمة من الخضوع والموافقة على وجهات نظر أو قرارات البشر المحيطين، فيما ترفض الكشف عن رفضها حتى خوفًا من إثارة الأزمات.
تجد الشخصية المستسلمة صعوبة في تقبل فكرة وجود خلاف أو صراع مع شخص آخر، لكنها لا تجد أزمة في قبول الأوضاع الصعبة، ومهما كانت مضرة بها، حتى تسير الأمور بصورة شبه طبيعية، الأمر الذي يبدو مريحًا تمامًا للأطراف الأخرى، لكنه لا يعد كذلك في أغلب الأحيان بالنسبة للشخصية الخاضعة نفسها.
يبدو الاستسلام أحيانًا قريب الشبه من الشخصية العطوفة أو الشخصية الحساسة، حيث يربط بين تلك الشخصيات الاهتمام الدائم بمراعاة مشاعر الآخرين، إلا أن الفارق هنا بين الشخصية الخاضعة والشخصيات الأخرى كافة، هو أنها لا تتجنب الصراعات حرصًا على المشاعر ولكن خوفًا من المواجهة من الأساس، لتضحي براحتها في سبيل ذلك.
أسباب تكوين الشخصية المستسلمة
بينما تتكون الشخصية المستسلمة في العادة في سن صغير، فإن هناك أكثر من عامل وراء ذلك، ومن بينها:
- النشأة بين أبوين شديدي التحكم، وعدم الحصول على حق إبداء الرأي منذ الصغر.
- التعرض للانتقادات السلبية في مرحلة الطفولة، بسبب أو بدون سبب.
- المعاناة من صدمة ما في سن مبكر، وعدم علاجها بأسلوب نفسي احترافي.
- التأثر بالعوامل الوراثية أو بظروف الحياة الثقافية التي قد تحفز على الخضوع بدلًا من المواجهة.
صفات الشخصية المستسلمة
تتعدد صفات الشخصية الخاضعة التي تبدو مثالية لوهلة، لكنها تكشف عن عيوب تلك الشخصية في أغلب الأحيان، حيث تتمثل في:
تجنب المواجهات
لا تقوى الشخصية المستسلمة على مواجهة أي طرف آخر، فسواء كانت هي صاحبة الحق أم لا، فإنها تجد أن تجنب مخاطر الصراعات الشخصية يستحق عدم إثارة أي أزمة قد تنتج عن رأي مخالف لوجهات نظر الآخرين.
صعوبة ذكر كلمة لا
يبدو الاعتراض ولو بذكر كلمة بسيطة مثل لا، من المهام شديدة الصعوبة على الشخصية الخاضعة، التي وإن كانت تخشى المواجهة، فإنها تتجنب إعلان رفضها لأي شيء، كي تبقى في وضعها الآمن طوال الوقت.
طرح الأفكار على مضض
من الوارد أن تضطره الظروف إلى طرح أفكار أو وجهات نظر تبدو مخالفة قليلًا لآراء الآخرين، حينها يبدو مؤكدًا أن تلك الشخصية ستكون شديدة الحرص على عدم تسببها في أي مشكلات، بل من الممكن أن تسحب وجهة نظرها إن شعرت باحتمالية وقوع أزمة بينها وبين شخص آخر.
فقدان الثقة في النفس
لا تملك الشخصية المستسلمة الثقة الكافية في النفس، من أجل إبداء الآراء الخاصة بها، بل وللدفاع عنها إن عارضها الآخرون، حيث يفسر ذلك إلى حد كبير خوفها من المواجهات والصراعات، وخضوعها للآخرين اعتقادًا بأنهم الأكثر قدرة على الاختيار واتخاذ القرارات.
الراحة في السير مع التيار
بينما يعد السير مع التيار من ضمن السلوكيات المرفوضة بالنسبة للشخصيات القيادية، أو حتى بالنسبة للشخصيات الإبداعية التي تعشق الخروج عن المألوف، فإن الأمر يبدو مختلفًا لدى صاحب الشخصية المستسلمة، والذي يشعر بالراحة حينما يجد نفسه مسيرًا.
الرغبة في اتباع التعليمات
يعتبر الاكتفاء إذن باتباع تعليمات الآخرين، هو هدف الشخصية المستسلمة في أغلب الأحيان، إذ تجد نفسها في تلك الحالة غير مطالبة بالكشف عن وجهات نظر وآراء، ومن ثم تبقى في منأى عن الدخول في أي خلافات أو صراعات، علمًا بأنها تشعر بأن التعليمات تصدر دومًا من أشخاص مؤهلين لذلك بدرجات تفوقها.
تقبل النقد بكل أشكاله
إن كان تقبل النقد السلبي في العادة يكشف عن اتزان نفسي، فيما يفيد المرء حين يدرك من خلاله أخطاءه ليطور من نفسه دون تأخير، فإن الشخصية المستسلمة قد تتقبل النقد حتى وإن كان في غير محله، بل ومن الممكن أن تتحمل اللوم من الآخرين على أخطاء لم ترتكبها من الأساس، هربًا من الأزمات.
الآثار السلبية للشخصية المستسلمة
لا يوجد شك في أن صفات الشخصية المستسلمة لها آثار شديدة السلبية عليها قبل أي شخص آخر، حيث تظهر في صور عدة مثل:
- سهولة إضاعة حقوقها وعدم امتلاك النزعة المطلوبة من أجل استردادها.
- تحمل أخطاء الآخرين، في ظل معرفة الجميع بطبيعة الشخصية الخاضعة والتي لن تقوى على الدفاع عن نفسها.
- عدم القدرة على التطور، نظرًا لعدم امتلاك الثقة الكافية للكشف عن إيجابياتها ونقاط قوتها.
- صعوبة تحقيق الإنجازات العملية في ظل اتباع الروتين والخوف من اتخاذ القرارات المصيرية.
- يصل الأمر أحيانًا للمعاناة على الصعيد النفسي، نظرًا لضعف الثقة بالنفس وعدم تقدير الذات، ما يتطلب علاج الشخصية المستسلمة سريعًا.
علاج الشخصية المستسلمة
تتطلب المعاناة من آثار الشخصية المستسلمة السلبية، علاج الموقف سواء بتقويم النفس أو بزيارة الطبيب النفسي إن لزم الأمر، وعبر اتباع الخطوات التالية.
إدراك معنى الاختلاف
يؤدي فهم الشخصية الخاضعة لدور الاختلاف في تطور البشر وأهمية الخلافات في وجهات النظر من حيث تسهيل الوصول لأفضل الحلول، إلى علاج أزمة الخوف لدى أصحاب تلك الشخصية من المواجهة، والتي لا تعني وجود صراع شرس كما يعتقدون.
تعزيز الثقة بالنفس
تحتاج الشخصية التي تعاني من الاستسلام دون شك إلى القيام بكل ما يؤهلها لزيادة الثقة في نفسها، بداية من ممارسة الرياضة والحرص على التمتع بشكل لائق، ومرورًا بتعويد النفس على الكشف عن وجهات نظرها والتقليل من كلمات الاعتذار، ونهاية بقول كلمة لا عند رفض أي فكرة، حتى تزداد درجات الثقة والرضا عن الذات.
تجنب الأشخاص السلبيين
من الوارد أن تتحفز لدى الشخصية المستسلمة الرغبة في الخضوع، عند التواجد دومًا وسط أشخاص سلبيين لا يحرصون إلا على ذكر عيوب الآخرين، بل ويستغلون خضوع تلك الشخصية لمصلحتهم الشخصية، حينها يبدو تجنب تلك النوعية من البشر أحد أبسط طرق العلاج والتقويم.
زيارة الطبيب النفسي
تعتبر زيارة الطبيب المختص هي الخيار الأسلم لصاحب الشخصية الخاضعة، وسواء كان غير قادر على تقويم نفسه بنفسه، أو بدا الأمر مؤثرًا على حالته النفسية بالسلب، حيث يمكن للطبيب أن يدرك بسهولة العوامل وراء تكوين طبيعته ليبدو علاج الشخصية المستسلمة هنا ممكنًا.
كيفية تقويم الشخصية المستسلمة
على الجانب الآخر، يمكن للشخص العادي أن يساهم في علاج الشخصية المستسلمة في محيطه، إن كانت هي الطرف الآخر بعلاقة عاطفية أو تمثلت في زميل في العمل أو بالدراسة، عبر تلك الخطوات:
- ينصح بتحفيز الشخصية الخاضعة على ذكر وجهة نظرها، وبصورة مباشرة عبر الاستفسار منها عن رأيها الخاص.
- ضرورة ترك المساحة لتلك الشخصية من أجل اتخاذ القرارات، وحتى إن بدت مترددة أو متخوفة.
- محاولة تعزيز ثقة الشخصية الخاضعة في نفسها، عبر التركيز على إيجابياتها.
- تجنب استخدام الحس الساخر من طبيعة تلك الشخصية ولو على سبيل الدعابة.
- خلق مناخ من الحرية فيما يخص التعبير عن الرأي، في جلسات الأصدقاء أو في العمل.
في الختام، تبدو الشخصية الخاضعة في حاجة شديدة لتقويم نفسها في أسرع وقت، ليس فقط من أجل ضمان تطورها بالشكل الملائم، بل لأن علاج الشخصية المستسلمة يضمن الوقاية من معاناة نفسية قد تظهر آثارها بمرور الوقت.