الشريف الإدريسي هو العالم المسلم الذي أنار بعلمه ظلمات الجهل بأوروبا، وهو لمن لا يعرفه أكبر جغرافي عرفته الحضارة الإسلامية، بل وأكبر جغرافي على الإطلاق حتى عصر الكشوف الجغرافية الأوربية (أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلاديين)، كانت حياته مليئة بالمغامرات يمكنك في السطور القادمة التعرف عليه.
من هو الشريف الإدريسي؟
هو أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الحمودي الحسني، ويرجع نسبه للأسرة الإدريسية العلوية في المغرب العربي الذي يمتد نسبها للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لذلك يلقب عادة بالشريف الإدريسي كذلك يلقب الإدريسي بالصقلي لكونه أمضى سنوات طويلة من حياته في صقلية، ويلقب أيضًا “سترابون العرب” تشبيها له بالجغرافي الإغريقي سترابون الذي عاش بين القرنين الأول ق. الميلاد والأول ميلاديا الذي يعد حُجة في جغرافية بلاد العرب؛ وهو تشبيه للدلالة على تفوق الإدريسي.
مولده وحياته
ولد الإدريسي في سبتة بالمغرب عام 493 هـ الموافق 1100 م وعاش أكثر سنين عمره بالمغرب والأندلس وصقلية.
بدأ الإدريسي تعليمه في سبتة وفاس التي كانت مركز العلم في المغرب العربي وبها حاليا أعرق جامعات المغرب، ثم انتقل إلى قرطبة ليدرس على يد علماء وأساتذة عصره، وقضى بها عدة سنوات تعلم بها الجغرافيا وأتقن الفلك والحساب والهندسة ودرس الطب والصيدلة والنبات، وإلى جانب دراسته درس مؤلفات كبار الجغرافيين مثل بطليموس وابن حوقل، وللمسعودي، وغيرهم، فأحاط بمعظم إنجازات من سبقه من الجغرافيين.
“اقرأ أيضًا: ابن سينا وإنجازاته ونشأته”
رحلاته
قام الإدريسي برحلات متعددة في بلاد حوض البحر المتوسط والبلاد المجاورة وقد زودته تلك الرِّحْلات بالكثير من المعلومات واكتسب معارفه الجغرافية والعلمية قلما توافرت لغيره ممن توقفت رحلاتهم عند حد الانتقال بين صفحات الكتب، وبدأ عالمنا رحلاته بالطواف في سن صغيرة بربوع المغرب العربي وتجول بين مدنه وقراه وأقاليمه المختلفة، ثم زار مصر والشام وعمره لا يتجاوز 16 عاما وأقام بهما لبعض الوقت.
وزار أيضًا القسطنطينية التي كانت تعد من أهم المدن العالمية، وقد أسست في عام (330م) على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول؛ قيل عنها: “لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها” وبعد أن مكث بقرطبة زمنا أتم فيه دراسته.
ثم انتقل بين أقاليم الأندلس والشمال الإسباني ومدنهما، وزار البرتغال الذي كان وقتها جزءا من الدولة الأموية الأندلسية، ثم زار الشاطئ الفرنسي وجنوب إنجلترا، وأخيرا زار الإدريسي صقلية عندما دعاه ملكها النورماني “روجر الثاني” وحل عليه ضيفًا في بلاطه بالعاصمة باليرمو وكان روجر قد بلغه صيت الإدريسي فرغب في أن يصنع له شيئا على صور العالم وقد بالغ هذا الملك في الاحتفاء بالإدريسي وإعلاء منزلته وعينه قاضيا ووكيل إليه.
ويعتقد أن الإدريسي مكث بصقلية قرابة 20 عاما وأنه لم يغادرها إلا بعد أن اضطربت أحوال صقلية بعد وفاة هذا الملك النابه.
إنجازات الإدريسي الجغرافية
أثرى الإدريسي العالم بالعديد من الإنجازات منها:
الخرائط
رسم الإدريسي أكثر من 70 خريطة للعالم، بحيث كونت الخرائط السبعين في مجموعها خريطة العالم عرفت بخريطة الإدريسي، وهي أدق وأعظم ما وصل إليه علم الجغرافيا، وقد استمد الإدريسي أصول خرائطه من العديد من المصادر الإسلامية والأوروبية معا مع تصحيح ما بها بناء على الخبرة الشخصية.
وهي تعد أول أطلس عرفه العالم على الإطلاق، كما تعد أدق وثائق يمكن الاعتماد عليها لوصف الأرض في ذلك الوقت، حيث قسم الإدريسي النصف الشمالي للكرة الأرضية إلى 7 مناطق مناخية مختلفة، ثم قسم كلا منها بدوره إلى 10 قطاعات متساوية في عدد خطوط الطول بها. ورسم لكل من هذه القطاعات السبعين خريطة مستقلة.
وتميزت خرائطه الجغرافية لأوروبا بدقة غير مسبوقة في أي خريطة أخرى، وقد أظهرت خرائط الإدريسي تفاصيل سواحل البحر المتوسط بدقة، كما أظهرت بوضوح منابع النيل بين البحيرات الاستوائية الكبرى.
كُرته الفضية
صنع الإدريسي لروجر الثاني كرة من معدن الفضة رسم على سطحها خريطة العالم، لتصبح ممثلة للكرة الأرضية، وكان قطر تلك الكرة مترين طولًا وقيل إن وزنها وزن رجلين، ومن المؤسف أن الكرة فقدت في عهود الجهل الذي ساد بعد عصر ملوك النورمان الأولين.
“اقرأ أيضًا: محمد الفاتح.. القائد الذي أجرى السفن على اليابسة”
مؤلفاته الإدريسي
كان للإدريسي عدة مؤلفات أبرزها 3 كتب جغرافية أهمها على الإطلاق كتاب:
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
وهذا الكتاب يعد الأكبر، وهو من الموسوعة الجغرافية الأولى في العالم، وقد ذكر الإدريسي في مقدمة الكتاب سبب تأليفه لهذا الكتاب، وهي أن حاكم صقلية طلب منه أن يصف له العالم، كما ذكر لنا الإدريسي منهجه ومصادره العربية وغير العربية في جمع المعلومات في إعداد الكتاب كتاب “العجائب” للمسعودي، وكتاب أبي نصر، كتاب أبي القاسم عبيدالله بن خرداذبة، كتاب خاناخ بن خاقان الكيماكي، كتاب موسى بن قاسم القردم، كتاب بطليموس، كتاب أرسيوس الأنطاكي، جمع الإدريسي المادة العلمية للكتاب من المصادر الإغريقية والإسلامية وأضاف إليه الكثير من خبراته الشخصية وتقاريره التي كتبها خلال رحلاته.
وصف الإدريسي في هذا الكتاب بلاد أوروبا وصفا دقيقا كما وصف أيضا بلاد المغرب العربي ومصر وبلاد الحجاز والشام وفلسطين وذكر في هذا الكتاب أماكن ديار قوم لوط، وأهل الكهف.
وللإدريسي العديد من المؤلفات غير الجغرافية في الطب والصيدلة فألف كتاب الجامع لأشتات النبات ذكر فيه 360 نوعا من النبات وتركيبه ورتبه أبجديا.
وفاة الإدريسي
توفي الإدريسي عام 561 هـ الموافق 1166 م والغالب أن الوفاة حضرته بسبتة، ولا يعلم الكثير عن حياته الخاصة.