قد يصعب على البعض معرفة الفرق بين الذهان والوسواس القهري، ظنًا منهم أن هناك أوجه تشابه بين الاضطرابين، وهو ما قامت البحوث بنفيه، من خلال إيضاح عدة اختلافات بين المفهومين، وأسباب حدوثهما، بالإضافة إلى الاختلاف الواضح بين الأعراض، والعلامات التي تظهر على الشخص المصاب.
الفرق بين الذهان والوسواس القهري
لمعرفة الفرق بين الوسواس القهري والذهان، يجب أولًا معرفة المفاهيم الخاصة بهما، إذ تُظهر هذه المفاهيم الاختلاف بين الاضطرابين، وما يترتب عليهما من أعراض وعلامات، والتي تظهر تدريجيًا على الشخص المصاب، بالإضافة إلى اختلاف الأسباب وبعض طرق العلاج.
الوسواس القهري
هو اضطراب عصابي، يتسم بنمط من المخاوف والشكوك، وبعض الهواجس والأفكار التي تدفع الشخص للقيام بالسلوكيات المتكررة القهرية، تتضمن الأفعال والأنشطة اليومية للفرد، مما يعيقه ويتسبب له في الكثير من مشاعر الضيق والقلق والتوتر، خاصة عندما يفشل في مقاومة هذه الوساوس ومكافحة تنفيذها، إذ تتسلط على عقله بصفة مستمرة طوال الوقت.
وعلى الرغم من جهود الشخص المبذولة لتجاهل الوساوس المسيطرة عليه، أو الحد منها، إلا أن هذه المحاولات لن ينتج عنها سوى زيادة مشاعر الضيق والقلق، والأفكار والدوافع المزعجة، والتي لا ينفك الشخص عن التفكير بها.
الذهان
في حين يوصف الوسواس القهري بأنه اضطراب عصابي، فقد تم وصف الذهان بأنه مرض عقلي، قد يصاب به بعض الحالات المصابة باضطرابات أخرى، بما في ذلك مريض الوسواس القهري أيضًا، ولكن هذا لا يعني أن الوسواس القهري نوع من الاضطراب الذهاني، إذ يجب تمييز ومعرفة الفرق بين الوسواس القهري والذهان.
ويُحدِث الذهان اضطرابات في سلوكيات الفرد، كذلك عواطفه وأفكاره وطريقة إدراكه للأمور، إثر انفصال الشخص عن واقعه والمجتمع المحيط به بشكل تام، الأمر الذي يتسبب أيضًا في إصابته بالضلالات والهلاوس، والأوهام السمعية والبصرية.
أعراض الوسواس القهري مقابل الذهان
غالبًا ما يتمحور اضطراب الوسواس القهري حول عدة سلوكيات محددة، مثل الخوف من الجراثيم، أو التعرض للتلوث بشتى أنواعه، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مختلفة على المريض، تشعره بالضيق وتتسبب له في الكثير من الإحراج، خاصة في وجود أشخاص آخرين، وتتمثل هذه الأعراض في:
- غسل اليدين أكثر من مرة، الأمر الذي قد يستمر لعدة ساعات.
- ترتيب الأشياء بطريقة معينة، لتأخذ نفس الشكل المنظم.
- الخوف المفرط من التعرض للتلوث والقاذورات، من خلال لمس أشياء قام بلمسها عدة أشخاص.
- الشك الدائم، إذ تراود الشخص المصاب الكثير من الظنون حول تنفيذه بعض الأمور، مثل إغلاقه باب الشقة أو إحكام صمام الغاز، قبل خروجه من المنزل.
- التفكير في أشياء كثيرة غير مرغوب فيها، تتضمن سلوكيات مثل العنف أو الأفكار المتعلقة بالدين.
- القلق والتوتر الدائم، خاصة إذا افتقرت بعض الأغراض من حوله إلى الترتيب، والتنظيم والتنسيق بطريقة معينة يصنعها هو بنفسه.
- شعور الشخص المصاب برغبة مُلحة في الصراخ، والتلفظ بألفاظ بذيئة في الأماكن العامة أمام الناس.
- الخوف من مصافحة الآخرين.
- ظهور بعض الأفكار العدوانية، مثل إيذاء النفس أو إيذاء الآخرين، مما قد يؤدي أحيانًا إلى الانتحار.
- اتباع نظام روتيني صارم داخل المنزل وخارجه، وإلزام جميع المحيطين بهذا الروتين.
- الفرق بين الذهان والوسواس القهري هو اتباع أسلوب العد بأنماط محددة ولكن ليس بكثرة وتكرار.
- تكرار العبارات أو الكلمات أكثر من مرة، بصوت مسموع أو في صمت.
أعراض الذهان
في حين تنطوي غالبية أعراض الوسواس القهري على كل ما هو متعلق بالتنظيم، والنظافة الشخصية، فإن من أشهر أعراض الذهان إهمال الفرد في نظافته الشخصية، ومظهره الخارجي بشكل عام، حتى عند لقاء الأصدقاء أو الذهاب خارج المنزل، مما يوضح الفرق بين الذهان والوسواس القهري، وتتمثل بعض الأعراض الأخرى للذهان في عدة نقاط، هي:
- صعوبة التركيز، وإدراك ما يدور حول الفرد في العالم الخارجي.
- الاكتئاب الحاد.
- الرغبة في النوم طوال اليوم، لفترات طويلة.
- القلق والتوتر بشكل دائم.
- الانسحاب التام من التجمعات العائلية، أو التواصل مع الأصدقاء، والهرب من المجتمع الخارجي.
- الهلوسة البصرية والسمعية.
- الأوهام والأفكار التي ليس لها أساس من الصحة.
- الكلام غير المنظم، أو التفوه بكلمات متقطعة وغير مرتبة.
- الميل إلى بعض الأفكار المختلة، الأمر الذي يؤدي إلى الانتحار في بعض الأحيان.
أسباب الإصابة بالوسواس القهري
لا يوجد سبب واضح للإصابة باضطراب الوسواس القهري، ولكن العلماء بدورهم قد توصلوا إلى عدة نظريات، وأسباب تسهم بنسبة كبيرة في تطور الاضطراب، وتشمل هذه النظريات:
الاكتساب والتعلم
يمكن للفرد أن يكتسب تدريجيًا بعض الخصائص، والأعراض المتعلقة بالوسواس القهري، عند مشاهدته أحد أفراد عائلته يقوم بها باستمرار، الأمر الذي يجبر الشخص على تعلم هذه السلوكيات القهرية لا إراديًا، إذ لم يثبت حتى وقتنا هذا دور العوامل الوراثية، وتحديد ما إذا كانت جينات الوراثة تلعب دورًا في إصابة الشخص، أم لا تتدخل الجينات في الإصابة بالمرض بشكل واضح.
خلل في وظائف الدماغ
يعتقد العلماء أن الخصائص الحيوية تلعب دورًا كبيرًا، في إصابة الشخص بالوسواس، إذ يؤثر حدوث تغيرات واضحة في طبيعة كيمياء الجسم، أو خلل في الوظائف الدماغية، إلى اضطراب الوسواس القهري.
أسباب الإصابة بالذهان
يتضح الفرق بين الذهان والوسواس القهري، عند معرفة أسباب الإصابة بمرض الذهان، والتي تختلف كليًا عن أسباب اضطراب الوسواس، حيث تشمل الأسباب عدة عوامل تتضمن:
العوامل البيئية
يعتقد العلماء أن تعرض الجنين لعدوى معينة، أو بعض الفيروسات قبل ولادته، قد يسهم بنسبة كبيرة في إصابته بالذهان في سن مبكرة.
العوامل الوراثية
على عكس الوسواس القهري، فإن العوامل الوراثية تلعب دورًا هامًا، في الإصابة باضطراب الذهان، حيث تزيد فرصة مرض الشخص، إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بالذهان بين أفراد أسرته، خاصة الأقارب من الدرجة الأولى.
خلل في العلاقات الأسرية
كما أظهرت عدة بحوث أن التفكك العائلي، والخلل في العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، قد يحفز ظهور مرض الذهان بنسبة كبيرة جدًا.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك عدة عوامل أخرى، تسهم بنسبة كبيرة في إصابة الشخص بـ اضطراب الذهان الاكتئابي ، والتي تُظهر الفرق بين الذهان والوسواس القهري، وتتضمن هذه العوامل:
- وجود خلل في توازن المواد الكيميائية في الجسم، أو خلل في الوظائف الدماغية.
- إدمان المخدرات، أو تعاطي أحد أنواع العقاقير المخدرة.
- إصابة الفرد بأحد الأمراض المناعية الذاتية.
طرق العلاج
بعد معرفة الفرق بين الذهان والوسواس القهري، من حيث المفهوم والأعراض، وأسباب كل منهما، فمن الضروري أيضًا معرفة الوسائل، وطرق العلاج الفعالة لمساعدة الشخص، وتعزيز قدرته لتخطي أعراض مرضه، ويعد العلاج النفسي هو العامل المشترك بين الاضطرابين، إذ يلعب دورًا هامًا في خطة العلاج، بجانب العلاج الدوائي تحت استشارة الطبيب المختص في هذه الحالات.
الوسواس القهري
يعد التعايش مع مريض الوسواس القهري أمرا بالغ الصعوبة، إذ تتطلب الحياة معه قدرا هائلا من الصبر، والتحكم في الأعصاب، وتقبل جميع الأعراض الصادرة رغمًا عنه، لذا من الضروري اتباع بعض الخطوات، لتيسير الحياة على الشخص المصاب والمحيطين به، وتتضمن هذه الخطوات:
- التعرف على الاضطراب وأعراضه، وفهم طبيعته، من قبل المريض والأشخاص المحيطين به أيضًا، مما يسهم في تحفيز المريض، وييسر الالتزام بالخطة العلاجية الموضوعة.
- حث المريض للانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي، مما يوفر له التواصل الإيجابي مع غيره، من الأشخاص الذين يعانون من نفس الاضطراب، الأمر الذي يساعده على التأقلم ومكافحة أعراض المرض.
- السعي لاكتشاف طرق جديدة صحية، لتوجيه الطاقة النشطة للشخص المصاب، من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، أو بعض الأنشطة الترفيهية الأخرى.
- الحد من توتر الشخص قدر الإمكان، ومعاونته لتعلم التحكم في مشاعره، من خلال القيام ببعض التمارين التي تساعد على الاسترخاء والتأمل، مثل تمارين اليوغا.
- قضاء أوقات طويلة مع الشخص المصاب، ومساعدته على تخطي الوسواس القهري كعائق له في حياته، ودفعه لممارسة أنشطته اليومية، سواء مع العائلة أو الأصدقاء، كذلك داخل العمل أو المدرسة.
مرض الذهان
من الضروري السعي لتقديم الدعم النفسي، لمصاب الذهان، الأمر الذي يتم من قبل طبيب مختص، أو الأشخاص المحيطين به في بيئته، مما يسهم بنسبة كبيرة في تطويع أنماط تفكير الشخص وسلوكياته، ومكافحته للأعراض الناتجة عن الاضطراب، وتتمثل خطوات العلاج النفسي في:
- معرفة طبيعة المرض، وكيفية التكيف والتعامل مع الأعراض التي تظهر عليه.
- فهم طبيعة الضغوطات التي يتعرض لها الشخص، وإدراك المؤشرات المبكرة للمرض، مما يحد من انتكاس المريض ويساعد في السيطرة على مرضه.
- تقديم الدعم الوظيفي من قبل بعض المؤسسات، والأماكن التي يعمل بها أشخاص مصابون بمرض الذهان، وهو الأمر الذي يعد بمثابة تأهيل مهني للفرد، للحصول على الوظائف المناسبة والاحتفاظ بها لفترة أطول.
- التركيز على تدريب الشخص على المهارات الاجتماعية، مما يسهم في تحسين مهارات التواصل، والتفاعل الاجتماعي لديه.
- تعزيز قدرة المريض، للمشاركة في الأنشطة اليومية سواء داخل العمل أو الأسرة.
- تقديم الدعم اللازم والتوعية من الأبوين، والمحيط الأسري، مما يزيد من تأهيل الشخص، وقدرته لتقبل ومكافحة أعراض المرض.
يبقى التذكير بأهمية الدعم الفردي والمجتمعي من المحيطين بالمرضى النفسيين، أمرا رئيسيا بالغ الأهمية، مع التأكيد على أهمية الصبر وسعة الصدر، والتعامل بحكمة بالغة، للخروج بهم من هذا النفق المظلم سالمين معافين بإذن الله، عافانا الله وإياكم من الأمراض.