في مقطع مصور نشر على يوتيوب يعود تاريخه للعام 2011، ظهرت طفلة يتراوح عمرها ما بين عامين إلى 3 أعوام، تتصفح عبر شاشة الـ”آيباد”، ليتحول المشهد إلى محاولتها تصفح مجلة ورقية حقيقية بنفس الطريقة -المسح على الشاشة- إلا أن هذه المحاولة لم تُفلح بكل تأكيد، فلا يمكن تصفح المجلات الورقية مثل الشاشة، لكن ربما لم تدرك الطفلة ذلك بحكم الاعتياد ليس إلا.
طبقًا لوالد الطفلة الذي يدعى جان لويس كونستانزا، فهذه التجربة التي تبدو للوهلة الأولى كوميدية وطريفة، يمكنها أن تكشف لنا عن هوية الجيل الجديد، فبالنسبة لهم، المجلات الورقية لا تعني أي شيء على الإطلاق، لأنهم قد اعتادوا على التفاعل مع الأجهزة الرقمية في سن مبكرة جدًا، لكنه لم يجد مفرا من أن يطرح سؤالا وجيها، وهو كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤثر على قدرات ذلك الجيل الرقمي الخاصة بالقراءة؟
دراسات
منذ بداية تسعينيات القرن الماضي كان السؤال حول مدى فاعلية القراءة على الشاشات مقارنة بالقراءة على الورق مثار جدل، فقد خلصت بعض الدراسات الاستقصائية إلى حقيقة كون القراءة الورقية أفضل للقارئ من حيث سرعة الاستيعاب والفهم، وهو ما أكدته دراسات استقصائية حديثة، أشارت إلى أن مُعظم القراء يفضلون الورق، خاصةً عندما يكونون كثيري القراءة والاطلاع، إلا أن الطريقة الأكثر شيوعا هي القراءة باستخدام الشاشات الرقمية، فمثلًا، تمتلك الكتب الأمريكية حصة تساوي من 15 إلى 20% من سوق الكتب.
لكن وعلى الرغم من ذلك، تفشل أجهزة القراءة الإلكترونية في محاكاة التجربة الملموسة التي تنتج عن القراءة الورقية، والأهم من ذلك، أنها تحرم القارئ من تصفح النصوص الطويلة بطريقة مرضية، بالتالي، ينعكس ذلك على مقدرة القارئ على فهم المقروء، لأن الشاشات تستنزف موارد الإدراك الخاصة بالإنسان، ما يجعله عرضة لنسيان ما قرأه عند الانتهاء من القراءة، ويرجع السبب العلمي في ذلك إلى الحالة الذهنية -الأقل ملائمة للتعلم- التي يمتلكها قراء الشاشات مقارنة بالورق.
لماذا يحدث ذلك؟
يعتقد الخبراء أن وميض الشاشات يرهق الدماغ البشري أكثر من الورق، بينما يرى آخرون بأن قدرة الإنسان على تذكر ما قرأه تظل مرهونة بالخطوط أو الرموز التي خطّها بنفسه على صفحات الكتاب الذي قرأه، لذلك فالإلهاء الرقمي الذي تسببه الشاشات هو ما يقف حائلا من بين رغبة البعض في الحصول على تجربة سهلة، لأنه لا يفي بالغرض الأساسي وهو القراءة بتمعُّن.
وفقا لفرجينيا كلينتون، الأستاذ المساعد بجامعة شمال داكوتا الأمريكية، وبعد تحليل مضن، استنتجت أن سهولة تجربة القراءة عبر الشاشات هي ما تجعل التحصيل أقل، وهو ما يعيدنا إلى نفس النقطة، وهي الحالة الذهنية، فحسب رأيها، السهولة في تجربة القراءة على الشاشة مقارنة بالورق، تجعل القارئ يشعر بثقة أكبر في قدراته على التحصيل، ما قد يجعله أكثر كسلا، بالتالي يبذل جهدا أقل في محاولاته للفهم، لينتهي به المطاف إلى احتمالية كبيرة ليخرج من التجربة بفهم أقل للنص، وذلك لأن فهم المقروء مثله مثل أي تجربة حياتية، تتطلب مجهودًا لكي تكلل بالنجاح.
النصيحة
علميًا ينصح الجميع بالقراءة -سواء كانت على الورق أو الشاشات- وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالأطفال، لذلك يجب أن يحاول الآباء وضع حوافز لتشجيع الأبناء على القراءة، بحيث تتم مكافأتهم بأي شكل إذا أتموا قراءة كتاب مثلا.
بنفس الصدد؛ فإذا كان بعض الأطفال يعانون من صعوبة التحصيل بالقراءة الإلكترونية، آنذاك، تكون القراءة على الورق أكثر إفادة، لذلك وبالعودة إلى كلينتون، فهي ترى أنه يجب على الآباء والمعلمين تعليم الأطفال كيفية إدارة وتنظيم سلوكهم على الشاشات من أجل الاستفادة منها بأكبر شكل ممكن.