بحلول العام 1066 ميلاديا، كان الملك ويليام الأول، الذي عُرف بعد ذلك بويليام الفاتح، قد عقد العزم على أن يبدأ حملته العسكرية التاريخية صوب الساحل الجنوبي لإنجلترا، والتي نجح فيها بشكلٍ منقطع النظير، ربما لأنه يحمل بداخله جينات الفايكنج، التي ورثها عن جده الأكبر “رولو”، ذلك المحارب الشرس الذي ظهر في العمل الدرامي الذي صدر بالعام 2013 تحت عنوان “الفايكنج“.
من هو رولو الحقيقي؟
حقيقةً، قصة حياة رولو محاطة بالكثير من الألغاز، حتى وإن اتفق الجميع على وجوده، لكن تظل الأسانيد المتاحة عبارة عن حكايات طويلة من الفلكلور الممزوج ببعض الحقائق، لكن الحقيقة الوحيدة التي نمتلكها، هي أن رولو يعد الرجل الذي حوّل مسار أوروبا تماما.
يعتقد أن “جانج رولف” المعروف اختصارا برولو قد ولد بمنتصف القرن التاسع الميلادي، بمكان ما بإسكندنافيا، لكن حقيقة جنسيته تظل تتأرجح ما بين كونه نرويجيا أو دنماركيا.
يُفترض عمومًا أن اسم رولو هو الترجمة اللاتينية للاسم الإسكندنافي القديم “Hrólfr”، ويقترح أيضًا في بعض الأحيان أن يكون رولو نسخة لاتينية من الاسم النورسي “Hrollagur”.
على كُلٍ تبدو معرفة أصل رولو أكثر صعوبة مما نتخيل، نظرًا للتضارب بالسجلات التاريخية، لكن الأهم هو أن رولو كان مقاتلا رئيسيا بهجوم الفايكنج على باريس عام 885 ميلاديا.
حصار باريس
بالعام 885، كانت باريس تمتلك أهمية استراتيجية ضخمة، حيث كانت أكبر المدن بغرب فرنسا، آنذاك، كان الفايكنج قد بدؤوا في الزحف نحوها مستقلين سفنا عملاقة في خطوة ضمن خطوات الإغارة على نهر السين، واعتبر ذلك الحصار هو أهم الأحداث في عهد الملك تشارلز البسيط، ملك غرب فرنسا.
وصل آلاف المحاربين الأشداء من الفايكنج، مع مئات من السفن العملاقة خارج باريس، مطالبين ملكها بدفع جزية وإلا هوجمت المدينة، إلا أن الباريسيين لم يستسلموا بسهولة، وصمدوا أمام الحصار لأشهر، ودافع المحليون عن أنفسهم بإلقاء الشمع الساخن على الغزاة.
في النهاية؛ وبعد أشهر من الحصار، سمح تشارلز للفايكنج بالإبحار عبر نهر السين لتدمير بروجوندي التي كانت في حالة تمرد، وعندما قرر رولو، قائد الفايكنج، الانسحاب أخيرًا من فرنسا، قام تشارلز، الذي لم يكن يحبذ قتال الفايكنج بمنحهم 700 رطل من الفضة، كضريبة للسلام.
تسوية منطقية
وفقا للروايات التاريخية، فبعدما أعاد رولو والفايكنج عمليات النهب حول نهر السين بحملة عسكرية أخرى في عام 911، وتحديدا بمنطقة تشارترز، قرر تشارلز البسيط أنه لا بد وأن تتم تسوية ما مع القائد رولو الذي لا يبدو محبا للسلام.
أخيرًا؛ وبعد طول عناء، بدأ رولو ورجاله بحلول هذا الوقت بالفعل في الاندماج مع الثقافة المحلية، اتخذ الملك البسيط قرارا مصيريا بمنح رولو مساحات شاسعة من الأرض، في منطقة نورماندي في الشمال الغربي من فرنسا، مقابل وعده بوقف أي غارات أخرى والمساعدة في حماية الأمة من غارات الفايكنج الأخرى.
بذلك، تحوّل رولو من محارب قاسي الطباع إلى رجل أرستقراطي، كما آثر الرضوخ لمطالبات السلام، عبر زواجه من نجلة الملك “جيسلا” حسب بعض المصادر التاريخية، ومع ذلك، هناك القليل من الجدل حول حقيقة شخصية جيسلا، حيث يعتقد بعض المؤرخين أنها كانت إما ابنة غير شرعية لتشارلز، أو أنها كانت في الواقع شخصية من الحكايات الشعبية وليست حقيقة.
على العموم وأيا ما كانت الحقيقة، كان الشيء المهم هو الاتفاق بين رولو والملك، والذي جعل الغازي السابق أحد اللاعبين السياسيين الكبار في المنطقة، بينما الأكثر أهمية كان تقديم رولو سلالة من النبلاء، كان من شأنها تغيير العالم، حيث إن الاندماج بين الفرنسيين ورولو ومن معه أنتج سلالة النورمانديين “النورمان”، نسبةً لنورماندي، التي عاشوا بها.
بعد أجيال، أسس ويليام الفاتح بحملته العسكرية -التي ذكرت بأول فقرة- ما يعرف بالمملكة البريطانية، وهذا ما يعني أن رولو، المحارب النورسي، يعد سلفا بعيدا جدًا، لكن مباشرا للعائلة الملكية البريطانية.