ذكر مصطلح النرجسية للمرة الأولى في حدود القرن الثامن الميلادي، حينما ذكر الشاعر الروماني أوفيد قصة حياة “نارسيس”، نجل إله النهر، الذي وقع في غرام الصورة التي يعكسها النهر لوجهه الجميل، والتي جعلته يرفض الزواج بأي فتاة مهما كانت جميلة، قبل أن ينتهي به المطاف غريقًا بنفس النهر كعقاب من الآلهة، لتنبت زهرة النرجس مكان جثمانه.
تعريف النرجسية
النرجسية هي المرادف لحب النفس والأنانية المطلقة، وهو اضطراب نفسي في الشخصية يجعلها تمتلك صفات مثل التعالي والتكبر والغرور، وقد توالت محاولات تعريف النرجسية بدايةً من القرن الـ19، على يد عدد من رواد التحليل النفسي، أمثال أوتو رانك وسيجموند فرويد الذين ربطوا النرجسية بالغرور والإعجاب الزائد بالنفس.
سمات الشخصية النرجسية
ربما تكون محاطًا بشخص نرجسي في اللحظة التي تقرأ بها هذا الموضوع، لكنك فقط لا تعرف، لذلك وضع علماء النفس عددًا من السمات الرئيسية التي يمكن من خلالها التعرف على الشخصية النرجسية إذا ما أدركت أن الشخص محل التقييم يمتلكها كلها أو بعضًا منها.
- التركيز على الذات في العلاقات الشخصية.
- الشعور الدائم بالاستحقاق.
- نقص الوعي النفسي.
- صعوبة إبداء التعاطف.
- التمييز العنصري بين الذات والآخرين.
- فرط الحساسية تجاه الانتقادات.
- الشعور بالعار بدلًا من الإحساس بالذنب.
- الإطراء المستمر للأشخاص الذي يعجب بهم (الإطراء النرجسي).
- كراهية الأشخاص الذي لا يعجب بهم (الاعتداء النرجسي).
- لغة جسد متعجرفة.
- ادعاء الخبرة والمعرفة بكل المجالات.
- عدم القدرة على النظر للعالم من منظور الآخر.
- التظاهر بأنه شخص أهم مما هو عليه.
الخطايا السبع للنرجسية عند هوتشيكس
في نفس السياق، وضعت ساندي هوتشكيس في كتابها “الخطايا السبعة المميتة للنرجسية” تصورًا لبعض مواصفات الشخص النرجسي واختصرتها في صورة 7 خطايا وهي:
- الخزي أو العار: حيث يعاني الأشخاص النرجسيون من عدم القدرة على علاج العيوب بطريقة صحية دون إلحاق الضرر بالآخرين.
- التفكير السحري: عادة يظن النرجسيون أنهم أفضل من غيرهم، لذلك يقومون بتفريغ شعورهم بالعار بإسقاطه على الآخرين.
- الغطرسة أو التكبر: في الغالب، يشعر الشخص النرجسي بالدونية، لذلك يحاول تعويض ذلك النقص بإعادة هيبته لنفسه عبر الحط من شأن الآخرين.
- الحسد: يريد النرجسي أن يكون متفوقًا على الدوام، فإذا ما واجه من هم أفضل منه، يلجأ للادعاء بأنه محسود في محاولة لازدراء تفوق الآخرين عليه.
- الاستحقاق: الأشخاص النرجسيون لديهم توقعات عالية حول تلقيهم معاملة تفضيلية من الآخرين، ويعتبر عدم الامتثال والاعتراف بتفوقهم جريمة في حقهم.
- الاستغلال: دائمًا ما يستغل الشخص النرجسي الآخرين، دون وضع اعتبارات لمشاعرهم أو مصالحهم الخاصة، لأنه يعتقد أنه محور الكون.
- الحدود السيئة: يعتقد صاحب الشخصية النرجسية أن من حوله هم مجرد أدوات لخدمته، فإذا رفضوا ذلك، لا وجود لهم بالنسبة له، وذلك لأنهم -النرجسيون- لا يعترفون بأن البشر امتداد لبعضهم البعض.
كيف يصبح النرجسي نرجسيًا؟
لم يتوصل علماء النفس لأسباب قاطعة لإصابة الأشخاص باضطراب الشخصية النرجسية حتى الآن، لكن هنالك بعض النظريات التي تشير إلى وجود 8 أسباب محتملة لإصابة الإنسان بهذا الخلل، وجميعها يرجع إلى فترة الطفولة، وهي:
- التدخل الزائد من الأهل في حياة الطفل وتقييمهم المستمر والمبالغ به له.
- إظهار الإعجاب الزائد بقدرات الطفل حتى وإن كان لا يمتلك ما يدعو لذلك.
- تغير أنماط تعامل الأبوين مع الطفل بشكل مفاجئ دون مبررات.
- الإيذاء النفسي للطفل عبر توبيخه، وهو ما يجعله يسعى دائمًا للتفوق حتى ولو بطرق ملتوية كي يتجنب ذلك.
- الإطراء الزائد عن حده على شكل الطفل وهيئته.
- التشجيع الزائد، أو التوبيخ الزائد عن الطبيعي.
- شعور الطفل بعدم أهميته نتيجة لفشل الأبوين في التعامل عاطفيا معه، الأمر الذي يؤدي إلى رغبته في البحث عن التقدير والاحترام بأي وسيلة.
نقاط ضعف الشخصية النرجسية
على الرغم من أن الشخصية النرجسية تبدو قوية، إلا أنها تمتلك الكثير من نقاط الضعف، لأنها عادةً تشعر بإحساس دفين بالنقص، يسعى فقط لإخفائه بإظهار قوة زائفة، ويمكن اختصارها في التالي:
- السعي لتدمير علاقات الآخرين.
- الخوف من النجاح الوظيفي للآخرين.
- الخوف من النقد.
- الاعتداء على الآخرين عند الشعور بالإحباط.
- الحاجة للشعور بالاهتمام.
- الانعزال عن الآخرين.
- وهم العظمة.
أنواع الشخصيات النرجسية في علم النفس
حتى بعدما تعرفنا على السمات التي تتميز بها الشخصية النرجسية، ما زال من الصعب أن التفرقة بين شخص يمتلك بعض الصفات النرجسية وآخر مصاب باضطراب النرجسية، بالتالي يبدو من الأفضل التعمق أكثر لمعرفة أنواع النرجسية في علم النفس، حرصًا على تفادي الاختلاط بذوي الشخصيات النرجسية.
الشخصية النرجسية العلنية
هذا النوع هو الأكثر شيوعًا، حيث يميل النرجسي العلني إلى الظهور بمظهر العارف دائمًا، المعتد برأيه، الذي يعتقد بأنه دائمًا على حق، ويكون في الغلب شخصًا متسلطًا. ويرى أنه عظيمًا جدًا نتيجة لغروره الشديد، بل إنه يمنح نفسه الحق في تقييم الآخرين، ولا يمنحهم الحق ذاته، إلا إذا كان رأيهم فيه سيعلي من شأنه.
وتعد المشكلة الأكبر في التعامل مع هذا النوع من النرجسية أن المصاب بها يكون غليظًا في ردات فعله، ويستخدم التخويف كسلاح أول له لمهاجمة كل من تسول له نفسه أن يعارضه، ويساعده في ذلك عدم شعوره بالذنب جراء ما يمكن أن تسببه سخريته من الآخرين أو تحقيره لهم من آثار نفسيه عليهم.
كيف تتعامل مع النرجسي العلني؟
النرجسي العلني لا يعرف الإنصاف، لذلك فأفضل طريقة للتعامل معه هي تجنب مواجهته مباشرة، بالتالي يبدو من الأفضل أن يكون بعيدًا عن دائرتك المقربة، لكن إذا اضطررت لذلك تحت أي ظرف، ينبغي عليك عدم إعطاء أي مما يقول أهمية كبيرة، وذلك لتفادي التوابع النفسية الناتجة عن هجماته اللفظية المتوقعة عليك.
الشخصية النرجسية الجذابة
يكون اكتشاف صاحب هذا النوع من النرجسية صعبًا لأنه عادة لا يهاجم الآخرين، على العكس، فهو يستمر على الدوام في إمطار ضحاياه بالمديح وعبارات الثناء والإشادة، لكنه يخفي خلف ذلك دوافعه الحقيقية وهي رغبته في أن يبادله الآخرين نفس كلمات الإشادة والثناء إرضاءً لغروره، وليس اعترافا منه بتفرد المحيطين به.
يحافظ هؤلاء الأشخاص على عدد كبير من العلاقات القوية مع الآخرين في نفس الوقت، رغبة منهم في الحفاظ على الجرعات التي يحتاجونها من مستويات الاهتمام العالية، لكن سمة هذه الشخصية الأشهر هي اتباعه لأسلوب “الحار والبارد”، أي أنه يتقرب من الأشخاص ويعطيهم الاهتمام فيبادلونه بمثله، من ثم ينسحب من حياتهم دون مبررات، ويعيد هذه الدورة مرارًا، ما ينشئ بينه وبين ضحيته ما يعرف بالعلاقة المسمومة.
كيف تتعامل مع النرجسي الجذاب؟
أقر العلماء بصعوبة الابتعاد عن النرجسي الجذاب، لأنه غالبًا ما يغرق ضحاياه في المديح الذي يفضله أي شخص بكل تأكيد، لكن عوضًا عن ذلك يفضل أن يحاول الإنسان الذي يتعرض للتعامل مع هذا النوع من النرجسيين أن يتحلى بالتواضع، ولا يكترث بذلك الاهتمام الزائد عن حده، ويفضل أن تقطع أي اتصالات به إذا ما قرر هو أن ينهيها بلا عودة.
النرجسية الكامنة
تعرف النرجسية الكامنة بالخفية، وذلك لأن صاحبها يتميز بشكل من أشكال النفاق، حيث يمتلك وجهين، كل منهما يظهر في محيط اجتماعي ما، ويمتلك أصحاب هذه الشخصية صفات انتهازية طفيلية، ودائمًا ما يسعون لتقلد أعلى المناصب عبر إظهارهم لوجههم الحسن أمام من سيساعدهم على تبوء منصب ما، لكن العكس يحدث تمامًا مع الأشخاص الذين لن يستفيدوا منهم أثناء رحلة الوصول لأي هدف يريدونه.
تنتشر صفات النرجسية الكامنة عادة عند الساسة والمعلمين ورجال الدين، حيث إن الوجوه التي يظهرها هؤلاء على شاشات التلفاز وبين التجمعات العامة تختلف شكلًا وموضوعًا عن تلك التي يظهرونها لمن حولهم بحياتهم الخاصة، حيث يتسمون بأعلى درجات التسلط والتحكم، لكن مع الحفاظ دائمًا على قدرتهم الفريدة في لعب دور الضحية.
كيف تتعامل مع النرجسي الكامن؟
إذا كنت معرضًا للتعامل مع شخص نرجسي كامن بصفة دورية، ستكون في مهمة شاقة، لكن الأهم هو عدم الانصياع لرغبته في بدء لعبة إلقاء اللوم أثناء مناقشته، وعوضًا عن ذلك ينصح العلماء بنقده داخل الغرف المغلقة وليس على المشاع، لأنه لا يرغب مطلقًا في أن تهتز الصورة التي رسمها لنفسه عند من ينظرون إليه كشخص ذا قيمة في المجتمع.
النرجسية الانتقامية
يعتبر النرجسي الانتقامي هو أشد أنواع النرجسيين خطورةً، لأننا إذا ما افترضنا أن النرجسي في العموم يفتقد للقدرة على التعاطف مع الآخرين، فهذا النوع تحديدًا قد يتخطى ذلك بمحاولته السعي لتدمير حياتك، فقط إذا شعر بأنك لا تقدره بالشكل الذي يريد، أو تحط من قدر إنجازاته الشخصية.
صاحب الشخصية النرجسية الانتقامية يتغذى على صنع الأزمات، ويحبذ الحياة وسط الاضطرابات، ويستخدم كل الحيل الدنيئة الممكنة ضد ضحاياه مثل الحديث عن الآخرين خلف ظهورهم لتشويه سمعتهم، أو اقتحام خصوصياتهم وتدمير علاقاتهم الشخصية بالآخرين.
كيف تتعامل مع النرجسي الانتقامي؟
حقيقةً، لا توجد الكثير من الأشياء التي يمكن فعلها عند التعرض للتعامل مع شخص من هذا النوع، لأنه لا يمتلك أية حسابات، ولا يمكن مواجهته بالحجة أو المنطق، لذلك فإذا ما وقعت ضحية لنرجسي انتقامي، قد لا تمتلك حلا سوى جمع الأدلة التي تدين محاولاته لتدمير حياتك على هيئة شهادات من الآخرين أو رسائل نصية ومكالمات، ومن ثم مواجهته بها، فقط من أجل إثبات براءتك وإدانته.
النرجسية الصحية
على الرغم من أن النرجسية في العموم أمر سلبي، إلا أن هنالك نوعا من أنواع الشخصيات النرجسية يعرف بالنرجسية الصحية، ومن مسماه يمكننا أن نتوقع أنه أمر جيد، تتمثل النرجسية الصحية في شعور المرء بالفخر والسعادة تجاه جماله، وأسلوب تفكيره وإنجازه لمهمة صعبة على نحو جيد.
لذلك فالنرجسية الصحية أمر يمكن للإنسان الإبقاء عليه، لأنه شعوره بالسعادة والرضا عن ذاته يجعله عرضةً لتحقيق المزيد من الإنجازات وتخطي لحظات الإحباط والفشل.
هل يمكن علاج المصاب باضطراب الشخصية النرجسية؟
لا توجد عقاقير طبية تتمكن من علاج هذا الاضطراب إلى الآن، لذلك تتمحور سبل العلاج حول العلاج النفسي للمصاب، بالإضافة إلى إمكانية السماح له بتعاطي بعض العقاقير المضادة للاكتئاب، من أجل تحسين حالته المزاجية، لكن طبعًا بعد استشارة الطبيب النفسي.
أما بالنسبة لرحلة العلاج النفسي للشخص النرجسي، فتنقسم إلى جزئيات تكمل بعضها البعض:
- العلاج المعرفي السلوكي: ويكتشف المصاب من خلاله سلوكياته الخاطئة ويتأكد من عدم أهميتها بالنسبة له، كي يستبدلها بأخرى صحية.
- العلاج الأسري: حيث تشترك أسرة المريض كاملة في جلسات معه كي يتعرفوا أيضًا على المشاكل التي يعاني منها وكيفية مساعدته على تخطي هذه الأزمة.
- العلاج الجماعي: في هذه المرحلة يجلس المصاب ويتشارك جلسات مع آخرين يعانون نفس الاضطراب الذي يعاني منه، الأمر بهدف مشاركة وتبادل الخبرات فيما بينهم.
- تغيير نمط الحياة: ويكون ذلك عبر مواجهة ضغوطات الحياة المختلفة، أو اكتساب عادات جديدة مثل لعب الرياضة، أو ممارسة أي هواية يختارها بنفسه.
أخيرًا ومع اعتراف الجميع بخطورة التعامل مع الشخصية النرجسية على حياة الآخرين إلا أنه لا داعي للخوف المطلق منه بل الحذر وحسب، لأنه من الممكن أن يؤذيك إن وقعت ضحية له، ومن الممكن أن تتأثر به وتتحول لشخص نرجسي أيضًا دون أن تدري.
إن كان في محيط معارفك شخص نرجسي يحمل بعض أو كل الصفات المذكورة أعلاه، ينصح بتقديم الدعم له بإيصاله إلى أحد المختصين بطب النفس سريعًا، قبل أن تتفاقم أعراض هذا الاضطراب، ويلحق الضرر بنفسه وبالآخرين.