“كان يا ما كان في قديم الزمان”، جملة سمعها الجميع تقريبا في طفولتهم، وكان يليها سرد ممتع جدا لحكايات وقصص غاية في الجمال والإنسانية والانتصار للخير، لكن الحقيقة أن تلك القصص حين سردت لأول مرة لم تكن تحمل أي من معاني الإنسانية التي جسدتها أفلام ديزني الأمريكية في عقول الأطفال، بل حملت البشاعة والعنف ونهايات مليئة بالدموية لأشهر قصص الأطفال.
سندريلا، ذات الرداء الأحمر، والأميرة النائمة..، شكلت تلك القصص جزءا كبيرا جدا من طفولة ملايين الشباب حول العالم، ولا تزال حتى اليوم هي الحكايا المفضلة لدى الصغار في جميع الأجيال، لكن لو يعرف أحد النهايات الأصلية المرعبة المليئة بالوحشية والدموية لتلك القصص، فسيندهش كثيرا، خاصة إذا علم أن ذات الرداء الأحمر التهمها الذئب، وأن الطيور الرقيقة التي كانت تغرد لتوقظ سندريلا من نومها، قامت بمعاقبة بنات زوجة أبيها بفقئ عينيهما بالمناقير، في هذا التقرير نتعرف على النهايات المأساوية لأشهر قصص الأطفال.
قصص اطفال مكتوبة
الأميرة النائمة
في رواية ديزني المعدلة ينقذ الأمير الجميلة النائمة تاليا -اسم الأميرة الأصلي في رواية حملت عنوان الشمس والقمر وتاليا- عبر قبلة ثم تتزوج منه وتعيش حياة سعيدة مليئة بالبهجة، لكن الرواية الأصلية التي وجدت في القرن الـ17 بكتاب الأديب الإيطالي بينتاميرون، تسير القصة في نصفها الأول كما هي الآن، إذ تصيب الأميرة لعنة من ساحرة شريرة تجعلها تموت بلمس إبرة المغزل، لكن الجنيات يخففن من أثر اللعنة وتعيش الأميرة ولكن نائمة، وتطول مدة نومها لمائة عام.
وفي النصف الثاني من القصة لا يوجد أمير، بل ملك، وهذا الملك لا ينقذ الأميرة عند مروره في الغابة بتقبيلها، بل يبهره جمالها الآخاذ فيغتصبها بوحشية شديدة، ولا تستيقظ الأميرة خلال ذلك، ولا حتى خلال حملها من الملك بتوأم ثم ولادتهما، لكنها تستيقظ حين يمص احد صغيريها الإصبع الذي جرحته إبرة المغزل، فتنتهي اللعنة، وهنا يظهر الملك مرة أخرى، فقد ظل يحلم بتاليا طوال الوقت، ورغم أنه متزوج يقرر اصطحاب تاليا وولديها شمس وقمر إلى القصر، الأمر الذي يثير غضب زوجته فتنتقم منه عبر اختطاف الولدين ثم تأمر طاهي الملك بذبحهما وطهيهما ليتناولهما الملك على العشاء، يرق قلب الطاهي للصغيرين ولا ينفذ أوامر الملكة، ويذبح خروفين ويقدمهما للملك بدلا من الطفلين.
ولكي تعاقب الملكة تاليا، تحضر لها قدرا كبيرا مملوءا بالأفاعي السامة لتغرقها فيه، لكن صراخها يصل إلى أذني الملك فيهب لإنقاذها فورا، ويواجه زوجته الغاضبة، والتي تخبره بأنها أطعمته طفليه على العشاء رغبة في الكيد له، يجن جنون الملك ويأمر بإحضار الطباخ ليضعه داخل قدر الأفاعي، فيكشف له الطباخ البريئ أنه حمى الطفلين، فيتحول غضب الملك الشديد تجاه زوجته فيلقيها هي في القدر، ويتزوج بعد ذلك من تاليا ويعيش معها هي والطفلين حياة هانئة في القصر.
سندريلا
في قصة سندريلا الحقيقية، تبذل زوجة أبيها كل ما في وسعها لتعذيب سندريلا والفوز بالأمير كزوج لإحدى ابنتيها، إلى حد أنها تأمر الخدم بقطع أصابع قدميهما ليتناسب الحذاء مع مقاس إحداهما، لكن الأمر لا يجدي نفعا، وحين تنجح سندريلا في ارتداء الحذاء وتفوز بقلب الأمير وتتزوجه، تعاقب طيورها المخلصة زوجة أبيها وابنتيها بفقئ أعينهم بالمناقير، لقسوتهم مع سندريلا.
سنو وايت
أما قصة سنو وايت أو بياض الثلج، فالبشاعة لا تحتمل حقا، لأن الشخصية الشريرة التي تغار من جمال سنو وايت وتريد الفتك بها ليست زوجة أبيها، بل والدتها، وبعد أن ينقذها الأقزام من وحشية أمها وتقابل الأمير وتتزوجه، يعاقب الأمير امها بجعلها ترقص في عرسهما بحذاء حديدي مشتعل حتى تضعف تماما وتموت.
ذات الرداء الأحمر
في الرواية الأصلية لذات الرداء الأحمر أو “ذات القبعة الحمراء” -الاسم الأصلي للقصة- والتي كتبها الفرنسي “شارل بيرو”، لا تنجو الفتاة من الذئب، بل ينتهي بها المطاف كوجبة تحلية للذئب، إذ يسبقها لبيت الجدة، وفورا يلتهم المرأة العجوز ويرتدي ثيابها ويقبع منتظرا الصغيرة، وحين تصل إلى منزل جدتها وتدخل غرفتها، يطالبها الذئب المتنكر بطلب عجيب، يأمرها أن تنزع عنها لباسها وتشاركه الفراش عارية تماما، وحين تمتثل للأوامر يلتهما الذئب فور صعودها إلى الفراش بجانبه.
عروس البحر الصغيرة
في القصة التي خطها الكاتب الهولندي الشهير هانز كريستيان أندرسن بالقرن التاسع عشر، تأخذ الأحداث مجرى مختلف تماما لما حدث في فيلم ديزني الشهير “ذا ليتل ميرميد”، إذ تضحى عروس البحر الصغيرة بلسانها وتفقد صوتها الشجي في الترياق الذي صنعته لها ساحرة كي تتحول إلى بشرية تسير على قدمين، وليس ذلك فحسب، بل تخبرها الساحرة أنها لن تسير بشكل عادي كما يفعل البشر، لكن ستشعر كما لو أنها تسير فوق عشرات النصال الحادة، وإن فشلت في إيقاع الأمير في حبها فستتحول إلى زبد فوق سطح الماء حال تزوج الأمير بأخرى.
وللفجيعة تنقذ عروس البحر الأمير من الغرق ذات يوم كما حدث في فيلم ديزني، لكنه لا يراها حين يستعيد وعيه، بل يرى فتاة أخرى يعتقد أنها من أنقذته، ولأنها فقدت النطق لم تستطع عروس البحر التحدث إلى الأمير قط، وبعد فترة يسافر الأمير إلى بلدة مجاورة ويجد الفتاة التي يظنها أنقذت حياته، فيقرر الزواج منها، ويقيم حفلا أسطوريا فوق إحدى السفن الكبيرة، ومن بعيد تقف عروس البحر الحزينة تبكيه بدموع صامتة وهي تنظر إلى الماء الذي ستطفو فوقه عن قريب، وبعد انتهاء الزواج فعلا، تتحول عروس البحر إلى زبدٍ طافٍ، ويبصرها الأمير وزوجته وهما يظنان أنها ألقت بنفسها في البحر، لكن العروس الحزينة رغم طفوها فوق الماء تتحول روحها إلى فتاة هواء غير مرئية، فتقترب من الأمير وتبتسم له ثم تقبل جبين عروسه، وتطير بعد ذلك إلى السحب الوردية.
لماذا كل هذا العنف والدموية؟
لم يكن كتاب تلك القصص مصابين بأمراض نفسية، أو يرغبون في نشر العنف، بل كانت قصصهم أشبه بتحذيرات وتوعية للأطفال وخاصة الفتيات بعاقبة الأفعال الخاطئة، فمثلا في رواية بيرو لذات الرداء الأحمر، كان يرغب في تحذير الفتيات من الشباب الذين يتلاعبون بالفتيات ثم يتركونهن وقد فعلن بهن الأفاعيل، حتى أن بيرو ينهي قصته بحكمة أو نصيحة موجهة للأطفال فيقول: “الأطفال، وخاصة الفتيات الجميلات لا يجب أن يتحدثوا أبدا مع الغرباء، حتى لا يصيروا وجبة للذئب، أقول ذئب لأن هناك أنواع مختلفة من الذئاب، فهناك الذئاب اللطيفة الساحرة الهادئة التي تتبع الفتيات أينما ذهبن، وللأسف فهذه الأنواع اللطيفة من الذئاب هي الأخطر على الإطلاق، وقد شاع في الأوساط الباريسية وقتها مثل شعبي عن الفتاة التي حبلت دون زواج، فكان يقال عنها “لقد رأت الذئب”.
أما الأساليب التي اتبعها الملك في الانتقام من زوجته برواية الشمس والقمر وتاليا، فقد كانت تلك الأساليب دارجة جدا ومتبعة في عقاب المجرمين والمذنبين بتلك العصور، بعض تلك العقوبات التي كانت تطبق على المجرمين، القتل عن طريق الدهس تحت أقدام الأفيال الضخمة، أو الحبس مع العقارب والثعابين حتى الموت بلدغاتهم، أو السلق في وعاء من الرصاص المنصهر، وغيرها من الأساليب البشعة مفرطة الدموية والتي كانت معتادة جدا في تلك العصور القديمة.