بابلو إسكوبار، هو الاسم اللامع في عالم الجريمة، وسيئ السمعة بقدر شهرته الواسعة، والسر في أنه للرجل الكولومبي الذي تعددت وتدرجت نشاطاته الإجرامية، حتى وصل به الحال إلى أن صار امبراطور تجارة المخدرات الأول في العالم، قبل أن تنتهي رحلة صعوده المثيرة بسقوط مدوٍ لا ينسى.
نشأة بابلو إسكوبار
في مطلع الشهر الأخير من شهور عام 1949، يوم الأول من ديسمبر، ولد بابلو إسكوبار في كولومبيا لأسرة بسيطة، حيث كان الأب يعمل في الفلاحة فيما امتهنت الأم التدريس، الأمر الذي لا يبدو وأنه أعجب الابن الطموح الذي بدأ في محاولاته لكسب المال السريع منذ سن مبكر.
شهدت مرحلة المراهقة بداية ضلوع إسكوبار في الأعمال الإجرامية، والتي استهلها ببيع شهادات جامعية تبدو حقيقية رغم أنها مزورة، قبل أن يشارك في عمليات نهب تمثلت في سرقة أجهزة الصوت والسيارات وحتى أحجار المقابر، من أجل بيعها والتربح منها.
استمر إسكوبار في تنفيذ سرقاته التي أدت إحداها إلى وقوعه للمرة الأولى تحت طائلة القانون، حيث سجن وهو لم يتجاوز الـ24 من عمره لفترة من الوقت في عملية سرقة لسيارة، ليغير اتجاهه قليلًا بعد الإفراج عنه وينضم لعالم المخدرات المتخم بالأموال والدماء.
تأسيس إمبراطورية كارتل ميديلين
في عام 1976، أسس بابلو إسكوبار رفقة مجموعة من الأصدقاء الخارجين عن القانون، منظمة كارتل ميديلين الإجرامية، والتي تمثل نشاطها الأوحد في تهريب الكوكايين بين أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية.
تمكن إسكوبار وأعوانه من فرض السيطرة التامة على عالم تجارة الكوكايين، بدرجة زادت من الأرباح بصورة خرافية، ربما لم يتخيلها أعضاء منظمة كارتل ميديلين أنفسهم في بداية الأمر، إذ بلغت المكاسب في فترة من الفترات، نحو 420 مليون دولار في الأسبوع، وهو الرقم الضخم في كل الأحوال، وتحديدًا حينما يحقق في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ليصبح الشاب الكولومبي وأصدقائه من الأثرياء في غضون فترة بسيطة.
بدا جمع المليارات من المهام الروتينية المعتادة لبارون المخدرات الأشهر، إذ تمت عمليات الشراء والبيع بسلاسة شديدة، وخاصة مع نجاحه في توسعة دائرة العلاقات لتشمل كل سياسي فاسد أراد تحقيق الثراء السريع، وسواء كان في كولومبيا أو في الدول المجاورة، ما دفعه لعالم الترف والبذخ.
إسكوبار وحياة الترف والبذخ
كان من البديهي ألا يجد بابلو إسكوبار أي أزمة في إنفاق أمواله الطائلة في أمور غرضها الوحيد الرفاهية، فيما تكشف في باطنها عن البذخ الشديد، حيث اشترى أكبر القصور وأحدث السيارات والطائرات الخاصة، فيما كانت الحفلات التي ينظمها تنفق فيها الأموال دون حساب.
تشير بعض التقارير إلى أن الأمر وصل ببارون الكوكايين، إلى حد قيامه بحرق نحو 2 مليون دولار داخل منزله، ليس إلا من أجل تدفئة ابنته التي كانت تشعر بالبرد حينها، علاوة على أنه عرض في إحدى المرات تسديد ديون بلاده البالغة 10 مليارات دولار، ولكن مقابل الإعفاء من أي عقوبة ارتكبها من قبل.
امتلك إسكوبار كذلك قصره الضخم الذي تواجد على أرض شاسعة المساحة وتبلغ نحو 7000 فدان، عرفت باسم ملكية هاسيندا نابولي، حيث تكلف الأمر نحو 63 مليون دولار، من أجل إنشاء القصر الساحر وملعب كرة كبير، إضافة إلى ملعب لمصارعة الثيران، وتماثيل ضخمة لديناصورات.
لم يكتف بابلو إسكوبار بذلك، بل قام بتأسيس حديقة حيوان خاصة بجوار منزله، تكونت من حوالي 200 حيوان مختلف، مثل الأفيال والنعام والجمال والزراف، لتعد واحدة من أبرز نماذج الترف التي عاشها زعيم عصابات كارتل ميديلين، والتي استفادت منها الدولة فيما بعد، مع قيامها بنقل تلك الحيوانات للحدائق التقليدية في البلاد.
بابلو إسكوبار روبن هود كولومبيا
بينما يحرص زعماء العصابات ومنذ عصر آل كابوني وربما قبل ذلك، على تحسين صورتهم في المجتمع وربما كسب تعاطف طبقات الشعب العادية تحسبًا لأي ظرف، فإن بابلو إسكوبار سار على نفس الدرب، حينما تحول من الرجل الخارج عن القانون إلى روبن هود كولومبيا في أعين أبناء وطنه.
قام إسكوبار ببناء المستشفيات التي استهدفت علاج الفقراء، وأسس ملاعب الكرة من أجل إسعاد الأطفال الصغار، كما بنى المنازل للمشردين ومحدودي الدخل، ليحظى الكولومبي الطموح بشعبية جارفة ساهمت في وصوله لمقعد سياسي مميز، تمثل في الانضمام للكونجرس الكولومبي في سنة 1982.
لم يستمر النجاح السياسي الظاهري لإسكوبار طويلًا، حيث بدأ الخناق يضيق حول بارون المخدرات رويدًا رويدًا، حتى كشفت التحقيقات بما لا يدع مجالًا للشك عن نشاطاته الإجرامية، والتي توسعت بصورة لم يعد من الممكن إشاحة النظر عنها كما كان يحدث من قبل.
أجبر بابلو إسكوبار على تقديم استقالته من الكونجرس الكولومبي بعد فترة لا تتجاوز العامين من الانضمام، فيما فوجئ الجميع في غضون فترة قصيرة، بتعرض وزير العدل الذي حمل على عاتقه كشف فساد إسكوبار للاغتيال.
الفضة أم الرصاص؟!
اعتمد بابلو إسكوبار في نشاطه الإجرامي على اختيارين لا ثالث لهما، عند التفاوض مع الآخرين، وهما الفضة أو الرصاص، فبينما أشارت الأولى إلى الرشاوي التي كان يدفعها لتسهيل مهامه، والتي شكلت الخيار الأسهل له، فإن الثانية الممثلة في إطلاق الرصاص على من يعارضه لم تكن مكروهة أيضًا من جانبه ورفاقه.
بدت عمليات القتل سهلة على إسكوبار وأعوانه، إلى الحد المفزع الذي أفصحت عنه التقارير الشرطية، والممثل في قيام منظمة كارتل ميديلين بقيادة بابلو إسكوبار، بقتل أكثر من 4000 شخص على مدار سنوات نشاطهم، ومن بينهم رجال شرطة ومسؤولين رسميين في البلاد.
شعر بابلو إسكوبار باقتراب نهايته إن لم يسلم نفسه للسلطات، لذا قرر التفاوض بشأن الموافقة على سجنه ولكن في محبس خاص يقوم هو ببنائه، ما وافقت عليه الحكومة الكولومبية حقنًا للدماء، ليشهد عام 1991 تأسيس سجن لا كاتدرال الفاخر، الذي تكون من ملهى ليلي وساونا وشلالات مياه وملعب كرة، إلى جانب الأجهزة الحديثة كافة في هذا الوقت، كالحواسيب وأجهزة الفاكس والتليفون.
بداية النهاية
لم تسر الأمور كما خطط لها من قبل الحكومة الكولومبية، إذ فوجئت بقيام بابلو إسكوبار ومن داخل سجنه الفاخر، بتعذيب وقتل عضوين سابقين في منظمته الإجرامية، لذا قررت نقل الزعيم الشهير إلى سجن آخر لا يتسم بالترف الذي تمناه، ما دفعه إلى الهروب قبل عملية نقله في صيف عام 1992.
بدت جرائم بابلو إسكوبار قبل وبعد السجن مزعجة للسلطات داخل وخارج كولومبيا، لذا جاء هروبه ليشكل بداية النهاية لأسطورة عالم الجريمة الذي كان يحتفل بعيد مولده الـ44 في يوم هادئ، سبق يوم العاصفة التالي الموافق 2 ديسمبر لعام 1993، والذي فوجئ فيه باقتحام الشرطة الكولومبية المدعومة بمسؤولين من الولايات المتحدة لقصره.
سعى إسكوبار للهرب من قبضة القانون مع حارسه الشخصي عبر الصعود إلى سطح المنزل، لتحدث المواجهة المميتة بينه وبين عناصر الشرطة، والتي انتهت بقتله بالرصاص، أعلى قصره شديد الفخامة.
تشير بعض الأقاويل إلى أن بابلو إسكوبار هو من قام بالانتحار قبل إلقاء القبض عليه بلحظات، حيث باتت تلك التكهنات مدعومة بمقولة إسكوبار التي أفصح عنها حينما كان مهددًا بالسجن في الولايات المتحدة إن قبض عليه، وهي “أفضل أن أحصل على قبر في كولومبيا، عن البقاء داخل زنزانة بالولايات المتحدة الأمريكية”.
في كل الأحوال، جاءت نهاية زعيم المخدرات الأشهر وبارون الكوكايين الكولومبي، بابلو إسكوبار، شبيهة إلى حد كبير بنهايات أغلب زعماء العصابات، والذين ما أن صعدوا إلى أعلى المراتب وجمعوا أغلى الكنوز والأموال، حتى سقطوا في نهاية المطاف بأسوأ الطرق وأبشع الأشكال.