اعتقد الأطباء على مدار أكثر من قرن من الزمان، أن السر وراء إصابة البعض بأزمة قرحة المعدة الصحية هو التوتر، حتى ظهر الطبيب باري مارشال في ثمانينيات القرن الماضي، حيث واجه ذلك المفهوم الخاطئ بأغرب طريقة ممكنة، عبر تناول البكتيريا المسؤولة عن المرض المذكور لإثبات وجهة نظره.
قرحة المعدة
لم يكن من السهل على أحد منذ نحو 40 عاما، أن يكذب التصور الشائع آنذاك، والمتمثل في تسبب التوتر في المعاناة من قرحة المعدة، حيث عانى الطبيب الأسترالي الشاب في ذلك الوقت باري مارشال كثيرا، كي ينجح في إقناع من حوله بتصوره الخاص.
لاحظ مارشال عدم وجود دليل قوي على اعتبار التوتر هو المحفز الأقوى على الإصابة بقرحة المعدة، حيث ساد ذلك الاعتقاد لسنوات طويلة دون أن تجرى تجارب علمية كافية لإثبات الأمر، ما دفع الطبيب الشاب إلى البحث عن السبب الأقوى وراء معاناة البعض من هذا المرض بالمعدة.
كان مارشال في السنة الثالثة له بزمالة الطب الباطني، حينما قرر الكشف على عدد من المصابين بقرحات المعدة، إذ لاحظ حينئذ معاناتهم جميعا من نفس البكتيريا بالمعدة، والتي تعرف باسم الملوية البوابية، الأمر الذي كان بمثابة اكتشاف مذهل بالنسبة للطبيب الشاب، ولكنه لم يقابل بنفس الترحيب من قبل المسؤولين، الذين رفضوا حتى إعطاء مارشال فرصة تجربة الأمر على مرضى حقيقيين، لذا قرر الاعتماد على نفسه، ووضع صحته على المحك من أجل اكتشافه.
طبيب يتناول البكتيريا
شعر الطبيب باري مارشال بالغضب من قرار المجتمع الطبي، بإلغاء احتمالية تسبب بكتيريا ما في الإصابة بمرض قرحة المعدة، لكنه لم ييأس ودافع عن وجهة نظره عبر اللجوء لأغرب حيلة، وهي تناول البكتيريا المسببة لهذا المرض بالمعدة.
فوجئ مارشال عقب مرور 5 أيام فقط على فعلته الجريئة، بمعاناته من القئ الناتج عن تناول بكتيريا الملوية البوابية، لكنه أدرك نجاح خطته مع مروره بأعراض أخرى تؤكد إصابته بقرحة المعدة، التي شفي منها خلال فترة قصيرة، لكنها كانت صاحبة أكبر الأثر في تغيير الكثير من المفاهيم التقليدية على مدار سنوات طويلة.
عكف الباحثون على دراسة اكتشاف مارشال لعقود، حتى توصلوا إلى صحة اعتقاده بدور الملوية البوابية في تحفيز قرحة المعدة، الأمر الذي نتج عنه الاحتفاء بالطبيب المهلم، باري مارشال، بأكثر من طريقة، تمثلت أبرزها في منحه جائزة نوبل في الطب في عام 2005، تقديرا لجهوده في الكشف عن أسباب الإصابة بمرض، ولو على حساب صحته.