بدر الدين الحسني، هو ذلك الإمام والعلامة في أصول الفقه والتفسير، والذي ألف عشرات الكتب في عمر الشباب، فيما صار لاحقا العالم الذي عشقه الجميع بفضل بلاغته وورعه وكذلك قوة شخصيته وعزة نفسه وكرامته، فكيف كانت نشأة هذا الفقيه العظيم؟ وما هي أبرز مؤلفاته ومواقفه؟
نشأة بدر الدين الحسني
ولد بدر الدين محمد بن يوسف بن عبد الله المراكشي الحسني، في عام 1851م، والتي توافق سنة 1267ه، في العاصمة السورية دمشق، حيث عاش والده في مصر لفترة قبل أن يشد الرحال إلى سوريا، وينجب طفله بدر الدين، الذي لم ينعم بالحياة بين أحضان والده إلا لأقل من 12 سنة فقط.
عانى بدر الدين الحسني من اليتم مبكرا، إلا أن والدته لم تتركه إلا وأودعته في عناية صديق أبوه، الشيخ أبي الخير بن عبد القادر الخطيب، والذي كان عالما دينيا تقيا، رأى في بدر الدين منذ الصغر الذكاء المتقد والحماس لتعلم أصول الدين، فذهب به لكبار علماء هذا العصر لينهل منهم المعرفة.
كان بدر الدين يقدر العلم بصورة فائقة، فبينما كان يدرس أصول الدين ويحفظ القرآن الكريم ويقرأ الحديث الشريف حتى صار يلقب بالمحدث الأكبر في سن صغير، فإنه لم يتجاهل الكثير من العلوم التي لفتت انتباهه، لذا كان يهتم بدراسة الطب والرياضيات والفلك وكذلك الفلسفة والمنطق وعلوم اللغة، ليتحول لذلك العالم الجليل الذي يفوق جميع العلماء الآخرين حكمة ودراية بالأمور، ويصبح بمثابة دائرة معارف سيارة، كما أطلق عليه الشيخ محمد رشيد رضا.
مؤلفات بدر الدين الحسني
بينما يعتبر سن الثلاثين بالنسبة لأغلب العلماء الحريصين على تأليف الكتب، هو سن الإنطلاق أو البداية، فإنه كان بمثابة سن اكتمال مؤلفات بدر الدين الحسني، الذي كان له أكثر من 40 كتاب ورسالة، وهو لا يزال في بداية الثلاثينيات من عمره.
من بين مؤلفات الإمام بدر الدين، كتاب الدرر البهية في شرح المنظومة البيقونية، وكتاب روض المعاني لشرح عقيدة العلامة الشيباني، وكذلك كتاب حاشية على شرح الرحبية في علم الفرائض، وكتاب غاية المرام على شرح القطر لابن هشام.
كذلك كتب بدر الدين رسالة فيض الوهاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب، وكتاب البدور الجلية في شرح نظم السنوسية، علاوة على كتب في شرح البخاري وشرح الشمائل وشرح السلم في المنطق وغيرها من المؤلفات التي توقف بدر الدين عن كتابتها منذ مطلع العقد الرابع من عمره، لينصب تركيزه على التدريس الذي زاد كثيرا من شهرته ومن تعلق الناس به، كما نوضح.
عقيدة الشيخ بدر الدين الحسني
كان بدر الدين الحسني مثل والده شافعي المذهب، حيث كشف عن ذلك بوضوح في واقعة شهيرة، حينما كان على سفر، لكنه كان لا يقصر في الصلاة بل يتم الصلاة كاملة بأن يصلي العصر 4 والعشاء 4، معللا ذلك بأن المذهب الشافعي يجيز القصر في الصلاة عندما يكون السفر من أجل طاعة وليس سفر المعصية!
بينما اندهش التلاميذ المرافقين لبدر الدين من عبارته المفاجئة، فإنه شرح لهم بأن سفره ليس طاعة نظرا لأنه مدين، وعليه أن يسدد كامل دينه، لذا فهو يرى سفره معصية ويتوجب فيه إتمام الصلاة دون قصر، ما كان بمثابة درسا قويا للمحيطين بهذا الشيخ الجليل في الإلتزام والطاعة والأمانة الشديدة مع النفس.
أما عن التدريس فقد بدأ الأمر من مساجد دمشق، قبل أن يأمر السلطان عبد الحميد بأن يعطي بدر الدين دروسه من المسجد الأموي وتحت قبة النسر الشهيرة، التي عرفت بأن الشيخ الذي يجلس تحتها هو شيخ علماء الشام، فيما أدرك الجميع أن الحسني يستحق ذلك بعد أن أبهرهم بما يتمتع به من فصاحة وبلاغة وقدرة فائقة على الشرح المبسط.
تاريخ وفاة الشيخ بدر الدين الحسني
عاش بدر الدين بعيدا عن عالم السياسية لأغلب سنوات حياته، إلا أن الأحداث المصاحبة للحرب العالمية الأولى وما شهدته من تأثيرات مختلفة على الأمة العربية، دفعته إلى الإعلان عن مواقفه القوية، حيث رفض إعطاء فتوى بإعدام الكثيرين ممن رأى الشيخ أنهم ظلموا، فيما خرج علنا ليقود الناس ويغذي فيهم الروح الثورية ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا آنذاك، وفي الفترة ما بين سنة 1925 و 1927م.
استمر بدر الدين الحسني في عمله الدؤوب سواء بتعليم الناس أصول الدين أو بالدعوة إلى رفض الظلم، حتى توفي في عام 1935م والذي يوافق سنة 1354ه، حيث خرج جثمانه الملفوف بالأبيض كما أوصى، في موكب رسمي يطوف دمشق والمحبين من خلفه، في مشهد مهيب تحدثت عنه الصحف العربية حينها، ليرحل عن عالمنا الإمام الجليل الزاهد، الذي لم يغتب أحدا، ولم يعطي الفرصة لأي شخص أن يغتب أحدا خلال مجلسه يوما.