في 2021 أعلن فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد الإسباني، عن إطلاق مشروع “السوبرليج”، وهي بطولة شبه مغلقة، تتنافس فيها مجموعة من أندية النخبة الأوروبية طوال الموسم.
كانت فكرة بيريز، التي حاول استبدال دوري أبطال أوروبا من خلالها، مُفسَّرة من وجهة نظره؛ جميع الأندية الأوروبية تعاني من أزماتٍ مادية نظرًا لهجر الجماهير الأصغر سنًا لكرة القدم لصالح نشاطات أكثر إثارة.
بالطبع فشلت هذه الخطة، وانهار مشروع السوبرليج، لكنّها لم تكن المرّة الأولى التي يتم فتح نقاش جاد حول ضرورة منح أندية النخبة المزيد من الامتيازات، وربما لن تكون الأخيرة. فما القصة؟
مارادونا ضد ريال مدريد
كانت قد مرّت بضع سنوات على آخر مواجهة جمعت مارادونا بنادي العاصمة الإسبانية أثناء لعبه لبرشلونة. في 1987، كان دييجو الذي نُصِّب نفسه ملكًا للعالم ومعشوقًا لجماهير نابولي الإيطالي أمام اختبار صعب، حين أوقعت قرعة كأس أوروبا للأندية البطلة ناديه نابولي في مواجهة ريال مدريد بالدور الأول.
وُصفت مباراة الذهاب بمباراة الأيتام، حيث لعب الفريقين اللقاء على ملعب سانتياغو بيرنابيو دون جمهور، كعقوبة لجماهير الميرنجي “أولتراس سور” عقب أعمال عنف اندلعت أثناء مباراتهم ضد بايرن ميونخ بالنسخة السابقة.
في الواقع، لم تكن هذه المباراة أقل حرارة، لسبب لا نعلمه، اتسمت المباراة بالعنف الشديد، لكم اللاعبون بعضهم البعض، ووصف لاعبو ريال مدريد خصومهم بأعضاء المافيا، فيما تعدّى حارس نابولي على مدرّب الريال ليو بينهاكر.
قبل لقاء العودة، بدا ريال مدريد أكثر ارتياحًا، خاصة بعد انتهاء الذهاب بثنائية نظيفة، لكن العنف استمر بلقاء العودة، حتى قبل أن يبدأ اللقاء؛ حيث استقبلت بعثة الفريق الإسباني في المطار بوابل من البيض الفاسد والسباب. لكن على أرض الملعب، لم يتغيَّر أي شيء، مباراة مملة تارة، وعنيفة في أخرى. بينما نجح ريال مدريد في العبور للدور التالي، بعد تعادل إيجابي بهدف لمثله.
مشاهد كتلك تتكرر بشكل دوري، سواءً كانت مشاهد العنف داخل الملعب وخارجه، أو حتى إقصاء نجم بحجم مارادونا من منافسة قارّية بدور مبكِّر من دوري أبطال أوروبا. ما الذي أكسَب هذه المباراة قيمة مُضاعفة إذن؟
رجُل دوري أبطال أوروبا
من بعيد، جلَس أحد أهم رجال إيطاليا متابعًا للوضع، وبصفته مالك لنادي إيه سي ميلان، قرّر “سيلفيو بيرلسكوني” الذي أصبح رئيسا لوزراء إيطاليا في وقت لاحق أنّ يخرُج عن صمته.
حتى تفهم سبب استياء برلسكوني من إقصاء نابولي من الدور الأول، عليك فقط أن تُدرك أن سيلفيو لم يكن محبًا لمدينة الجنوب على أي حال، لكنّه رجل أعمال، رأى في اصطدام فريقين بحجم ريال مدريد ونابولي بالدور الأول للبطولة كارثة اقتصادية، تؤثِّر لا محالة على مشاهدات البطولة، التي ودعها فريقه أيضًا أمام إسبانيول الإسباني.
وقتئذ، كانت بطولة أوروبا للأندية البطلة، المكافئه لدوري أبطال أوروبا، تُلعب بنظام أدوار الإقصاء من الدور الأول وحتى النهائي، على أن يشترك في البطولة بطل كل دوري مسجل بالاتحاد الأوروبي، دون أن تراعي القرعة أي فروقات بين الفرق المتنافسة.
ربما يبدو هذا النظام أكثر عدلًا، لكن طبقا لبرلسكوني، كان النظام نفسه يعني فقدان البطولة لأهم أنديتها أحيانًا بسبب ليلة واحدة سيئة، واستمرار أندية أقل شأنًا في البطولة.
حين دخل سيلفيو برلسكوني عالم كرة القدم، لم تكن اللعبة قد تحولت بعد لصناعة ضخمة. لذا كان حريصًا على استخراج أكبر قدر من العوائد من هذه الرياضة، خاصة وأنّه كان مستحوذًا كل شبكات التلفزيون الإيطالية وقتئذ، التي موّلت حقبة جنة كرة القدم الإيطالية.
بشكل مفاجئ، قام برلسكوني بإطلاق مشروع مشابه للسوبرليج، وهو مشروع دوري التلفزيون الأوروبي، وهي بطولة لنخبة الأندية الأوروبية. وعند انتشار الخبر، اضطر الاتحاد الأوروبي لتقديم بعض التنازلات للإبقاء على البطولة الأوروبية بأي شكل، كأهم بطولة كروية أوروبية.
ولادة دوري أبطال أوروبا
هل تتذكَّر ماذا كانت توابع إطلاق فكرة السوبرليج في 2021؟ بالضبط، غضب عارم من الجماهير، شجب وتمديد من اليويفا، ثُم جلوس على الطاولة لمحاولة إرضاء أندية النخبة.
في 2021، كان الغرض هو إعادة تقسيم عوائد البطولات الأوروبية بما يضمن أكبر قدر من المكاسب للأندية الكبيرة، وهو ما حدث بالفعل. لكن في 1992، وبفضل ما قام به برلسكوني ومعاونيه، وُلد دوري أبطال أوروبا بشكله الحالي، الذي يضمن مشاركة الأندية المنتمية للدول الأعلى في تصنيف اليويفا، مما يعني استحالة تكرار خروج الأندية العريقة من الدور الأول كما حدث مع نابولي.
ربما نجح برلسكوني بالفعل في حماية مصالح الأندية الكبرى، لكنّه كذلك، حرم الأندية الأقل شأنًا من محاولة تحدّي الظروف، ومقارعة الكبار؛ لأن ما كان من الممكن أن يحدُث بالسابق نظرًا لعشوائية القرعة وتقارب المستويات لم يعد ممكنًا، إلا في استثناءات نادرة، تثبت القاعدة ولا تنفيذها.