بعلبك أو الشمس، مدينة لبنانية تقع في قلب لبنان في سهل البقاع وشرق نهر الليطاني، تبعد عن بيروت حوالي 83 كيلومترا، تحدها سلاسل جبال لبنان من الجانبين الشرقي والغربي، وترتفع أرضها 1163 مترا عن سطح البحر، كما تبلغ مساحتها 7 كيلومتر مربع، أطلق عليها الرومان قديما “إهراءات روما” لوفرة محاصيلها الزراعية، حتى إنها أضحت مستودعا يمدهم بالقمح، أيضا موقعها الفريد جعلها محط الأنظار عبر العصور، فكانت ممرا للقوافل التجارية القديمة، حيث كانت تقع في مفترق طرق تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي، وشمال سوريا بفلسطين.
بدايات إنشاء بعلبك
بعد وفاة الإسكندر الكبير المفاجئ عام ٣٢٣ قبل الميلاد، من دون وريث لعرشه، اختلف قواده والأقرباء منه على الحكم حتى الانشقاق وانهيار الوحدة الإغريقية، استمرت هذه الحالة لمدة ٤٠ سنة ومن بعدها قُسٍمَتْ الإمبراطورية إلى أربعة ممالك وحصل البطالمة على مصر، ومن ثم فينيقيا وسوريا.
خلال الصراع بين البطالمة والسلوقيين (حكام واحدة من الممالك) الذي عرف أيضا “بالحروب السورية” دام الحكم المصري على المنطقة حتى العام ٢١٩ ق. م. وتناوبت المملكتان السلطة على مدن الساحل الشرقي من البحر المتوسط والمناطق الداخلية أو “سورية الجوفاء”.
النزاعات والسيطرة على بعلبك
عندما اندلعت الحروب مع أنطيوخس الثالث، حاكم الإمبراطورية السلوقية، في ١٩٨ ق.م. وقعت أخيرا هذه المناطق تحت حكم الملوك السلوقيين. لكن النزاعات الداخلية استمرت، وانتقل النفوذ من يد إلى أخرى. فأحيانا وقعت المنطقة تحت حكم الفرس والأرمن ومن جديد السلوقيين، وحينا حصلت المدن على نوع من الاستقلالية الذاتية. في نهاية القرن الأول ق.م. خلق اليطوريين مملكة جديدة وكانت مدينة عنجر عاصمتها وأصبحت بعلبك مركزها الديني الرئيسي وطال هذا الوضع حتى وصول الرومان في العام ٦٥ ق.م. تحت قيادة بومبي، المبعوث من قبل مجلس الشيوخ لإنهاء الارتباك الناجم عن الحروب الأهلية، وفرض “الباكس رومانا”.
خلال الفترة الهلنستية ( ٣٣٣-٦٤ ق.م.)، وسيما تحت تأثير البطالمة، تحولت عبادة الآلهة إلى ديانة شمسية. الإله بعل أصبح رع (الشمس) المصري المعروف تحت اسم هيليوس عند اليونان الذي أعطى اسمه إلى المدينة هليوبوليس “مدينة الشمس”، كمدينة أون في مصر.
تم تعديل باحة المعبد القديم وتوسيعها وتقرر بناء منصة لاحتواء معبد يوناني في اقصى الناحية الغربية. لكن هذه الباحة كانت أعلى من مستوى السهل المحاط بها، فمن الضرورة أن تكون المنصة قوية بما فيه الكفاية لدعم البناء على المساحة الجديدة للموقع (١١٣م× ١٣٥م).
نقش ونقل ثلاث صخرات وزن كل منها ٧٥٠طن، المصطفة على أساس الجدار الغربي، يعود، على الأرجح، إلى ما قبل فترة الهلنستية.
وتظهر النقوش المحفورة على جدران المعابد القديمة، أن تلك المدينة كانت عامرة بالبشر منذ 9 آلاف عام، حتى أن المؤرخ اللبناني “اسطفانيوس الثاني بطرس الدويهي” بطريرك الكنيسة المارونية في القرن السابع عشر، ذكر أن قلعة بعلبك أقدم ما بناه البشر في العالم، حيث أنشأها الفينيقيين في أوائل القرن الـ20 قبل الميلاد، وكان أول هيكل في المدينة لإله الشمس “بعل”، الذي يختفي وراء أعمدة معبد جوبيتير الرومانية، كما عثر في المدينة على مغارة للطحين تؤكد أن المنطقة كانت مأهولة بالبشر من آلاف السنين، وتتكون من مغارات متداخلة تدل على الحياة الاجتماعية الكاملة.
بعلبك والفتح الإسلامي
وتعرضت مدينة بعلبك للفتح الإسلامي مرتين عبر تاريخها، الأول خلال عامي 13 و14 هجرية، وإن كان لم يثبت فتحها في تلك الفترة، أما المرة الثانية فقد أكد المؤرخون على أنها خضعت للحكم الأموي ما بين عامي 662 إلى 750 ميلادية، ثم الحكم العباسي، مرورًا بالطولوني والفاطمي والأيوبي، وصولًا إلى المغول الذين عاثوا فيها فسادا، وأنقذها المماليك عام 659 هجرية، لتصل إلى الحكم العثماني لتستمر كإمارة تابعة لها منذ 1480 وحتى 1866 ميلادية.
ورغم تعرض بعلبك لقرون طويلة للتخريب، سواء علي يد الأباطرة، أو لأسباب طبيعية كالزلازل، إلا إنها ظلت تستوقف الرحالة، وتجذب الأثريين، وتغذي بأطلالها الأساطير، وتثير إعجاب كل زائر، فعندما زارها الإمبراطور الألماني “غليوم الثاني”، وشاهد الأضرار التي أصابت هياكلها الرومانية، أرسل وفدا من العلماء ليقوموا بعمليات الترميم والحفائر، وذلك خلال عامي 1900 و1904، كشف خلالها الأثريون عن الأجزاء الرئيسية للمعابد الثلاثة، وفي عام 1930، تابع وفد أثري فرنسي أعمال الحفر في معبد جوبيتير، ثم استلم الأثريون اللبنانيون مهام التنقيب والدراسات الحفرية بالاشتراك مع البعثات الألمانية منذ عام 1943، حتى بدأت الحرب اللبنانية عام 1975.