يعد تحليل الشخصية من أعمدة علم النفس الأساسية، حيث ظهر على يد خبير علم النفس الأشهر سيجموند فرويد، ليفسر سلوكيات الإنسان ورغباته وحتى مخاوفه، من أجل تحويله لشخص أفضل عبر اتباع خطوات العلاج، فما هي تفاصيل هذا الجانب العلمي المثير؟
تحليل الشخصية في علم النفس
تكشف نظريات تحليل الشخصية عن اعتقاد وإيمان راسخ، بأن كل شخصية تملك في العقل الباطن مجموعة من الأفكار والمشاعر والرغبات والذكريات، والتي تؤثر على تصرفاتها كافة فيما بعد.
أشار عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد، ومؤسس نظرية تحليل الشخصية، إلى أن أمورا حدثت منذ سنوات وعقود طويلة لشخص ما، قد تؤثر على قراراته فيما بعد، لذا يبدو استكشاف تلك الأسرار الكامنة في العقل الباطن والتعامل معها بصورة صحية، من طرق العلاج النفسي المثالية.
مبادئ نظرية تحليل الشخصية
يؤمن خبراء تحليل الشخصية بأن تهذيب العواطف والتنفيس عنها، وكذلك إدراك خبايا العقل وحالته الراهنة، يصبح ممكنًا عندما ينجح الإنسان في نقل محتوى العقل الباطن إلى العقل الواعي، ليبدو الألم النفسي حينها مستبعدًا.
يرى الخبراء كذلك أن أحد مبادئ تحليل الشخصية، يتمثل في أن سلوك الإنسان يتأثر دومًا برغبات العقل الباطن، وأن الأزمات النفسية مثل الاكتئاب والقلق المرضي، تنشأ حينما يحدث صدام بين العقل الواعي والباطن.
يؤكد سيجموند فرويد وغيره من خبراء تحليل الشخصية، أن الأحداث التي شهدتها مراحل الطفولة المبكرة، وتحديدًا تلك التي حدثت في الخمس سنوات الأولى، تؤثر بدرجة غير متوقعة على مدى تطور الشخصية فيما بعد.
عناصر العقل في تحليل الشخصية
يتكون العقل البشري من 3 عناصر أساسية وفقًا لنظرية تحليل الشخصية لفرويد، الهو والأنا والأنا العليا، حيث يبدو كل مصطلح من تلك المصطلحات قادرًا على وصف الكثير من الأمور، كما نوضح.
الهو
هو المصطلح الأول وربما الأبسط، والذي صاغه فرويد للكشف عن جوانب مباشرة في الشخصية، تتمثل في الدوافع، وسواء كانت بدائية أو أساسية، أو كانت راسخة بالعقل الباطن فحسب.
الأنا
تحمل الأنا على عاتقها مسؤولية التعامل مع المتطلبات الحياتية الأساسية، حيث تعمل على السيطرة بشكل كبير على رغبات الهو، لتمنع صاحبها من القيام بسلوكيات هدفها الوحيد هو إشباع الرغبات، وتحثه على الوصول لهدفه بصورة مقبولة اجتماعيًا، لتبدو من عوامل الاتزان بين الرغبات وبين المعايير والمبادئ العامة.
الأنا العليا
تعد الأنا العليا هي الجزئية الأكثر مثالية في العقل، والتي تحتوي على المبادئ والقيم التي يؤمن بها صاحبها، بعدما غرست داخله من خلال الأبوين والمجتمع، ليبدو الهدف الأسمى للأنا العليا هو حث الإنسان على اتباع تلك القيم والمبادئ.
الفارق بين العقل الباطن والواعي
يفرق علماء تحليل الشخصية بين أفكار الإنسان القابعة في العقل الباطن، والأخرى التي تشكل أحد أجزاء العقل الواعي، كما نوضح:
العقل الباطن
يحتوي العقل الباطن على الأفكار والدوافع والرغبات غير الجيدة أو الصعبة أو حتى غير المقبولة على الصعيد الاجتماعي، لذا تبقى مدفونة في العقل اللا واعي كونها قد تتسبب في الأزمات لصاحبها، فيما ينجح خبراء تحليل الشخصية في مداواة صاحبها، عند تحفيزه على إظهارها للعقل الواعي.
العقل الواعي
أما عن العقل الواعي، فهو الجزء الأبسط من العقل والذي يتكون من تلك الأفكار والدوافع والرغبات التي يدركها صاحبها جيدًا، حيث لا يسعى لكبتها أو إخفاء ملامحها، علمًا بأنه في بعض الأحيان، يبدو العقل الواعي واقعًا تحت سيطرة أفكار ومشاعر وذكريات كامنة بالعقل الباطن.
أمثلة على تحليل الشخصية
يعتمد تحليل الشخصية على قيام الطبيب النفسي بتشجيع الشخص على الكشف عن أفكاره الخاصة، التي تؤثر في سلوكياته دون أن يدري أحيانًا، فيما يبدو هذان المثالان من عوامل شرح الأمر بصورة أكثر وضوحًا.
المثال الأول
رجل بالغ يتمتع بصحة جيدة وحالة نفسية مستقرة، لكنه يعاني من خوف شديد تجاه الفئران، بدرجة تجعله يرتعد رعبًا عند رؤيتها، وربما يضع نفسه في مواقف محرجة أمام الآخرين حينها، علمًا بأن مجرد التفكير في أنه يحمل أحد الفئران بين يديه، هو أمر لا يحتمل في حد ذاته.
العلاج
علاج تلك الأزمة من وجهة نظراء خبراء تحليل الشخصية، اعتمد على استكشاف ذكريات هذا الرجل مع الفئران، إذ توصلوا إلى أن حادثا وقع له في مرحلة الرضاعة، وتمثل في قيام فأر صغير بعض أحد أصابعه، هو ما صنع تلك الأزمة، وخاصةً أن علاج تلك الحادثة القديمة تطلب خضوع الطفل آنذاك لعلاجات متعددة وارتبط في ذاكرته بنزيف دماء وحقن مؤلمة، باتت هي السر وراء هذا الخوف المرضي.
يحتاج المريض في تلك الحالة إلى مجموعة من الجلسات، ليس فقط من أجل اكتشاف أسباب الأزمة بل لعلاجها أيضًا، عبر طرق علمية تهدف إلى إقناعه بأن كل ما حدث صار من الماضي، وأنها مجرد ذكريات طفولة ليس من الضروري أن تتكرر من جديد، وخاصة وأنه أصبح بالغًا ومن ثم قادرًا على حماية نفسه بسهولة في وقت الخطر.
المثال الثاني
امرأة ناضجة تجد صعوبة شديدة في الاستمرار في علاقة عاطفية طويلة حتى إتمام الزواج، إذ تعترف بأنها لا تثق في الرجال تمامًا، وأنها أحيانًا ما تدفع الرجل للتخلي عنها بسبب أسلوبها المتحكم والمزعج، والذي يصل بها إلى محاولة مراقبة هاتفه خلسة؛ خوفًا من قيامه بخيانتها، الأمر الذي يشكل هاجسًا فعليًا لها، ويجعلها غير واثقة بنفسها بالدرجة المطلوبة.
توصل خبراء التحليل النفسي في تلك الحالة، إلى أن سر أزمة تلك السيدة يتلخص في ما شهدته طفولتها من أحداث درامية، حيث نجح الخبراء في تحفيزها على التحدث عن علاقة الزواج المتوترة التي عاشها والداها، والتي اعتاد الأب خلالها الاعتداء بالضرب على الأم، قبل أن يهجر عائلته وطفلته لم تتجاوز الخامسة، لتصبح على ما هي عليه الآن.
العلاج
يبقى هدف خبراء علم النفس في تلك الحالة، هو تخليص المرأة من تبعات ذكريات طفولتها القاسية، والتي تعد أخطرها الاعتقاد بأن كل الرجال على شاكلة والدها، إذ يؤدي النجاح في إقناع الحالة بأن الرجل السوي أو التقليدي لا يقوم بالاعتداء على المرأة أو التخلي عنها مهما كانت الظروف، وأن وضعها كان استثنائيًا، إلى تجاوزها لأزمتها سريعًا، حتى يصبح زواجها ممكنًا فيما بعد.
إيجابيات تحليل الشخصية
شهد تحليل الشخصية المزيد من التطور بعد رحيل سيجموند فرويد، وبزوغ نجم علماء آخرين مثل إريك إريكسون، لتظهر إيجابيات هذا الجانب المهم من علم النفس، والممثلة في:
- ساعد تحليل الشخصية في تطوير علم النفس التجريبي.
- ساهم في فهم خبايا العقل البشري وكيفية تكون أفكاره.
- قدم تحليل الشخصية في علم النفس فرصة تقليل توتر المرضى عبر الكلام مع المتخصصين.
- بدا ناجحًا في علاج الاكتئاب واضطرابات الأكل وكذلك بعض من اضطرابات القلق.
سلبيات تحليل الشخصية
إن كان تحليل الشخصية يحظى بالإيجابيات ونقاط القوة، فإن هناك بعض السلبيات التي أحيطت به على مدار سنوات طويلة، مثل:
- ركزت نظريات فرويد على العقل الباطن، لتزيد من أهمية ذكريات الطفولة بصورة مبالغة أحيانًا.
- أغلب المفاهيم التي صاغها خبراء تحليل الشخصية، لا يمكن قياسها بصورة علمية.
- اعتمد فرويد في كثير من أفكاره على تجارب محددة، قد لا تسري تفاصيلها على الجميع.
- ينجح تحليل الشخصية في علاج المشكلات النفسية ولكن على المدى البعيد.
في الختام، وسواءً بدت نظريات تحليل الشخصية مثالية لاكتشاف خبايا الإنسان، أو كانت طويلة الأمد وغير مناسبة للعصر الحالي الذي يتسم بالسرعة، فإنه لا يمكن التقليل من دورها في التوصل لأغلب المبادئ، التي صارت منهجًا يحتذى في العلاج النفسي في وقتنا الحالي.