“طفلك لا يلعب أبدا مع أقرانه، إنه مصاب بالتوحد”، “لابد أنك تعاني انفصاما في الشخصية، كل يوم أنت في شأن”، “لديك كل أعراض مرض اضطراب ثنائي القطب”، “طفلك لا يهدأ أبدا، لابد أنه مصاب بداء فرط الحركة“.. بهذه العبارات وغيرها يشخص بعض الأشخاص العاديين أمراضا واضطرابات نفسية تكون في غاية الخطورة إذا ما شخصت بشكل عشوائي دون أن يكون لدى أي منهم أي فكرة طبية عما يشخصونه.
تعد أمراض مثل التوحد والفصام والاضطراب ثنائي القطب واضطراب فرط الحركة وغيرها من الأمراض النفسية التي لا يصح تشخيصها دون علم ودراسة، أي لا تكفي قراءة بضعة سطور عن المرض على شبكة الإنترنت لتصبح مشخصا نفسيا، ومن الخطورة الاستماع إلى آراء عشوائية من أشخاص لا يملكون خلفية علمية حتى وإن توافقت آراؤهم مع رأي الطبيب.
ولا يعد الإنترنت مصدرا جيدا لمعرفة أعراض الأمراض بكل أنواعها، تبدو استشارة “جوجل” أو “موسوعة ويكيبيديا” أمرا في غاية السهولة لكنه على درجة كبيرة من الخطورة فقد يجعل أحد الأشخاص يتخيل إصابته بمرض ما ويعيش حياته وفق هذا الأساس وهو في الحقيقة لا يعاني أي خطب!
تتشابه كثير من أعراض الاجهاد العادي والقلق واضطرابات مرحلة المراهقة، مع بعض أعراض أمراض نفسية كالفصام واضطراب ثنائي القطب، حيث يرى المراهق نفسه وقد تبدلت حالته من المساء حتى الصباح، وبعد أن كان مبتهجا مسرورا أصبح مكتئبا فجأة أو العكس، وهذه بعض أعراض الاضطراب ثنائي القطب، لكنها لا تعني بالضرورة الإصابة به، ويحتاج الشخص في هذه الحالة إلى رأي طبيب خبير يمكنه الفصل بسهولة بين أعراض عادية وأعراض مرضية.
شاع في كثير من الأوساط المجتمعية أن يتم وصف الطفل كثير الحركة والنشاط بـ”طفل مفرط الحركة”، وغالبا ما يكون الطفل سليما معافى وأحيانا أكثر ذكاء من أقرانه، لكن الخطأ في التشخيص دون علم من الممكن أن يفقد الطفل كثيرا من ميزاته، والأسوأ أن يلجأ الأهل لتصديق مزاعم المحيطين وربما يبدأون في معاملة الطفل على هذا الأساس بما في ذلك إعطاؤه بعض الأدوية دون استشارة الطبيب.
بخلاف اضطراب فرط الحركة، درج بعض الأشخاص على وصف الطفل الهادئ بالطفل التوحدي، وكأن الأمر لا بد أن يكون كذلك، إن كان الطفل نشيطا فهو مصاب باضطراب فرط الحركة، وإن كان هادئا فهو توحدي بالتأكيد، أين الأطفال الأصحاء إذن؟
لا مزاح هنا، تشخيص الأمراض النفسية ليس متاحا للجميع، لا تكفي كل المعلومات الطبية في الكتب والمراجع الطبية أو على شبكة الإنترنت لتخرج طبيبا أو عالما نفسيا، فلا تعرض نفسك أو طفلك لتشخيص عشوائي من غير ذي علم، والشيء الصحيح الذي عليك فعله حيال الأمر هو الذهاب إلى الطبيب النفسي إذا ما واجهتك مشاكل لا تعرف لها سببا، فقط الطبيب هو من يستطيع مساعدتك.