قد يبدو للوهلة الأولى شخصًا طبيعيًا لا يعاني من أي مشكلات نفسية أو صحية؛ لكنه داخليًا يحارب وساوس وأوهاما تمكنت منه بالإصابة بمرض معين رغم عدم وجود أي دليل طبي يشير إلى ذلك، التفسير هنا هو توهم المرض، أو الخوف المبالغ به، المرتبط بوساوس إصابته بأعراض مرضية خطيرة، الأسباب والأعراض وطرق العلاج لاضطراب التوهم المرضي في السطور التالية.
ماذا تعرف عن اضطراب توهم المرض؟
توهم المرض (Hypochondria) أو اضطراب المرض القلقي أحد الاضطرابات النفسية التي احتلت مكانة في البحث العلمي والدراسات النفسية في السنوات القليلة الماضية وعلى وجه الخصوص مع انتشار جائحة كوفيد 19، حيث يشعر الشخص بقلق شديد من الإصابة بالأمراض، مع التوهم الدائم بأنه حتمًا سيصاب بها، فيبدأ الدخول في نوبة من القلق والاكتئاب والحزن مع انتظار إصابته بمرض خطير قريبًا.
سيطرة مثل هذه الأفكار على الشخص تثير معها عدد من الأعراض التي تجعله غير متزن نفسيًا، فتسبب له مشكلات صحية جسديًا ونفسيًا، بل وتؤثر على حياته الشخصية والاجتماعية، لذا يمكن تعريف توهم المرض بأنه “اضطراب نفسي يتسبب في حالة من الفزع والخوف غير المنطقي بدون سبب من الإصابة بمرض خطير ليعاني من وساوس ظهور أعراض هذا المرض عليه”.
أسباب توهم المرض
أثارت النسب المرتفعة لظهور أعراض اضطراب المرض القلقي الباحثين في الطب النفسي وعلم النفس إلى التقصي والتحليل لمحاولة وضع أسباب محددة تؤدي للإصابة به، وعلى الرغم من عدم التوصل لسبب مباشر؛ إلا أنه توجد مجموعة من العوامل التي تساهم في ظهور أعراض توهم المرض، ومن هذه العوامل:
الخبرات السابقة
تعتبر الذكريات والتجارب المؤلمة من أخطر أسباب توهم المرض، فالتعرض لصدمة نفسية في الطفولة مثل إصابة شخص قريب بمرض خطير أو الخوف الملازم للآباء من الإصابة بمرض معين كلها ذكريات تترسخ في عقل الشخص حتى يكبر ليعاني منها، كما أن تعرض الشخص لأزمة صحية في الطفولة أو أعراض مرض مزمنة قد تسبب له حالة من الخوف والقلق المبالغ فيه من المرض.
الشخصية القلقة أو الوسواسية
الشخصية الوسواسية أو التي تعاني من أعراض الوسواس هي الأقرب للإصابة بأعراض التوهم المرضي، فهو شخص يقلق من كل شيء، ويحافظ على صحته بطريقة مبالغ فيها، حتى إنه يتوهم إصابته بمرض معين ويتخيل أعراضه ويعاني من آلامه دون أن يكون مصاب به ليبدأ في طرق علاجية وتشخيص لشيء غير موجود.
الفهم الخاطئ للجسم
قد يتسبب ضعف القدرة على فهم تغيرات الجسم خاصة مع تقدم العمر أو التغيرات البيولوجية والكيميائية في وظائفه في الفزع والقلق الشديد عند ظهور أي أعراض صحية، كما أن القراءات غير الصحيحة وعدم فهم المعنى الصحيح من بعض الأطباء أو مواقع الإنترنت والبرامج الطبية يتسبب في ترسيخ اعتقادات خاطئة للأحاسيس التي يشعر بها الشخص من جسده ليفسرها على أنها أعراض خطيرة لمرض.
الضغوط الحياتية
أشار عالم النفس فرويد إلى أن ثمة مشكلات نفسية تلك الناتجة عن الضغوط الحياتية تجعل الشخص يبحث عن منفذ للهروب منها والتخلص من المسؤوليات المؤولة إليه وواجباته تجاه أسرته أو عمله أو أصدقائه ومجتمعه، وقد يكون توهم المرض أحد هذه المنافذ للتخلص من الإحباط والقلق والشعور الدائم باليأس وكراهية كل ما هو محيط به.
التغيرات الكيميائية في الدماغ
تتسبب بعض التغيرات الكيميائية الموجودة بالدماغ عن الإصابة بعدد من الاضطرابات النفسية مثل الوسواس القهري واضطراب المرض القلقي، حيث تبدأ هذه التغيرات في التأثير على إشارات المخ المرسلة إلى الجسم وعلى تفكيره ومشاعره فتظهر أعراض الاضطراب على السلوك الظاهر للشخص.
التقدم في العمر
فسر عدد من متخصصي الطب النفسي سلوكيات بعض كبار السن بتوهم أعراض بعض الأمراض، وأنهم يشعرون بالألم من مرض معين، وقد يبالغون في وصف بعض الأعراض كمحاولة لجذب الانتباه والاهتمام من المحيطين بهم، فقد كان التجاهل وفقدان الاهتمام والرعاية هي الدوافع لتوهمهم المرض.
أعراض التوهم المرضي
أشارت دراسات نفسية إلى أن أعراض التوهم المرضي قد تظهر في شكل قلق أو انفعال أو فقدان تركيز دون تحديد لأعراض بعينها، خاصةً مع اعتبار أعراض الاضطرابات النفسية اضطرابات غير مفهومة، وتظهر بدون سبب وبشكل مبالغ فيه لدى المريض، وإن كانت ترتبط بعامل العمر بصورة كبيرة؛ فكلما تقدم الشخص في العمر وبخاصة فيما فوق الأربعين زادت حدة هذه الأعراض، ومن أبرز أعراض توهم المرض:
- الاعتقاد الراسخ بأنه شخص مصاب بمرض خطير ولديه أعراضه.
- التركيز غير المنطقي مع العضو أو الجزء المصاب منه بحسب توهمه وترقب ظهور أي أعراض عليه.
- اعتقاد الأعراض البسيطة أو تغيرات الجسم ووظائفه أعراض تشير إلى مرض خطير.
- القلق المستمر والاستعداد الدائم لظهور أي أعراض أخرى لتصديق أوهامه.
- كثرة الفحوصات الطبية والذهاب المتكرر إلى الأطباء لإجراء الفحوصات بدون أي دعوى.
- التوتر بمجرد تذكر شخص مصاب أو التعرض لخبر عن إصابة أحد الأشخاص بمرض.
- الهلع والفزع من الإصابة بأمراض بسيطة مثل الإنفلونزا أو تقلصات البطن البسيطة أو الصداع.
- كثرة التحدث عن الأمراض أو المرض الذي يعتقد إصابته به مع الآخرين، وتكرار الكلام عنه بصورة ملحوظة.
- الشعور بعدم الراحة والألم وتوهم المعاناة والشكوى المستمرة من الأوجاع.
- البحث المستمر عن أعراض المرض وطرق العلاج سواء بالقراءة أو عبر مواقع الإنترنت.
مضاعفات توهم المرض
التوهم المرضي قد يبدو بسيطًا في أعراضه؛ لكنه يعيق الشخص عن التعايش الطبيعي مع من حوله، فيبدو شاردًا غير متزن طوال الوقت، بالإضافة إلى تأثير وساوس المرض على استقراره النفسي والعقلي، ومن مضاعفات توهم المرض:
- الدخول في حالة اكتئاب وحزن مستمرة.
- العزلة والابتعاد عن الآخرين.
- الإصابة بالوسواس القهري.
- العصبية والسلوك العدواني.
- البحث المستمر عن أسباب لمرض غير موجود.
- الفزع وفوبيا المرض من أي أمراض بسيطة.
- إهمال حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية.
- تعاطي الكثير من الأدوية والعقاقير التي تؤثر على صحته.
- التعرض لأزمات مالية بسبب كثرة تكاليف زيارات الأطباء وشراء الأدوية.
تشخيص التوهم المرضي
يعتمد الطبيب النفسي في تشخيص اضطراب التوهم المرضي على عدد من الاختبارات وطرق التقييم للتوازن النفسي للشخص، ومن أساليب تشخيص توهم المرض:
- جلسات مع المريض لمعرفة ما يدور بداخله من مخاوف من إصابته بمرض، والضغوط في حياته وتاريخه العائلي وذكريات طفولته.
- استخدام تقييم نفسي للمريض.
- معرفة تاريخه المرضي لمعرفة إذا كان يشكو من أي مرض آخر يؤثر عليه.
متى تظهر أعراض التوهم المرضي؟
جميع الأشخاص فيما فوق مرحلة البلوغ عرضة للإصابة باضطراب المرض القلقي، وإن كانت المرحلة الأكثر عرضة له هو مرحلة فيما فوق الخمسين من العمر، حيث يكون الشخص في هذه المرحلة بحاجة أكبر للاهتمام والرعاية، تجعله يتوهم المرض أو يعتقد أنه سيصاب بمرض خطير ولن يجد الرعاية الكافية، وقد أشارت دراسات أخرى إلى أن النسبة الأكبر تكون بين النساء نتيجة ارتباط التقدم في العمر لديهن بالإصابة بأمراض الشيخوخة والخوف من النبذ من الآخرين وفقدان الاهتمام والرعاية.
علاج التوهم المرضي
لا يقصد بالعلاج هنا وصف الأدوية التي ستخلص الشخص نهائيًا من المرض؛ بل يقصد به مساعدته ليتغلب على مخاوفه وأوهامه، وليتخلص من اعتقاداته الراسخة بأنه شخص مريض أو لديه مشكلات صحية تحتاج إلى العلاج وكثرة الذهاب إلى الأطباء والمشافي، لذا يستند علاج اضطراب القلق المرضي على شقين:
- العلاج النفسي.
- العلاج بالأدوية.
أولًا العلاج النفسي
أثبت العلاج النفسي متمثلًا في العلاج المعرفي السلوكي (CBT) فعاليته في علاج هذا النوع من الاضطرابات النفسية، حيث يقوم على فهم أفكار وسلوكيات الشخص ودوافعه، من أجل إعادة توجيهها ليكتسب الشخص مهارات ومعارف جديدة، يستطيع من خلالها التحكم في غضبه أو قلقه المستمر من المرض، ويقوم العلاج النفسي على:
العلاج المعرفي السلوكي
يشتمل العلاج المعرفي السلوكي على عدة خطوات وهي:
- فهم مخاوف الشخص وأسباب القلق لديه.
- تحليل الشخصية ومعرفة نقاط القوة والضعف وأسباب الخوف.
- مواجهة الشخص بمخاوفه ومعتقداته الزائفة، ليدرك أنها أوهام ليس لها وجود.
- توعية الشخص بتأثير هذه المخاوف عليه وعلى صحته وحياته.
- اكتساب معارف ومهارات حياتية جديدة للتغلب على مخاوفه.
- تعليمه كيفية فهم أحاسيسه وتغيرات جسمه بشكل صحيح.
- تدريبه على التخلي عن السلوكيات السلبية مثل كثرة تفقد جسمه وأعضائه، أو الانتباه الشديد لعمل وظائف الجسم.
الإرشاد العلاجي
يحتاج المريض طوال رحلة العلاج إلى صديق ومرشد يفهم ما يعانيه ويلجأ إليه في ضعفه؛ وهنا يكمن الدور القوي للأخصائي النفسي، حيث يرشده للطريق الصحيح لتفريغ خوفه وقلقه، وكيف يستبدل هذه المعتقدات بأفكار إيجابية أخرى، كما أنه يوجه أسرة المريض لكيفية التعامل الصحيح معه، وتقديم النصح والمساندة، بالإضافة إلى مساعدة مريض اضطراب المرض القلقي في تحقيق تفاعل اجتماعي وبناء علاقات سوية مع من حوله.
ثانيًا العلاج بالأدوية
غالبًا ما يتم وصف الأدوية المضادة للاكتئاب والمهدئات في حالات مصابي توهم المرض في الحالات الحرجة وشديدة الأعراض، ومنها مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، بالإضافة إلى مضادات القلق، ولكن يجب استخدام هذه الأدوية فقط تحت إشراف الطبيب وبناءً على تعليماته.
نصائح للوقاية من توهم المرض
المرض هو ابتلاء من المولى عز وجل، وعطاء من رب العزة لا يمكن لأحد أن يغضب منه أو يرد عطاءه، ولكن الأمر يتطلب فقط منك التقبل والرضا إذا مرضت، فأنت في معية الله وبإرادته وقدرته فقط ستشفى، ولكن كثرة الخوف أو الفزع أو انتظار المرض إنما هو موت لجسم ما زال ينبض، عليك أن تكون أكثر تفاؤلًا واترك الغد لرب اليوم والغد، وكن على يقين من رحمة الله، وهذه مجموعة من النصائح لتتخلص من أوهامك ومخاوفك:
- اشغل وقتك بما يفيد من قراءة أو استماع لموسيقى هادئة أو مذاكرة أو عمل أو ترفيه وتسلية مع أسرتك وأصدقائك.
- وطد علاقتك بالله وأحسن ظنك فيه وتفاءل بالغد.
- تجنب الإكثار من تناول المنبهات والكافيين.
- أقلع عند التدخين.
- مارس رياضة مفيدة ومناسبة لجسمك للتخلص من القلق أو الأرق.
- التزم نظاما غذائيا صحيا وسليما.
- ساهم في أعمال خيرية ومجتمعية.
- لا تركز على ذاتك وضع الإنجاز نصب عينيك.
- تجنب البحث المستمر عن الأمراض وأعراضها.
- واجه مخاوف المرض أو الأفكار المرتبطة بالخوف من مرض ما.
علاج توهم المرض بالقرآن
القرآن الكريم مفتاح القلوب ونور العقول، ينبع منه سراج منير للمستقبل والحاضر، ورضا عن الأمس، فيه العلاج من أي خوف والطمأنينة والأنس بالله، وبه من الأدعية ما يناشد القلب ويمتزج بالروح لتشعر بالقوة والصبر والرضا، لذا خطوة هامة وإن كانت الأهم هو التقرب من الله تعالى لتتخلص من آلامك النفسية وخوفك غير المبرر من المرض.
فقراءة سورة البقرة وآية الكرسي والمعوذتين يوميًا هي روشتة نبوية كريمة تخلصك من الهم والحزن والخوف، وأذكار الصباح والمساء وما بها من أدعية قرآنية شريفة تجعلك واثقًا مطمئن الخطى، فأنت في معية الله ومحفوظ من الشيطان الرجيم ووساوسه، لذا عليك بالصلاة وقراءة القرآن والأذكار صباحًا ومساءً وبعد كل صلاة، وكثرة الدعاء وتجنب المعاصي، كما أنه عليك بالعمل الصالح وإشغال عقلك وجسدك بالعمل، واخلُ بعقلك وقلبك عن شرور البشر واسمُ بروحك عن قلق النفس وشرود الهوى.
علاج توهم المرض بالأعشاب
العلاج بالأعشاب للاضطرابات النفسية لم تثبت فعاليته كعلاج مؤثر؛ وإن كانت هناك بعض الأعشاب التي تساعد في الحد من القلق أو الاسترخاء أو كعامل مساعد مع العلاج النفسي للتخلص من الأوهام ومنها أوهام المرض، فهناك عشبة تعرف باسم عشبة القديس جون أو عصبة القلب يذكر أن لها فوائد في علاج الوساوس ومنها وسواس المرض.
كما توجد بعض الأعشاب الأخرى التي يمكن أن تساعد في الحد من القلق أو الخوف المستمر من المرض مثل عشبة كافا وعشبة الباكوبا. ولكن يجب عدم استخدام هذه الأعشاب دون استشارة الطبيب خاصة في حالة استخدام أدوية.
أخيرًا، المرض النفسي ليس نهاية العالم، ولكن المخيف في الأمر هو انتظار الموت أو توهم المرض وتوهم أعراضه وآلامه، فأنت لست بمريض ولكنك أقنعت نفسك بالمرض وتعايشت مع ذلك، ولكن ما زالت الفرصة سانحة للعلاج والتخلص من هذه الأوهام.